23 ديسمبر، 2024 10:51 م

في مضارب بوذا وما حولها -3

في مضارب بوذا وما حولها -3

الى الأستاذين عادل أمين وزوجته سلام سلمان صديقين ورفيقي سفر””
أحبَّ العربُ منذ الجاهليةِ السياحةَ، بل أن حياتهم هي تَطوافٌ وسياحة وحنين، وجاء كل ذلك في أشعارهم وأخبارهم، ودليلي هو تلك العبارة الشعرية  التي سجلت حضورا مكررا في الشطر الأول لعدة قصائد من الشعر الجاهلي، رددها شعراء قِدام، ولا يُعرف من هو صاحبها الأصلي، بيد أنه تكررت عند أخي هوازن، دريد بن الصمة، أكثر من غيره (الطويل):
ذَريني أُطوِّفْ في البلادِ لعلني***أرى ما تريْنَ أو بخيلا مُخلّدا
وله أيضا:
ذريني أطوف في البلاد لعلني***ألاقي بأثرٍ ثُلّةً من محارِبِ
أما عروة بن الورد:
ذريني أطوف في البلاد لعلني***أخلّيكِ أو أغنيكِ عن سؤ مَحضَري
ومن يروم المزيد فدونه الأصمعيات (طبعة دار المعارف)، وله أن يُضيف لها  “المُفضّليات”…أعتذر عن الاستهلال بهذا الاستطراد فقد اعتدت أن استطرد قليلا أو كثيرا بين غضون حشوأسْطُري، ولكن دعوني أكمل عن بدويّ أحببته حبا جما لنبله ورقة شعره وسهولته وقبل هذا وذاك لصدقه في حبه وحنينه،قال هُدبة بن خشرم- الشاعر النائي المفارِق- من عيون الشعر(الوافر):
طَرِبتَ وأنت أحيانا طروبُ***وكيف وقد تَعلاّكَ المَشيبُ
ألا ليتَ الرياحَ مُسخَّراتٌ***بحاجتنا تُباكرُ أو تَؤوبُ
فتُخبرنا الشًّمالُ إذا أتتنا***وتُخبرُ أهلَنا عنّا الجَنوبُ
***
توضيح: هذه المقالات مستلة من أوراق قد كتبتُها بفترات متقطعة، لذا تبدو أحيانا مبتورة كما حصل في الفرزةِ الثانية، ونزولا عند رغبة أكثر من قاريء كريم كاتبني يُريدُ مزيدا من التفصيل، كما أن البعض يريد الكتابة عن الشواخص الإسلامية وكنت عزمت على ذلك، ها أنني أستجيب ما وسعني الحال والمجال، وما زلتُ محمولا على متن سفر.. وعودة الى الفرزةِ الثالثة:
نحن الآن في القطار المنطلق من أورنغ آباد ووجهتنا، أكَرا  Agraحيث تاج محل (ويعني تاج القصور)، وقد فرًقتنا المقاعدُ وإن كنا في عربة واحدة، ولما كان السفر طويلا فأسِرّة النوم لا بد منها. أقلع القطار في الثانية بعد الظهر والوصول سيكون في الرابعة فجرا، احتل المقعد المقابل رجل مهيب مهندم وزوجته، استقبلنا بترحاب وكان محترما من الجميع، وحيث كنا في قلق في ألا نستيقظ، نادى على أحد العمال لإيقاظنا قبيل الوصول…كان رجلا في أواخر الستينات، يتكلم الإنكَليزية بطلاقة خالية من تلك اللكنة التي ترافق معظم الهنود من متكلمي الإنكَليزية.  بعد التعارف، انطلق في الحديث عن العرب والثقافة الإسلامية، ثم استعرض العلاقة القديمة التي تربط الجزيرة العربية (آرابيا) بالهند وقد أضافت وئام موضوع الأصنام التي كانت تأتي من الهنود الى عرب ا لجاهلية، وحتى أن بعض الأصنام الذي سلم من التحطيم في فجر الإسلام هُرّب الى الهند!!