[نظرية في أصل النغمات الرئيسة السبعة]
الأذن هي واحدة من النوافذ أو الحواس الخمسة التي نطل بها وتسمح لنا بالتعرف والتفاعل مع العالم الخارجي والتي لولاهن أي الحواس لأصبحنا كالحجر وفي أحسن الظروف مثل الشجر. هذا الجهاز الذي يبدأ بالأذن الخارجية أوالصيوان,كجامع معقد الشكل ومتخصص في الأداء دوره إستلام الأصوات من عدة نواحي,وخصوصا من الجانبين ومن الأمام دون الحاجة لتوجيه الأذن لمصدر الصوت, فمن عجائب الصيوان, كمثال وفي أسفل الأذن خلف الفتحة تماما, وجود تقعرشبه مستدير يلعب دور السطح اللام العاكس,بارابول, للصوت القادم من الأمام وتقابله زائدة صغيرة تلعب دور العاكس للحزمة الصوتية الناتجة عنه فتوجهها بأتجاه ثقب الأذن .إن صغر حجم الأذن البشرية وعدم قدرتها على الحركة في كل الأتجاهات وخصوصا للخلف كما عند الضواري والعشبيات يرجح أن طبيعة تطورها وأستخدامها أصبح يرتبط بالتواصل الأجتماعي أكثر مما هو للحماية الذاتية أوالتقصي لغرض الصيد مثلا كما تفعل الضواري. من جهة أخرى الأذن البشرية تختلف بالظرورة عن تلك التي تتمتع بها الحيوانات الأخرى فهي مثلا تستطيع أن تسمع وتترجم فقط ترددات درجات صوتية معينة وتعجزعن سماع ترددات فوقصوتية أي ترددات موجية قصيرة أو تحتصوتية أي موجية طويلة في حين إن بعض الحيوانات كالكلاب مثلاً تستطيع ذلك. ولكن هذه الأذن البشرية عندها قابلية التعرف والتمييز في ذاكرتها السمعية في الدماغ بين آلاف الأصوات التي تحيط بها وأيضا وهنا بيت القصيد فهم وترجمة الحروف والجمل الصوتية التي تتشكل منها اللغة البشرية ذلك أن ذاكرتنا السمعية وقابلية الأستيعاب الفسلجي فيها تطورت حتما بالتزامن مع التطور اللغوي للأنسان منذ عشرات الألوف من السنين وأيضا قدرتها ترجمة الأسماء والصور والحالات، بمعنى أن تطور اللغة وثراء مفرداتها أدى الى اتساع قابلية الأذن للتحسس والتمييز الدقيق بين الأصوات التي تتشكل منها المفردات بأدق فروقاتها,أي أذن وذاكرة سمعية تفاعلية قابلة للتطور, وما لذلك من أثر بعيد على نشأة الموسيقى كما سنرى فيما بعد. ولكن مع كل هذا فأن الأذن البشرية لمختلف البشر لاتتساوق في سماع الأصوات وترجمتها في الدماغ بنفس الدرجة على الرغم من أن الجميع يولدون بنفس الملكات تقريبا ذلك أنها لم تمرن على سماع تلك الأصوات في بيئتها أو ثقافتها فهي قد تسمع الصوت ولكنها لاتفقه مغزاه وفروقات تردده فلا تعيره أهمية في حين أن أذن أخرى تسمعه بشكل حميمي تفهمه ووتتعاطف معه لأنه نابع من بيئتها.نفهم من ذلك بأن مايدخل الأذن البشرية من أصوات هو مرتبط بترددات معينة وإن للبيئة الصوتية التي يعيشها الأنسان الأثر الكبير في تدريب وتهذيب قابليات الأذن فمثلاً قد يسمع المرء جملة كلامية تحتوي على حروف بأصوات معينة لم يسمعها ولم يتعود عليها من قبل تجعله ينأى عنها لأ نها لن تترك أثراً في نفسه لأن دماغه لم يجد لها وجودا بين مفرداته فينكرها وقد ينفرها في حين أن تلك الجملة نفسها هي محببة ومفهومة لنفوس متحدثيها
علاقة اللغة بالموسيقى
نعرف أن حاسة السمع لم تخلق أساساً من أجل الموسيقى وانما لألتقاط جميع الأصوات حولنا وإن الأذن والذاكرة السمعية في مراكزها في الدماغ يرتبطان بشكل وثيق بالبيئة الصوتية فصوت قطعة نقدية معدنية على أرضية صلبة هوغير صوت طرق مسمار مثلا وندرك أيضا أن هناك فروقات في درجات التذوق السمعي عند البشر تزداد سعة أو إقتراباً بشكل طردي كلما أختلفت البيئات الأجتماعية اللغوية المرتبطة بالطبيعة وتباينت مثل تباين البيئة السهلية عن تلك الجبلية أو الغابية والجزرية البحرية ..الخ .من هنا كانت اللغات الأصلية وعوائلها المتفرعة منها في الغالب هي النتيجة المباشرة لتنوع تلك البيئات الطبيعية.من جهة أخرى فان الموسيقى, في بدايات نشأتها الأولى لم تكن حتماً تلك التي نعرفها اليوم من معزوفات بآلات موسيقية ولا حتى بصحبة أية آلة بل كانت مجرد أصوات تطلق للتعبيرعن الفرح ،كالهلاهل أو الهمهمات مثلا أو أصوات وصرخات تصاحب رقصات الحرب والنصر أو ترنيمات رتيبة ترددها الأم لتهدئة طفلها لتنويمه أو نغمات حزن وترديد عبارات مرافقة لنحيب جماعي أو إنفرادي ثم أصبح يرافقها أحياناً إيقاعات بدائية بصفق الكفين مثلا لتنسيق مسارالنغمات وطبقاتها او بالطرق على قطعة خشبية أو جذع أجوف مما يعطي تلك النغمات بعداً وصدى أبعد أثرا في النفوس فيؤطرها ويزيد من فعلها، ثم إنتشرت أنواع الدفوف والطبول لترافق رقصة الحرب الجماعية أو رقصة الطبيب الساحر الأنفرادية أو الدرويش …كل هذا كان موجود ويحدث لأمد قريب بل مازلنا نراه في بعض المجتمعات المنغلقة على نفسها. النغمة بدأت كصوت بشري أحادي كالصفير مثلا أو بإطالة صوت ما كالراء أوالسين أو الزاي أو الهمزة…الخ ثم تطور فيما بعد ليصبح مجموعة حروف صوتية تعطي توليفة نغمية. وبتطور اللغة وثراء مفرداتها أصبح بالأمكان نظم جمل تغنى خصوصاً وإن أغلب شعوب الأرض عرفوا نظم الشعر المقفى وهو عبارة عن جمل تصلح للغناء ويمكن ترجمتها أو تأويلها لموسيقى صوتية بإستخدام االحنجرة والفم ولازال الكثير من الناس لليوم يستطيعون الغناء أو التنغيم دون الحاجة لأية آلة مرافقة بل هنالك أنواع عديدة من الأغاني لايحتاج فيها المؤدي لأية آلة موسيقية وهذا يثبت بأن نشأة الموسيقى كان بالبداية عن طريق الغناء بل أن ظهور الآلات الموسيقية الأولى كالناي والرباب والقيثارة جائت لتقلد الصوت البشري ولمرافقته وتأطيره لا لتنوب عنه أي أنها مكملة له غير منفصلة عنه لذا تجد أن المنشد أو المغني كان في أغلب الأحيان هو نفسه العازف. لقد وصل التفنن والأتقان في صناعة هذه الآلات مراحل كبيرة بهدف أن تكون مطابقة ومشابهة في أدائها لملكات صوت البشر وكبرهان على ذلك كان يراعى في مجالاتها الصوتية أن لاتتعدى قابليات طبقات المغني الصوتية النغمية والتي لاتزيد عادة عن الثلاثة مجالات نغمية -أوكتافات- أي ثلاثة مرات السلم الموسيقي مترتبة من أغلظ صوت يمكن ان يطلقه المرء حتى أرفع صوت وعلى هذا الأساس كانت الرباب بوتر ثم أثنين والعود البدائي الصغير والذي كان مشابها للبزق بوتر ثم بوترين غليظ وحاد لكن بزند طويل يستطيع العازف ان يستخرج منه ما يشابه صوت البشر مابين الغلظة والحدة ثم تطور تدريجيا وصولاً لخمسة وستة أوتارولكن بزند قصير تبعا لحجم الصندوق الصوتي أي كلما كبرهذا الصندوق الصوتي تدريجيا عبر الزمن للزيادة في تضخيم الصوت لأيصاله لعدد أكبرمن الحظور في قصور الخلفاء والسلاطين قصرالزند بالظرورة إحتجنا لإضافة وترجديد.لم يكن المراد من نغمات هذه الآلات بمجموعها أن تتعدى حدود إمكانية البشر النغمية أي الثلاثة مجالات نغمية.مما تقدم يفهم إن الموسيقى ومنذ البداية إرتبطت بشكل مباشر بالأصوات البشرية أي أنها نابعة منها ولم تأتي من خارج منظومة الصوت البشري سوى في بعض الحالات النادرة المتعلقة بالسحر والعبادة التي يرافقها أصوات ببعد روحاني أو تلك الخاصة بالآلات الأيقاعية.إن هذا الكلام يستدعينا لفهم العلاقة الوثيقة بين الموسيقى ولغة كل أمة وأنه من أجل فهم معمق لموسيقى أمة ما من الأمم لابد من دراسة وتذوق لغة تلك الأمة وخصوصا أصوات حروفها وطريقة نطقها وأصوات مفرداتها وجملها مما سيسهل لك رؤية مدى الترابط بينها وبين موسيقاها الشئ الذي يتجلى بوضوح في أغلب الموسيقات التراثية الأصيلة فالموسيقى الهندية التراثية تشبه نغمات أصوات لغاتها وأيضا الصينية وكذلك التركية والفارسيىة والعربية والفيتنامية..الخ.ونستطيع القول أكثر من ذلك,فحتى الآلات الموسيقية القديمة عند الشعوب العريقة صممت لتؤدي نغمات مشابه أوتحاكي نطق لغاتهم والشواهد على ذلك عديدة كالرباب الصيني والفيتنامي وآلات النفخ والسيتار والناي والطبلة عند الهنود والسنطورعند الفرس والعود والرباب عند العرب والناي عند الترك والكمان عند الشعوب الأوربية.فالعود والرباب مثلا رافقا المنشد العربي لقرون طويلة ويستطيعان لو وضعا بيد العازف الماهرأن ينوبان عن المغني في أداءه حتى لتتسائل أحيانا من منهما كان يغني ومن يعزف؟ والكمان أيضا تستطيع أن تؤدي نفس الدور للعازف والمغني الأوربي الماهر.ولنبق برهة مع هذين المثالين حصريا فهنا سؤال يطرح نفسه لماذا العود كان ولا يزال محببا لدى العرب ولماذا الكمان هو كذلك أيضا عند الأوربيين؟هنا أيضا ومرة أخرى تتجلى علاقة اللغة بالموسيقى من خلال تقنيات تطويرالآلات الموسيقية فاللغة العربية يغلب عليها سمة الأيقاع في أصوات حروفها الصحيحة ولكنك تجدها فقيرة مقارنة بشعوب أخرى بتنوعات حروف العلة نتيجة للبيئة المفتوحة الشاسعة التي تطورت فيها والتي تستدعي لغة مخاطبة واضحة المقاطع, والعود يستطيع أن يؤدي نغمات موسيقية رنانة مرفقة بخلفية ايقاعية مقطعية مشابهة نسبيا لأصوات الحروف الصحيحة وهذا هو سر تميزه عن الكيتار أو غيره من الآلات التابعة لنفس العائلة الوترية في حين أن الكمان وكونها تعتمد سحب القوس على الوتر يمكنها أن تؤدي بأمتياز أصوات حروف العلة وتوليفاتها وهذا ما تمتاز به أكثر عوائل اللغاة الأوربية أي هي تناسب الغناء الممتد المدغم اذا جاز التعبير والفقير بالأيقاعات والأصوات الصحيحة ذات المقاطع القصيرة,لذلك ترى بأن الموسيقى الغربية الكلاسيكية بصورة عامة فقيرة بالآلات الأيقاعية عكس الشرقية التي تمثل فيها الطبلة والرق والآلات الأيقاعية الأخرى أساسيات وتدعى لأهميتها بظابطات الأيقاع بل أن هنالك من يذهب لتصنيف آلة العود كآلة أيقاعية والصحيح هو ان العود في تردد أوتاره يؤدي الأثنين النغم الملحون والأيقاع سوية ولهذا السبب يمكن للطبلة وبكل سلاسة مرافقة العود ويمكن أيضا للكمان مرافقته بأنسجام تام, بسبب وجود حلقة وصل لكليهما في آلة العود نفسها مما يعطيه أسبقية أمكانية تمثيل أو محاكاة صوت المنشد مقارنة بالآلات الموسيقية الشرقية الأخرى
هل الموسيقى لغة عالمية يفهمها الجميع؟