كذلك للهند حضور في الأسماء العربية وما المهند وأسم هند الشائعان عند العرب والأسماء المشتركة مثل موحان وشرّاد إلا مؤشر على ذلك، ناهيك عن الطعام والتوابل والمسك والحريروالثقافة المشتركة. ومن يرجع الى معلقة امرىء القيس سيرى ضمن القافية اللامية ذِكرَ حبات فُلفُلِ والقرنفلِ والّسجَنجَلِ (المرآة) وكلها من الهند…كانت زوجته طيلة الوقت مستمعة لم تنبس ببنت شفة، وتلك عادة الزوجات الهنديات عند ما يكون الكلام للأزواج حتى حسبتُها غير متعلمة! ثم عرّج بالحديث عن الثقافة الإسلامية باستفاضة، وراح يردد بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بنطق عربي سليم لا عِجمَة فيه، ثم عرج على الانقسام بين الشيعة والسنة وذكر عليا والحسن وكان معجبا جدا بعليّ وثورة الحسين، خلته عربيا مسلما لولا الخطوط البيض الأربعة المتوازية على الجبين، سألته وئام عن تحصيله واختصاصة ابتسم وقال: لاشيء، وكان متواضعا جدا بدون تكلف، وبعد أن كررت عرفنا أنه أستاذ وقانوني في الدستور وزوجته الساكتة أستاذة كيمياء، كان قصدهم زيارة أحد الأولياء المسلمين المشهود بكراماته، والأولياء المسلمون المنتشرون في شبه القارة الهندية يُزارون من الهندوس أكثر من المسلمين، فالعقيدة الهندوسية كما البوذية (الهِنايانية)لا تُنكر أي دين…طلبنا طعاما من المطعم وأخرجنا ما في جعبتنا من طعام وأخرجوا ما لديهم، فطائر خبز وأشياء أخرى بضمنها “خبز الجباتي” والأرز وبامياء مقطعة عرضيا cross section مطبوخة بصلصة تشبه مخلل العنبةmango pickle، كان طعامهم لذيذا حقا وخاصة البامياء التي كنت أكلت منها سابقا في كشمير مطبوخة قليلاشبه نيئة بالكاري ومقطعة عرضيا أيضا! استطعنا أن نحضر الشاي بما لدينا من غلاية-أبلت بلاء حسنا- جاء رفيقانا ببعض الفواكه، وكانوا هم أيضا قد انسجموا مع شابتين مثقفتين وتناولوا الطعام سوية بل أرسلوا لنا منه…ما أسهل كسب َالصداقات في الهند!
نمنا قَلِقيْ الوساد، وكذلك حال رفاقنا وصلنا متأخرين ساعة، كانت المحطة مزدحمة بالنائمين من الجنسين مع الكلاب والقطط، وكانت الجرذان تتقافز جذلة آمنة وكل جرذ يُشبه قطة، هناك قاعات استراحة  مكيفة ضاقت بالنائمين…الجو بدا  خانقا والوقت صباحا باكرا، كيف سيكون ظهرا؟ لم نحجز بأي فندق مسبقا فقد تورطنا ذات مرة في بومبي حيث لم يكن الفندق أنيقا بالشكل الذي عُرضت صورُه في الشبكة العنكبوتية فَتُبنا! سبق لي أن نِمتُ في فندق كمال في المدينة القديمة قرب تاج محلقبل اثني عشر عاما، ذهبنا الى المدينة القديمة بدروبها التي تُشبه النجف القديمة، كأنك في المشراق أو العمارة لولا جحافل القردة وحركاتها الرشيقة حيث تتقافز على سطوح المنازل، وقابلات الكهرباء وكم من مرة تتعرض لحوادث الصقع الكهربائي دون أن تتعظ! مع القردة تجد الكلاب والقطط والأبقار والجواميس والماعز والجرذان والجِمال تجر بعض العربات والأطفال الذين يلعبون …الكل في عيشة راضية!