أن الترابط الموسيقى بالمحيط أوالبيئة المسموعة لايختص فقط باللغة المحلية بل يذهب لأبعد من ذلك ليتصل بالحواس الأخرى أيضاً فالدماغ إضافة لتسجيله لتلك الموسيقى التي سمعتها منذ حين فإنه سجل أيضاً مناظر وصور المكان أثناء سماعك تلك الموسيقى وكل المواقف والمشاهد والحالات والذكريات والأحاسيس التي رافقت ذلك وأيضا حالتك النفسية وقت سماعك لها وفي أي وقت تم ذلك نهارا أم ليلا صيفا أم شتاءا وسيحتفظ بتلك الموسيقى في مكان ما في الدماغ مرفقة بكل تلك المعلومات التي ستصبح ملازمة لها لو سمعتها أو تذكرتها مرة ثانية وأيضا العكس أي لو تذكرت أحد تلك المواقف فستتذكر معه أيضا تلك الموسيقى من دون أن تنتبه لذلك,كما في لازمة بافلوف, وهذا سيوفر للقطعة الموسيقية في الذاكرة السمعية مناخا خاصاً بها يجعلك تتعلق بها أكثر مما لو سمعت مقطوعة جديدة من جهاز ما مثلا من دون تاريخ أو ذكريات مشتركة توصلك بها حتى لو كانت من نفس مجال ذائتقك وثقافتك الأم ذلك انها جديدة ولم تترسخ وتؤطر وتختمر بعد عندك كالأخرى ,فكيف إذن لو كانت مقطوعة أجنبية بعيدة عن مذاقك السمعي نغمات وأداء ؟ تفتقر لذكريات وتواريخ حميمية ترتبط بها أي بعبارة اخرى مقطوعة موسيقية من دون هوية؟ كل هذا يؤكد إن القول بأن الموسيقى هي لغة عالمية مفهومة ويمكن أن يتذوقها الجميع بنفس الدرجة مجرد هراء لا أساس له من الصحة .الموسيقى شأنها شأن من عود مذاقه لسنين طويلة على مطبخ ما فهو يستطيع أحياناً أن يأكل بعض الأكلات الأجنبية الخفيفة ولكنه لايستطيع الأستغناء عن ماتعده له أمه أو زوجته من أطباق لذيذة يعرفها ويشتهيها ويشتاق اليها بمجرد سماع أسمها.بالطبع يمكننا أن نستمع لأية موسيقى وربما ستؤثر فينا في بعض مقاطعها وجملها ولكن هل سنتحسسها ونطرب لها ونندمج معها تماما كتلك الموسيقى التي تتحدث بلغتنا وتنتمي لنفس ذائقتنا الثقافية السمعية والحسية والمادية ؟والجواب كلا لأن الموسيقى منظومة متكاملة تحمل معها إظافة للنغم تراثا وذكريات وتواريخ وصور متصلة مع موسيقات أخرى تنتمي لنفس المصدر أو النبع تبدأ معنا منذ عهد الطفولة,فكيف يمكن القول أنها مفهومة من الجميع وبنفس الدرجة؟أوحتى على مستوى القطعة الموسيقية الخالصة ؟نعم الأبجدية الموسيقية والحروف النغمية هي متشابهة نوعا ما لكل الشعوب مع بعض الأختلافات والإظافات أو الإستثناءات التفصيلية ولكن الصياغات والجمل والتعابير الموسيقية تختلف تماما كما لو قارنا بين لغتين مختلفتين لكنهما يشتركان بأبجدية واحدة نسمعها ونقرأها لكن لانفهمها
التحررالموسيقي
لقد كان دور الموسيقى لقرون طويلة وبشكل عام هو مرافقة وتأطير الأداء الغنائي بأشكاله المختلفة الفرِح والحزين والديني والعسكري وأيضا كان يرافق الرقص الجماعي والفردي بأنواعه وتطورت خلال هذه الفترة الطويلة الآلات الموسيقية بحيث أصبحت تستطيع مرافقة ومواكبة كل أشكال هذه الفعاليات المختلفة التى ما فتئت تتنوع بتنوع المجتمعات وتقدمها على سلم الحضارة فنلاحظ أن تلك اللآت تزداد تنوعا وتمايزا كلما مرت على أمة ما فترة ذهبية ويتوقف هذا النشاط او يتراجع في مراحل التدهور الحضاري ذلك أن الطلب على الموسيقى والغناء يبلغ أعلى مستوياته أثناء فترات الأزدهار والرخاء.أن تطوير تلك الآلات عبر الزمن جعلها بالنهاية قادرة على تقديم نغمات وموسيقات مبتكرة ليس بالظرورة من أجل مرافقة أو تقليد أداء المغني ,وهذه كانت قفزة نحو الأمام في تاريخ تطور الموسيقى, حين أدرك العازف ولأول مرة أنه يستطيع ان يلحن أنغاما جديدة تبهر السامعين من دون أن يكون هناك مغني, وأنه يستطيع ان يخرج عن ذلك النطاق الذي كان مفروضا عليه بالتقيد بالأوكتافات الثلاثة أو السلالم المتوالية الثلاث التي تغطي الصوت البشري فظهرت آلات موسيقية تسمح بذلك كآلتي القانون والسنطور التي اعتمدها فيما بعد الكلافسن ثم البيانو.ولكن حتى قبل تطوير الآلات الموسيقية لتصبح كما هي عليه اليوم فقد كانت بدايات هذا التحرر الموسيقى في قصورالملوك والخلفاء والسلاطين وكان هناك رواد يذكرهم تاريخنا مثل إبراهيم الموصلي وزرياب والخليفة المهدي عم الرشيد الذي نأى بنفسه عن الخلافة وكرس حياته للموسيقى، والفارابي والأرموي في العصر العباسي في بغداد الذين كان بأمكانهم,حسب الروايات, تقديم وصلات موسيقية منفردة تعتمد المقامات الموسيقية الشرقية. هكذا أصبح بالأمكان وضع موسيقي مدروسة على أسس علمية بحتة من أجل أن تعزف دون الحاجة لمنشد,وقد بدأت هذه الدراسات بشكل علمي أولا بدراسة المقامات وتصانيفها في بغداد على يد العالم الموسيقي صفي الدين الأرموي البغدادي1216- 1294في نهاية الخلافة العباسية ولبعد سقوط بغداد عام 1258 ميلادية
آفاق جديدة
الموسيقى ضلت لفترة طويلة حبيسة الأنماط القديمة المحببة لدى جمهور الناس كالفرح والحزن والأبتهالات او تلك الأنماط الخاصة بالمجالس الخليعة التي تتخللها الأناشيد والأيقاعات الراقصة سواء كان ذلك في الحانات أو في بيوت الأمراء أو أثناء الأعياد.ولما رست سفينة الحضارة في أوربا بعد سقوط الأندلس وبداية عصر النهضة فيها الذي أعتمد أساسا على علوم وتقنيات الحضارة العربية الأسلامية بما فيها ذلك الأرث الموسيقي الضخم الذي وصل اليهم عن طريق الصليببين أو الأتصال التجاري مع البندقية وجنوة وصقلية والقسطنطينية أو خصوصا من خلال الأندلس ,حيث انتقلت جل الثقافة الموسيقية المتطورة الى شمال اسبانيا ومنها لفرنسا وألمانيا وأنجلترا وكل أوربا ورافق ذلك تقنيات صناعة آلات الطرب الوترية العربية كالعود الذي تطور فيما بعد الى الكيتار والرباب الذي تطورالى الكمان والقانون الذي يعتبر أصل آلة الكلافسن فأنتشرت موسيقى الباروك والتروبادور ثم مع بداية ظهور علامات الثراء والرفاهية في أوربا الغربية نتيجة لتوسع النشاط الأستعماري الذي جاء مرافقا للكشوفات الجغرافية من خلال التوسع البحري وعلى رأسها الوصول للهند عن طريق رأس الرجاء الصالح واكتشاف أمريكا وبالتالي ظهور طبقات مثرية من التجار والملاكين أعطي للموسيقى والموسيقيين اهتمام كبيرمن قبل علية القوم وأنشأت المسارح ودورالأوبرا في العواصم الغنية. ان الأنفصال الفعلي مابين الموسيقى في بعض أنماطها الأوركسترالية والنغمات الأنشادية المعتادة بدأ في أوربا فظهر موسيقيون كبار مثل هايدن وباخ وموزارت وبيتهوفن وبدؤا يكتبون توليفات موسيقية تعتبرجديدة لذلك الوقت ولكنك لو دققت فأنك سترى فيها آثار موسيقى الأبتهالات الكنسية واضحة مستلهمة من نغمات الأورغ الكنائسي أو من نفير بوق الصيد أو من نغمات موسيقى رقصات البلاط . هؤلاء الموسيقيين الكبار ضلت موسيقاهم تتردد وتتكرر لفترة طويلة في أكثر أنحاء أوربا حتى أصبحت أسمائهم على كل لسان بحيث أصبحوا جزءا أساسيا من الذائقة الموسيقية الغربية مما جعلهم يتصورون أنهم أشهر من لحن وألف في الموسيقى وأن موسيقاهم هي أرقى ما أنتجه المرء لحد اليوم …الخ من النزعة الأستعلائية, بل أنهم ظنوا أن من لايسمع ويستمتع بمثل هذه الموسيقى أو يتذوقها لابد أن يكون متخلفا حضاريا.من سلبيات هذه المرحلة وخصوصا بعد أنتشار الكلافسن والبيانو أن الموسيقيين الغربيين قسموا النغمات أختصارا وتسهيلا لكتابتها في النوطة الى كبرى وصغرى أي لنغمة ونصف نغمة شاطبين بذلك الى الأبد على العديد من النغمات الجميلة والحميمة التي بالمستطاع أستخراجها والتفنن بها مابين هاتين النغمتين في حين أحتفضت الموسيقات الشرقية ولاسيما العربية والتركية والفارسية وغيرها بقدرتها على أستنباط مختلف المقامات الثانوية والتنويع فيها مما يفتح آفاقا واسعة لتطويرها
الكهرباء والمعلوماتية
ثم جائت المخترعات التطبيقية للكهرباء والمواصلات والأتصالات السريعة لتغير الكثير من المفاهيم مع انفتاح العالم على الآخر وخصوصا مع ظهور الراديو في نهاية القرن التاسع عشر وبداية ظهورالأذاعات في بداية القرن العشرين فبدأت تنتشر موسيقات وتوليفات وحتى آلات موسيقية جديدة كالكيتار الكهربائي والذي تم اختراعه في بداية القرن الماضي وكذلك الأورغ الكهربائي وغيرها وانتشرت موسيقات حديثة قادمة من بقاع الأرض المختلفة كأمريكا الشمالية أو الجنوبية أو ذات أصول أفريقية أو آسيوية وغيرها فأنزوت تدريجيا الموسيقى الأوركسترالية في أماكن وفضاآت مخصصة لها وعند النخبة المتمسكة بالأرث الكلاسيكي الأوربي. وجاء في العصر الحاضرموسيقيون محدثون بدؤوا بكتابة موسيقات أرادوا لها أن تكون تجريدية لاعلاقة لها بالثقافة المجتمعية أو الطبيعة أو الأحاسيس المعنوية أي موسيقات مادية تعتمد تنغيم أصوات آلات وأيقاعات مختلفة جديدة اريد لها أن تكون رائدة أو هكذا اعتقدوا لكنها بقيت كمحاولات أكاديمية أوفردية هامشية. ثم أطلت المعلوماتية علينا باءنجازاتها المعروفة وخصوصا ما يتعلق بالموسيقى الرقمية وانتشارالأجهزة المزودة بمسجلات وذاكرة رقمية فأصبح سماع الموسيقى ليس فقط بمتناول الجميع ولكن في كل مكان وزمان مع أختيار واسع لشتى أنواع موسيقات الكون .ولكن كان هنالك جوانب سلبية أيضا لهذا التطور السريع فظهرت أنماط موسيقية هجينة بعضها جيد ومدروس وأخرى تجارية للأستهلاك السريع وتعتمد التقنيات الرقمية لتشذيب الأصوات والموسيقى ومؤلفة غالبا من جمل موسيقية بسيطة ومكررة مغلفة باءيقاعات محدودة فأصبحنا نسمع ألحانا وموسيقات لاشك أحيانا تشدنا بجدتها وألوانها الصوتية البراقة والمبهرجة ولكننا وبعد برهة نملها وقد لا نذكرها مرة ثانية ذلك انه لايربطنا معها سوى رابط الصوت المقنن الذي في أحيانا كثيرة هو أقرب للضوضاء الصوتية منه للموسيقى والحقيقة يمكن القول هي توليفات موسيقية جامدة لاتمتلك الروح وان بدا لك أنها تتحرك وتتقافز, نغماتها شبيهة بالورود الصناعية منظر ولكن من دون روح و رائحة
كيف نفهم الموسيقى
الموسيقى هي كاللغة لاتؤدي دورها الا اذا استطاع المتلقي فهمها وادراك معانيها وما ترمي إليه ليتعاطف معها وتتصل بأعماق وجدانه.الموسيقى ليست أنغام وأصوات مصفوفة بطريقة حسابية وبترتيبات متقابلة ومتكررة وموزونة فقط وانما هي كانت أساسا ومن البداية لغة مشفرة تحمل صدى أصوات قادمة من الطبيعة المرئية أو الخفية المتصورة وأخرى لصدى اللغة الأم ومعانيها تلك اللغة الفطرية التي ترتكز على أصوات ونغمات تعبر عن حالات وحاجات أساسية وغريزية تترجم لأصوات كالحزن والألم والضعف والخوف والتوسل والتواصل والتقرب والحنو والنداء والسرور والبهجة والغضب والثورة… وهي اصوات لاتخص الأنسان وحده وانما العديد من الحيوانات, اللبونة منها على وجه الخصوص, ولكنها هذبت ولطفت وتنوعت معانيها وأساليبها عنده ثم أضيفت أليها في مرحلة متقدمة وبالتدريج بتطور اللغة والحياة الأجتماعية, نغمات وأصوات أخرى تخص أحاسيس ومشاعر تعتري النفس البشرية والحبيسة منها على وجه الخصوص, تلك التي لانستطيع التعبير عنها نطقا أو كتابة.