لم نتفق مع كمال الذي غالى ببضاعته، فألقينا بعصا الترحال في فندق ذي بقايا مجد في طريقه الى الزوال، ليس بعيدا عن محطة القطار.. ما أن تخلصنا من وعثاء السفر حتى انطلقنا صوب تاج محل… الإزحام على أشُدّه، وقد توسعت الحديقة الحديثة والدخول يكون عن طريقها، يمكن تأجير مركبات حديثة لنقلنا الى بوابة الدخول، تلقانا مندوب عن السياحة الهندية محمد علي وأعطونا قنينة ماء لكل منا، وكنا قد جلبنا ماء معنا، لابأس في ذلك، كما أعطونا جوارب مشي فلا يجوز الدخول لبيوت الله بالأحذية…أخذ يشرح لنا ويصورنا وقد دخلنا الضريح لوحدنا لم يُسمَح لنا بدخول القبو الذي يضم جدثي ممتاز محل ت 1040ه=1631م ( ويعني القصر المزخرف) وزوجها شاه جهان ت 1067ه=1666م( ويعني ملك العالم)..بل شيد لهما نموذجين في الطبقة العليا والسبب هو الأضرار والتصدعات التي بدأت تظهر بسبب كثرة الزائرين والرطوبة والتلوث، البناء كله من المرمر الأبيض، وأعتمد على مبدأ التناظر المعماري من الجهات الأربعsymmetryمع نقوش لقِصار السوَر وتخريم رائع مع أربعة منائر متناظرة اتخذت كل منارة موضعا في كل ركن، ارتفاع كل واحدة 37م، تتوزع على مسافة متساوية عن القبة التيبنيت من قطع مرمر (بلوك) بارتفاع 17م وقطر22مترا ونصف المتر،والمعمار هذا مع الجامع، والقلعة القريبة والمسجد الكبير في دلهي وفي فاتح بور وبالجملة في قصور المغول يمثل الطابع المغولي ولا أقول العمارة المغولية لأنها خليط من العمارة الفارسية والعثمانية وكذلك الهندية، وقد بنيت من الحجر الرملي الأحمر، وقد سمح هذا المرمر بتشكيل لونين على القبة والمنائر في الشفَق والغَسق ما يعطي منظرا أخاذا. حيث يعمد كثير من السائحين للنهوض في الصباح الباكر للتمتع بالأشعة الذهبية المرسلة على القباب والمنائر عبر نهر يامونا.. وعدا هذا فإن الحدائق المحيطة بالضريح والقناة الساحرة، حين تميل الشمس تنعكس صورة الضريح بأجمعه في الماء مكونا أبهى صورة، “ولا أروع” (والتعبير هو لازمة لأحد طباخي إحدى الفضائيات العراقية!). ظل غبار مرمر تاج محل  عبر سنين يجمع لتتجمل به النساء! والحديث عن تجمل النساء الهنديات بالكركم الأصفر وصبغ الشفاه بالأصباغ النباتية والتكحل بالأحجار المعدنية (الاثمد) أمرٌشائع جدا لدى نساء الهند زد على ذلك النونات (بقع صبغية دائرية صغيرة توضع على جباه النساء للدلاله على كونها متزوجة، ووسمة الصبغ الاحمر على المفرق تدل على تدين النساء والرجال، والخزامة والعران المستعملة في جنوب العراق والخليج لا أشك في أصلها الهندي.
مَنَحْنا الدليل مبلغا عرفانا لخدمته، فرفض قائلا : أنا موظف حكومي أُأجَرُ على عملي، فتعجبنا وأكبرنا به أمانته، ثم قبل الخروج جاءنا بشاب قائلا هو يدور بكم المحلات التجارية ويصطحبكم  لمصورلأخذ الصور، فأدركنا الهدف رافضين، مما سبب له خيبة أمل كبرى، وظل يلحُّ  حد التوسل دون طائل! السوق هو يشبه قيصرية السوق الكبير في النجف قبل الإجراءات والترميمات، الباعة لحوحون، أما الشحّاذون فلنا معهم وقفة..المبيعات جلها نماذج مختلفة الأحجام لتاج محل، ومسابح (سُبَح) وخواتم، وملابس، وقد كان التجوال في السوق منغصا للغاية بسبب هؤلاء، خرجنا منه بأقل أضرار ممكنة!
انتقلنابعربة تجرها دابة الىقلعة أكَرا الشهيرة الحمراء،فقد مُنِعت المركبات ذوات المحركاتِ من المرور بما لا يقل عن 4كم منعا للتلوث الذي ألحق ضررا كبيرا بمرمر القصر، لا تبعد القلعة عن تاج محل سوى كيلومتر واحد أو أقل ، وقد بنيت في زمن أكبر شاه وأكملت في زمن حفيده شاه جهان، وقد بُنيت على نمط عسكري فهي مُسوّرةوذات بروج حراسة بالحجر الرملي الأحمر وعلى مرتفع لتكون مقر الحكومة. وتشاء المقادير أن يُحبَس بها شاه جهان نفسُه من قبل ابنه أورانغ زيب الذي انقلب على أبيه متهما أياه بالتبذير بسبب بنائه لضريح تاج محل، ولم يدُر بخَلد أورانغ زيب الحاكم الدموي الصارم أن سيعود ريعُ هذا البناء أضعافا مضاعفة إضافة للجمال الأخاذ الذي هو مفخرة من مفاخر العمارة الإسلامية! ظل العاشق شاه جهان يقبع في السجن يرنو الى ضريحِ زوجته حتى قُضيَ ودفن جنبها ليسجل التاريخ أشهر قصة حب وأخلدها، فطالما  يخفت بريقُ الحب بين الزوجين كلما مر الزمن الا حبَّ شاه جهان وزوجته ممتاز محل التي قَضَت في ولادتها الرابعة عشرةحين ولدت بنتاهي جوهرة بكَم…
عضّنا الجوع بنابه، والحر والشمس المحرقة جعلتنا نعجل الى مطعم مغولي راق في معماره وطعامه وكان الطعام لذيذا جدا، وفي المساء سهرنا في مطعم لم يكن غيرُنا فيه ،استمتعنا بموسيقى يعزفها رجل على الكمان وتصاحبه سيدة تضرب ايقاعا، قالوا أن هذه الموسيقى قديمة من العصر المغولي، فوجئنا أن هذا المطعم لا يقدم السوائل المطلوبة لأن أصحابه مسلمون، فَهَمَمْنا بالمغادرة عندها أسعفونا بما نريد  وجاءت “قينة في يمينها إبريق” على حد قول الشاعر الجاهلي عَديّ بنِ زيد العِبادي.. من قصيدته (الخفيف):
بَكَر العاذلون في غَلَسِ اللي***-لِ يقولون لي أما تستفيقُ
ودَعوْا بالصَبوحِ فجرا فجاءت*** قِينة ٌفي يمينها إبريقُ
قدّمَتْه على عِقار كعين الدِّ***يكِ صفّى خِلالَها الرَّاووقُ
***
أتجاهنا سيكون الى فاتح بور سيكير التي تبعد 40 كم شرق أكرا، ولكي لا يحصل الالتباس مع مدينة أخرى بعيدة تحمل اسم فاتح بور لذا لابد من التشديد على “سيكير”، وهذه المدينة ذات مجد مؤثلفهي عاصمة الإمبراطورية المغولية 1571م-1581، وهي فتنة في المعمار تتبؤ رابية، الصعود إليها يتطلب مشيا على الأقدام في دروب ملتوية صاعدة نحو الأعلى، عندها يكون الإطلال على المدينة الجديدة التي بنيت في أقدامها منظرا جميلا لاسيما الحدائق والبساتين والاسواق، سيفاجأ الزائر بمدينة عامرة بمعمارها لا بأهلها فهي مدينة أشباح، يؤمها السائحون، المدينة مسوّرة ومبنية من الحجر الرملي الأحمر الذي مرّ ذكرُه في عدة مواضع، تتألف من قصر الأمبراطور أكبر شاه بانيها وهو قصر مدهش كباقي القصور الملكية ذات المعمار المغولي، قاعات وأروقة ومنزل للحريم ومطابخ وحمامات! في القصر حديقة غناء، بجانب القصر المسجد الكبير، الذي يُعَد تحفة معمارية، وهو قد صُمِم ليحاكي المسجد الحرام في مكة قبل أن