ففي عهود ماقبل نشوء القرى الزراعية وعندما كان الأنسان يعيش حياة البداوة متخذا من الصيد والجمع والألتقاط مصدر رزق كانت موسيقاه تقتصرعلى الأرجح تقليد الطبيعة ونشاطه فيها والأحاسيس الغريزية بالدرجة الأولى فلقد وجدت بقايا وآثار عديدة من العصور الحجرية تدل عليها مثل الناي أو المزمار المصنوع من العظام الذي وجد في سويسرا في عام ألفين وتسعة ويعود,على أساس حسابات الكاربون أربعة عشر, لخمسة وثلاثون ألف سنة مضت وكذلك الصافرات العظمية والقرون والعظام المسننة وآلة الفرفارة وهي عبارة عن عظم مسطح مسقول مثقوب من أحد أطرافه ويربط بخيط يدور به الشخص فتحدث اصواتا بأصطفاقها بالهواء, ربما يستخدمها الساحر, أو كلعبة وأذكر إني أنا نفسي لعبت بهذه اللعبة صغيرا ولكن بدل العظم كانت القطعة منشارا لقطع المعادن، وهذا يوضح أيضا الى أي مدى تتناقل الأجيال تراثها الغابر.من جهة أخرى فأننا لايمكننا ألقول بأن الفترات الحجرية القديمة لم يكن يستخدم فيها سوى العظام ,والتي ماوصلتنا الا لمقاومتها أثر فعل الزمن,بل نفترض أنهم أستخدموا أيضا الطبول والدفوف والناي المصنوع من القصب وبوق القرون أو الخشب والمطارق الخشبية التي ترافق الرقصات والأناشيد الجماعية كالدبكات الأحتفالية او الحربية أو الطقوسية الفردية أو الجماعية ويتم فيها تقليد أصوات حيونات الصيد أو القوى الخفية وهي مازالت ليومنا هذا أو للأمس القريب مستخدمة في مجتماعات مغلقة تعيش على الصيد والألتقاط والجمع .أما الآلات الوترية فيبدو أنها ظهرت للوجود في مرحلة متأخرة من هذه الفترة وأستعمالها كان لمرافقة المنشد أكثر من أن تكون للعزف المنفرد لضعف أصواتها بعد ان كان الدف والطبل هما من يستخدمان لهذا الغرض وربما كان أكتشافها,أي الآلات الوترية, بشكل عفوي من خلال ملاحظة تردد صوت الوتر لقوس الصيد الذي لو وضع على جذع أجوف أو أرفق مع قرعة جافة وفارغة كانت تستخدم لحفظ الماء أو الشراب لقوى صوته وتظخم ، وقد وجدت مثل هده الأدوات البدائية في أفريقيا ولها مثيلاتها في البرازيل,والتي جائت حتما مع العبيد الذين جلبهم البرتغاليون من أفريقيا وتعتبر هذه الآلة وتلك المسماة بالكيمبارد,بالكاف المعجمة,وهي آلة بوتر واحد توضع في تجويف الفم كانت منتشرة في سهوب آسيا ولازالت تستخدم في منغوليا وبلاد التركستان, تعتبر في نظرنا من أوئل محاولات الأنسان للربط مابين الوتر وتجويف مضخم للصوت والذي أصبحا فيما بعد ملتصقان لاينفصلان في الآلات الوترية المعروفة.بعد هذا التطور المهم أتجه الأهتمام لتنويع النغمات بطريقتين الأولى كانت عندما أنتبه الأنسان أنه بإمكانه تنويع النغمات بوضع أصبعه على أماكن مختلفة من الوترأثناء الضرب عليه باليد الأخرى والثانية بعد مرحلة من الأولى بزيادة عدد الأوتار المربوطة من طرفها من الطويل للأقصر على القوس من أحدى جهاته والمثبتة على الصندوق الصوتي بطرفها الثاني فكانت أول محاولة لصنع القيثارة وتوجد رسومات فرعونية ومن وادي الرافدين تدلل عليها.ثم في قفزة مهمة أخرى أستحدثت الرباب ذات القوس والوتر الواحد ونفترض أنها ظهرت أيضا بمحض الصدفة بسحب قوس موتورعلى آلة بوترمرفق بتجويف مضخم مما يعطى صوتا مستمرا يمكن تنغيمه بوضع أصابع اليد الأخرى على مناطق مختلفة من الوتر.لقد بقي الوترلفترة طويلة يوضع بطريقة قائمة أو مائلة بالنسبة للصندوق الصوتي وطورت تدريجيا على هذا الأساس الكثير من أنواع القيثارات كما طور الصندوق الصوتي ليصبح أكبر والذراع أمتن لتتحمل وضع عدد كبير من الأوتا ر دون أن تنكسر وفي مرحلة أخرى وضعت على القيثارة أوتار النغمات الكاملة من جهة وأنصافها من الأخرى فكان العازف يستطيع أستنباط أنغام عديدة والعزف على الآلة بكلتا يديه بوضعها أمامه بشكل قائم,في حين تأخرت الآلات التي تعتمد التنغيم بتغيير موضع الأصبع على الوتر في تطورها لأعتمادها مبدأ الوتر الواحد إذ كان من الصعب وضع قوس السحب على أوتار مصفوفة الواحدة بعد الأخرى بشكل قائم إلا ماندر كما في آلة الكمان الصيني حيث وتر قوس السحب يمر بين موتورين بنغمتين مختلفتين.ثم في المراحل الحضارية التالية وبسبب البحث المتواصل من قبل محترفي العزف والصناع المهرة وتوفرأدوات ومواد وأخشاب متنوعة إستطاعوا من إستنباط آلات بإمكانها مرافقة العازف وتكون أكثر مرونة ودقة فكان التوصل لوضع الوتر بشكل مواز للصندوق الصوتي والذراع يعتبر كبيرألأهمية وربما من خلال مشاهدة وسماع رنين الأوتار التي توضع مشدودة عادة بتماس مع جلد الطبل أو الدف أحيانا من الداخل لزيادة حدة صوته وتنغيمه, فظهرت أنواع جديدة من الآلات كالقانون والسنطور اللذان يمتلكان صندوقا صوتيا أفقيا موضوعا مباشرة تحت الأوتار أمام العازف مما يختصر حجم ووزن الآلة مقارنة بألقيثارة وكذلك سهولة الأستعمال في حين أستفاد العود والكمان من هذا التطور بالنسبة لتنويع النغمات وتغطيتها لأكثرمن اوكتاف على وجهين ألأول إمكانية زيادة عدد الأوتار دون صعوبة والثاني بالتنغيم بأداء أفضل بكبس الأوتار بواسطة الأصابع على ذراع الآلة لأختيار النغمة المناسبة مما جعل العازف يغير من كيفية العزف على الآلة الوترية كالعود البدائي ذو الوتر الواحد بحمله بشكل متقاطع مع جسم العازف بعد أن كان قائم وأمكانية زيادة عدد الأوتار أفقيا على سطح الصندوق الصغير نسبيا .