يعاد بناؤه ويوسع، ثم المقبرة الأنيقة، حيث القبور المزخرفة والمنقوش عليها آيات قرآنية والشواهد المرمرية التي حفُرت عليها الأسماءُ بأناقة وانسيابية الخط الفارسي وأحيانا الثلث، الحمام (وهو مغسل الموتى) صالة واسعة بوسطها دكة وخزانات للأكفان والحنوط وبئر،، يمنع الدخول ولكن بوسع الزائر أن يرى من زاوية واسعة، لم يكن المنظر مخيفا – كما هو الحال في بئر عليوي عند تخوم وادي السلام- بل مَبعَثٌ للدِعة والسَّكينة لفرط جماله! السائحون كثيرون أغلبهم من الهنود. خرجنا من المقبرة الواسعة. تذكرت قصة بهلول الكوفي وهو يعتلي حصانه وهو قصبة لا غير، عندما سأله الخليفة العباسي: ماذا تقول في بني العباس يا بهلول؟ فأجاب على الفور: هذه قصورُهم وهذه قبورُهم، وأطلق ضحكتَه مواصلا رَكضه وخلفه الصبيان…بعيد موت الأمبراطور أكبر عدل عنها كعاصمة الى غيرها والسبب هو إنقطاع الماء عنها وصعوبة نقله الى الأعلى..
من يدخل المدينة سيجد صهاريجَ كبيرة عميقة لخزن مياه الأمطار، تحتوي على مياه خضراء آسنه بفعل الطحالب والسبايروجيرا، وما أن مرقنا في ممر جنبها حتى لحقنا جمهرة المتسولين وجلهم من الأطفال والمراهقين نصف عراة، لنتعرف على فن جديد من التسول، لو أدركه الحريري لسجله في مقاماته!  فهم يعرضون علينا أن يلقوابأنفسهم في الصهاريج لقاء ثمن بَخسٍ دراهم معدودة!! ذعرنا هاربين منهم، لتواجهنا جمهرة أخرى من الشحاذين والباعة، ولتسمع حوارات مع الشحاذين الأطفال تعتمد المنطق منهجا،اليكم البعض منها، أحدهم: سيدي نحن أبناء بلاد فقيرة وأنتم أحسن حظا منا فماذا لوساعدتنا بشيء من الروبيات وأفضل منها دولارات؟ وآخر وقد فتن بقبعة وئام المزدانة بصف من مصابيح صغير، طالما نفعتنا عندما تنقطع الكهرباء: سيدتي بلادنا حارة جدا ولا شك أنك أتيت من بلاد أبرد ماذا لو تكرمت بقبعتك؟ من الخطأ جدا فتح المحفظة أمامهم ومن رام مساعدتهم عليه أن يمنحهم من دون أن يُريَهم المبلغ مجتمعا…أكتفي بهذا القليل من النماذج! بَطَل من يستطيع أن يطبق المأثور القرآني الكريم “وأما السائل فلا تنهر”…
***
أمضينا ثلاث ليال في أكرا وسنفترق، في الصباح الباكر، رفيقانا يمموا وجهم شطر دلهي ومقاطعة راجستان، ونحن الى لَكنوْ ، وها قد امضينا ما يقرب من ثلاثة أسابيع كنا في غاية التفاهم، وأنا أتذكر في كل فراق ، بيتين طالما رددهما عميد الأدب طه حسين، في “من لغو الصيف” و “من حديث الخريف والشتاء” كلما فارق مرافقيه في السفر. والغريب أن البيتين لا ينطويان على جمال بل يقتربان من الحديث اليومي، ولا أعرف من قائلهما، أرجح أنهما لطه حسين نفسِه، وهما من بحر يكاد أن يكون مهجورا ، من (المخَلّع):
قالت وفي صوتها وداعٌ***ينُم عن كامن التياعِ
لايلبثُ الأصدقاءُ حتى*** يدعوهمُ للفراق داعِ
ولنا وقفة أخرى في مضارب بوذا حيث سننطلق من لكنو عاصمة النوابين الى لمبيني من النيبال حيث مسقط رأس بوذا….
[email protected]