لابد لنا من الأشارة هنا الى أن بدء تطورالموسيقى وتسارعه كان على الأرجح قد صاحب بداية نشوء القرى الأولى والتجمعات السكنية المستقرة التي بدأت نواتها الأولى في مناطق العراق وسوريا والتي تزامنت مع ظهور الزراعة قبل ما يقرب من أثنا عشر ألف سنة أو أكثر أي مع بدايات أنحسار الجليد في أوربا وحلول الجفاف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.أن هذا التطورالذي كان للمناخ فيه الأثر الأكبروالذي أجبر الأنسان هنا لأستبدال طريقة حياة بأخرى لم يكن مفاجئا وأنما مر تدريجيا بمرحلة وسيطة مابين حالة البداوة والأستقرار أستغرقت مئات السنين. إن حياة الأستقرار تستدعي أيضا بداية نشوء الحضارة واستنباط طرق وأدوات جديدة لم تكن موجودة من قبل تتطلبها الحالة الأجتماعية الجديدة اذ لم يعد المرء صيادا ولاقطا جامعا مما يضطره لأن يكون خفيفا في احتياجاته وإنما مستقرا يستطيع أن يحتفظ بأدواته ومتطلباته وحيواناته ومحصوله في بيته أو بالقرب منه وهي بمجموعها تؤلف حالة من الرفاهية غير مسبوقة توفر عليه الوقت والعمل فهو لم يعد مضطرا للسعي اليومي وراء الصيد والجمع والألتقاط والعودة منهكا وأنما بدأ بتقسيم وقت العمل والمهمات في المزرعة والبيت على أفراد العائلة وأصبح لديه متسع من الوقت للراحة وخصوصا بالنسبة للطبقة المتنفذة الحاكمة والغنية. الرفاهية تعني أيضا البحث عن المتعة بأنواعها المختلفة والموسيقى كانت ولاتزال أحدى وسائلها مما جعل تطوير أدواتها أمر لابد منه فلم يعد بالأمكان الأكتفاء بالآلات الموسيقية البدائية فكان لابد من تطويرها تدريجيا وإبتكار أخرى جديدة ومختلفة الأغراض مادام هنالك طلبا متزايدا على الفنون التي تصاحبها الموسيقى كفن الغناء وفن الرقص وأيضا الأبتهالات والأناشيد الدينية أو الموسيقى المرافقة للعساكر. هكذا نرى أن حضارات قديمة مثل السومرية والبابلية والآشورية والفرعونية ومنذ بداياتها تعتبر المراكزلأولى للتطور الموسيقى ولتنويع وأبتكار الآلات الموسيقية الوترية الجديدة مثل العود الصغير المشابه للبزق والطنبور والقانون والقيثارة والرباب وكذلك آلات النفخ والأيقاع والتي لاتزال في أغلبها تستخدم لحد اليوم بعد أن جرى تحسينها.بالوصول لهذه المرحلة من التطور الحضاري وفي كل المجالات وبالنظر لوجود رقم ونصوص كثيرة لأناشيد وغناء ومشاهد تصور أحتفالات خاصة وعامة وترقى لعهود غارقة في القدم سواء أبان العهد السومري القديم أو الفرعوني والبابلي أوالآشوري وكذلك وجود آلات موسيقية متطورة متعددة الأغراض لايمكننا أبدا أن نتصور بأن الموسيقى بقيت كما كانت بالبداية تعكس قبل اي شيئ المشاعر والأحاسيس الفطرية والغريزية للأنسان أو تقليد أصوات الطبيعة والحيوانات بل هي تعدتها حتما وأصبحت تتناغم مع الحياة الأجتماعية المدنية وتعكس جوانب الذوق العام لتلك المراحل
التطور الموسيقي والعلاقة مع الزمن
من الحقائق المغيبة هو أن الموسيقى مفهومة ومرغوبة فقط لفترة معينة من الزمن لاتزيد عن عدة عقود حتى لوكانت تعود لثقافة واحدة معينة بحد ذاتها وهذا يدل بوضوح بأن الموسيقى حية تتطور وتتجدد وتتأثر بالمتغيرات والمعطيات من حولها ومرتبطة عضويا بالزمان والمكان بل هي وليدة كل تلك المعطيات فأنت اذا ولدت في أربعينات القرن الماضي مثلا فأنك قد تستمع لأغاني قديمة لأم كلثوم من عشرينات القرن الماضي لاتهزك او تطربك بقدر تلك التي غنتها في الخمسينات والستينات مثلا ذلك انها لم تكن من الذائقة الموسيقية لجيلك والعكس صحيح لمن هم ولدوا في بدايات القرن المنصرم.فالألحان الموسيقية أو العمل الغنائي اذن يمكن أن يضعف ويموت ويلفه النسيان ويصبح غير مؤثرا أو مفهوما بل حتى مملا في مرحلة زمنية مختلفة.فما هي اذن حقيقة الموسيقات العابرة للزمن؟ الحقيقة أن هذه الموسيقات تقدم لنا ونسمعها على أساس أنها تحف فنية كتلك التحف التي نراها في المتاحف او الأفلام التاريخية فنعجب بها ونتذوقها في هذا الأطار فقط ولكنها لاتستطيع أن تعبر عن مشاعرنا وأحاسيسنا ولا نستطيع أعتبارها صدى لتلك الأحاسيس والذكريات لأنها قطع فنية مكانها المتحف الموسيقي إن جاز التعبير.قد نرنو اليها أحيانا بسبب سماعنا لها تكرارا ولكنها تبقى بعيدة عن التناول أو التفاهم كلغة موسيقية تعكس هذا الزمان والمكان الذي يضمك.فكيف اذن يمكن القول بأن الموسيقى هي لغة تفهمها كل الشعوب؟وكيف يمكن القول أن موسيقات لقرون متقدمة يمكنها أن تعبر عن مشاعري وأحاسيسي؟أن هذا يستوجب ويعني بالظرورة أني أفهم كل لغات العالم وأعيش كل تفاصيل خصوصيات ثقافتهم,أحاسيسهم ومشاعرهم ويعني أيضا بالضرورة أني لم أتطور منذ قرون عديدة.صحيح أن هنالك صفات ومعطيات ثقافية متشابهة عند كل البشر يستطيعون التفاهم من خلالها بينهم كما هي الحال مثلا في أوليات لغة الأشارة والأيماءات أوالنغمات والجمل الموسيقية البسيطة والأيقاعات المكررة ولكن لايمكن أن ينطبق ذلك على الموسيقى ذات الجمل والأيحاءآت المعقدة المرتبطة بثقافة وببيئة معينة.حتى هنالك شعوب تعيش متجاورة ولكن ضمن بيئات طبيعية واجتماعية مختلفة لاتتأثر بما عند الآخر من موسيقى فكيف يمكن أن نطلب من بعض قبائل الأمزون فهم وتذوق موسيقى بيتهوفن؟ أو من المصري رجل الشارع عشق غناء الأوبرا الذي يعتبره أصلآ عياطا -تصويتا- مستهجنا وليس بغناء؟
ماهي حقيقة النغمات الموسيقية
هنالك مغالطات كثيرة ومركبة أدت وتؤدي الى الخلط وعدم فهم طبيعة وكنه النغمات من ناحية وكيفية تصنيفها وترتيبها من ناحية أخرى فعندما يسمع او يقرأ الشخص الغير متخصص مثلا عبارات من مثل السلم الموسيقي أو المقامات أو النوطة الموسيقية يحصل لديه أرتباك وتختلط عليه الأمور.منذ القدم عرف ألأنسان ان هنالك تسلسلا في النغمات اذا ما اختل حدث النشاز أي سماع نغمة غير متساوقة مع الأولى ولاتستسيغها الأذن ودليلنا على ذلك هو الناي العضمي الذي يعود للعصر الحجري والثقوب فيه تحدد تدرج النغمات. صحيح أن أغلب الموسيقيين أتفقوا على أن عدد النغمات هو سبعة نغمات وأعطوها أسماء وهي في حقيقة أمرها أوكما يقال ليس الا مفاتيح أو بداية أبيات شعرية لأنشودة دينية كريكورية كتبت باللغة اللاتينية عن يوحنا المعمد أختارها أحد القساوسة المدعو جيدو آريزو في عام 1028 لتكون مفاتيحا للنغمات وهي سبعة تبدأ بنغمة الدو ثم الري والمي والفا والصول واللا والسي وجاء الأنكلوساكسون وابدلو ذلك بحروف الأبجدية السبعة ألأوائل.. أي , بي , سي ,دي , أي , أف , جي وآخرين رقموها في حين أن الشرقيون من عرب وفرس وترك وغيرهم جعلوا للموسيقى سلما معقدا أطلقوا عليه أسم مقامات ويقال أن هناك مالايقل عن مائتين مقام ويذهب آخرون بالقول أن عددهم هو ثلاثمائة وستون مقاما مؤلفا ولكن بالحقيقية يمكن تصنيفها لتسعة أجناس أو مقامات رئيسة وأن هذه المقامات التسعة تنقسم أربعة مجموعات ألأولى هي درجة الرست أي الدو ويجتمع فيها مقام الرست ومقام النهاوند ومقام النوا ثر ومجموعة درجة الدوكاه أي الري ويجمع مقام البياتي ومقام الكرد ومقام الحجاز ومقام الصبا والمجموعة الثالثة وهي مجموعة السيكاه أو المي ويحوي مقام السيكاه ومجموعة رابعة وأخيرة وهي درجة العجم عشيران أي نغمة السي بيمول أي يخفض نغمة السي للنصف ويحوي على مقام العجم.في الواقع ان الشرقيون يسستخدمون في المقامات نفس الثمانية نغمات الرئيسىة كما هي في الموسيقات الأخرى أي الدو و الري والمي والفا والصول واللا والسي والدو ثم يفرعون منها العديد من النغمات الثانوية ذلك أنهم يستخدمون في موسيقاهم كل درجات النغمة وليس النغمة ونصفها فقط كما عند الغربيين لذا أصبح عسيرا أو معقدا كتابة النوطة عندهم بالشكل المبسط الموجود في الغرب
ما هي النغمة وما درجة علاقتها باللغة
نحن نسمع صوت النغمة ونقول هذا هو المي أو الصول أو الري …ولكن في الحقيقة لامعنى لذلك البتة سوى الترتيب المكاني الرقمي للنغمة بالنسبة للسلم الموسيقي فلو قلنا هذا هو الزي أو النول أو الدي لما تغير شيئا لأن هذه التسميات لاتفسر ولاتعكس حقيقة النغمة وأنما تحاول توصيف النغم ولكنها لاتنطقه كما هو كما لو أن أخرسا حاول أن يؤدي أغنية فتأتي بصورة همهمات غيرمفهومة. ثم لماذا أتفقنا على أن تكون النغمات سبعة فقط؟وليس ثمانية أو عشرة أو أو….؟هل لذلك سبب علمي محدد؟ أن حبي وقربي للموسيقى عن كثب وصنعي لآلات وترية مطورة وقناعتي بعلاقتها الوثيقة باللغة وبالأذن البشرية أو الحاسة السمعية أعطاني الجواب الشافي لكل هذه التساؤلات،فلو أمكننا أن نسأل مخلوقا آخر غير الأنسان له مساحة سمعية أكبر كالكلب مثلا لقال أن العدد يزيد عن السبعة حتما.هنالك أيضا من الشعوب التي لها سلالمها الموسيقية المختلفة في عدد النغمات.في حقيقة الأمر أن تحديد سبعة نغمات مطلقة هو تأشير سبعة نغمات رئيسة متعارف عليها وبأطوال موجية تستطيع الأذن البشرية أن تميزها بوضوح ولكن هذا لايعنى عدم وجود نغمات متدرجة صعودا ونزولا بين كل نغمة والتي تليها،ولكن ولأسباب عملية وتبسيطية من أجل التمكن من تدوين النوطة الموسيقية أتفق الموسيقيون على هذا التقسيم وخصوصا بعد أختيار نظام الدساتين أي الفواصل على زند الآلة الوترية وتطوير آلة البيانو التي تحوي على دوسات بيضاء بنغمة ودوسات سوداء بنصف نغمة ،فأصبحت موسيقاهم بنغمتين فقط كبيرة وصغيرة أو بنغمة وبنصف نغمة فحكموا على ما بينها بالفناء التام في حين تمسكت الموسيقى الشرقية بالنغمات الثانوية المتدرجة بين النغمات الرئيسية سماعا ولو تعذرت كتابتها.والآن لننظر الى السلم الموسيقي الغربي الذي كما قلنا كل حرفين في كل صوت منه يعبر عن بداية بيت شعر لنشيد ديني، يمكن وضعه كما الآتي وبما يقابله من حرف عند الأنكلوسكسون
LA=A . SI=B . DO=C . RE=D . MI=E . FA=F . SOL=G
هذا السلم ما وجد في الحقيقة الا لتسهيل كتابة النوطة بطريقة مبسطة قد تعكس فهما مبسطا للموسيقى كما لو أنك أختزلت حروف اللغة العربية من ثمانية وعشرون حرفا لتجعلها سبعة حروف مثلا.ولكن لابد أن نقر بصعوبة كتابة النوطة اليوم كما البارحة بمثل هذه المصطلحات وأنصافها ولابد من أيجاد رموز أخرى أو لغة موسيقية جديدة لكتابة النوطة تتمكن من تصوير الموسيقى كتابة بكل معاني تنويعات نغماتها دون أن تفرض الرموز هي قوانينها على الموسيقى لتدخل في قوالبها كما هو معمول به اليوم بكتابةالنوتة. للوصول لهذا الهدف يتوجب اذن فهم كل نغمة على حدة ومعناها الصوتي وهذا ما نعتقد أنه المدخل الذي لابد منه. فلتحديد أسم الصوت ومقاربته يتوجب أعطائه صورة أو شكل يكتب بها وثم البحث عنه في القاموس الصوتي في لغاتنا بما أننا قررنا بأن الموسيقى البشرية هي صدى لغاته الطبيعية.اذا ما نظرنا الى الكلمات المنطوقة في اللغة فسنجد غالبا أن كل كلمة تحوي على حروف صحيحة وأخرى معتلة وأننا لانستطيع أن ننطق الكلمات دون استخدام حروف العلة هذه فهي التي تنغم الحرف الصحيح ولولاها لتجمد النطق, وما علامة السكون الا حينما نتوقف عن تنغيمه. وحروف العلة في العربية قد تكون على شكل علامات تسمى حركات أي تجعل الحرف متحركا غير جامد كالنصب والفتح والضم وهي أصوات تنطق بسرعة وبخفة مقارنة بحروف العلة الثلاثة الرئيسة الأخرى الأليف والواو والياء.وبما أن موسيقانا هي أنعكاس لكلامنا الملحون فسنجد فيها ماهو موجود في حروفها المنطوقة فهي أيضا تحتوي على حروف صحيحة مدغمة وحروف علة مدغمة أيضا.فكل صوت لنغمة تعزف أنفراديا كما لو تنقر الوتر أو دوسة البيانو مرة واحدة سيعطيك في البداية حرف صحيح لفترة زمنية قصيرة يعقبه رنين أطول هو حرف علة به تُميز النغمة عن التى تليها لأنها بحرف علة آخر حتى لو كان الحرف الصحيح بالبدء يشبه المجاور. بمعنى أن تنقر على نوتة الفا سيختلف عن المجاور الصول بسبب أختلاف حرفي العلة فيهما ولكنه سيشبه ويتناغم مع نوتة الفا الثانية في الأوكتاف الذي يليه أو الذي يسبقه رغم حدته أو غلضته.نفهم من ذلك أن حروف العلة في الموسيقى هي من يميز كل نغمة عن أختها.وعلى الرغم أنه من الصعوبة بمكان تحديد أو ترميزحرف العلة المناسب لكل نغمة بالضبط ولكن هذا لايمنع من أن نعلن أن الحروف المثبتة أعلاه والمتخذة عالميا على أنها رموزا لكتابة النوتة أو النغمات ماهي بالأساس سوى حروف علة تعقب حروفا صحيحة وإن حروف العلة هذه هي التي تعطي النغمة التي ستميز الحرف الصحيح أي يصبح ملحونا وعلى هذا الأساس يمكننا أن نطرح المقاربة التالية, فنقول بأن الحرف الثاني من نغمة اللا هو حرف العلة الأليف [أ] ويقابله حرف أي بالأنكليزية, والحرف الثاني من نغمة السي هو حرف العلة الياء [ي]ويقابله بالفرنسية حرف ال إي أو ال آي الأنكليزية , والحرف الثاني من نغمة الدو هو مكرر حرف الواو [وو] ويقابله بالفرنسية والأنكليزية حرفي ال أو مع اليو ,والحرف الثاني من نغمة الري, وتنطق ريه, يقابله بالعربية علامة الفتحة [ َفتحة ] ويقابلها بالفرنسية علامة تشبه الفتحة,والحرف الذي يلي نغمة المي يقابله حرف ياء طويلة أومكرر الياء [ي ي] يقابلهما بالفرنسية حرف ال إي اليوناني وهو حرف الواي في الأنكليزية,والحرف الثاني من نغمة ال فا هو الأليف الممدودة [آ] ويقابله بالأنكليزية مرتين حرف أي ,والحرف الثاني من نغمة الصول هو الواو [و] ويقابله حرف ال أو بالأنكليزية .الخلاصة هي أن النغمات يست سوى حروف علة وهي التي تميز كل صوت عن الآخر بإظافة اللحن النغمي الخاص بحرف العلة بغض النظر عن شكل الحرف الصحيح الأول سواء كان صاد أو عين أو هاء أو غيرها من حروف اللغة
الطرب في الموسيقى
لايسعني أن أنهي هذه الرسالة دون إلقاء نظرة على موسيقى الطرب فلقد أبدعت بعض شعوب الأرض وتفننت في مضمار الموسيقى الى أبعد الحدود وجعلت منها إحدى أهم وأرقى أدوات التعبير البشري حتى أصبح هذا الفن الجميل أحد أعظم نتاجات الأنسان على الأطلاق وأتخذه البشر في وقتنا الراهن أنيسا لايستطيعون فراقه.نحن نشعر أحيانا بأن الموسيقى تستطيع أن تعبر عما يجول بخواطرنا بصورة أدق وأفضل مما تستطيعه الكلمات خصوصا في مضمار العواطف والوجدانيات. فلطالما شدتنا بعض هذه الموسيقى دون شعور منا فنتماهى معها ونصل لقمة التماهي فنتمايل يمينا وشمالا ثم ننتقل من حالة لأخرى من المشاعر فرح كانت أم شجن ونتلذذ ونحن نسمع تلك النغمات التي ستأخذنا درجة درجة لقمة النشوة فنهتز طويلا مرة وثانية وثالثة بتكرار الجملة الموسيقية وبترتيبات متفاوتة ثم لنشعر بالخدر والراحة تلفنا وتعود الموسيقى مرة أخرى ترافقنا بسلاسة بعد الشبع الى الأسترخاء والتسليم دون أن نستشعر فعلا نهاية القطعة الموسيقية أوالأغنية لأن صداها بقي يتردد في كياننا , أنها حالة الطرب المشبع بأجمل وأرقى المشاعر الأنسانية انها لحضات التماهي القصوى مابين الروح والموسيقى في أجمل صورها.هذا النوع من الموسيقى المرافق للغناء أو ربما لوحده يشابه في أداءه من تدرج لذة السماع ثم التشوق للوصول للذروة والتمايل عندها ثم تلك الراحة الداخلية والشعور بالشبع هي تشبه ما يحسه المرء بلقاء الحبيب والتلاشي فيه,, انه فن الطرب الذي تستطيع بعض الموسيقات الوصول إليه دون غيرها.