22 ديسمبر، 2024 11:23 م

في مراسيم تشييع جنازة التفريط بالحياة فعل غبي، والأغبى نسيان النهاية

في مراسيم تشييع جنازة التفريط بالحياة فعل غبي، والأغبى نسيان النهاية

لا تضاف أي أسئلة عن الموت، أنه جواب جاهز يغطس في الإعادة والاجترار والحيرة على أرض تتساوى الكائنات فيها في الحفر، وعلى هذا النحو يتساوي الفقد والرحيل بين التلاشي والاندثار والنسيان. فالموت لغز محير، وهو صحو بعد نوم عميق.

كنت هناك، خلف جنازة، أحدق في نهايات المنائر، فيخيفني دبوس السماء، هكذا كنت تسير في مراسيم تشييع جنازة على بقعة من أرض ضيقة الشهيق، كأنك رأيت الصمت يسير مع العويل، رأيت شيئاً خفيا يخفي ملامحه يمشي بمهابة ملك بين المشيعين، رأيت وجوها مصفرة متوجسة خائفة، وأكبادا حرى،

رأيت التراب يحكي، ينهال ويتفتت ويطير، والكفن يستر البدن ويخنقه، والتابوت يفرغ حمولته، ثم يفضح ويشهد على الفراغ، رأيت غسل الموتى يسيل من الدموع ، ورأيت قاع القبر، وسمعت كثيرا من الأدعية والتلاوات والتلقين، رأيت التراب يدثر بمعاول قصيرة كقش منفوش، ورأيت سدادة القبر، وحجر الاختناق من الهروب، رأيت معاول أخرى تضرب الأرض، وملقن الموتى يرتل التعاويذ الثقيلة ، رأيت ورأيت .. كأني رأيت السخط يسبق الخوف ؟!

الموت علامة الزوال حين تنهال سلسلة من الأسئلة التي لا جواب لها. أسئلة تجد أن من السذاجة أن تحكيها لكائن أصغر منك عمرا، قد تحتاج الى رأس حكيم، أو عمامة عالم أو جلباب ناسك أو مسبحة متعبد أو صوفي أو ملحد أو مؤمن.

لا شيء يخيف غير أسئلة الوجود، وأسئلة العدم، وأسئلة الإيمان.

أن أهم ما يعين على المعرفة هو امتلاك الوعي وتقدير أهمية الإقناع بالحجج والبراهين والأدلة، ربما تكون الأسئلة ساذجة ومخجلة من أن تسألها لأي إنسان. فلا جدوى منها!

أن الاحتماء من الأسئلة أو الخشية منها يشبه من يركب البحر ويخاف من قدح ماء، وعلى هذا الأساس تكون الحياة مذهلة ومرعبة وسمجة وتافهة وجميلة، نعم، أنها جميلة بجذوة ورغبة البقاء فيها، لذا تمسك بأسنان من حديد خشية ان تنهار هذه المتناقضات الثنائية.

كثير من الناس لا يفكرون بالموت كحقيقية وجودية ويظنون أنهم يعيشون الى الأبد، وهذا ضمن التمسك بها، لذا يكتفون بعدم ذكر الموت خشية الرعب منه، وهذا ما يعطي للإنسان سر التعلق بها والتخفي بثيمة النسيان والتجاهل عن عمد، وعن خوف من حقيقتها المرة،

أنه عالم مجهول لا يعلن عن إفصاحه في فج الأسئلة.

أن سر الموت لم يدركه الأولون ولا الآخرون، وغاص في ضيق المدارك والافتراضات التي يجتهد بها لكي يفهم التباسها على أجوبة مبهمة.

غالبا من يكون الشعور بالشفقة مرتكزا للعطف في تفسير خجول دون تقدير، ولكنه تجاهل عن ضعف، لان جدية الحياة لا تفصح عن الأشياء، بل تأخذ حيز المكان فيمن يفكر بها، وحيز الزمان فيمن ينساها، ولكن من النادر ان يتفوق الإنسان على ذاته بالاجتهاد الذي يتجاوز في مكنونات النفس . أن التفريط بالحياة فعل غبي، والأغبى نسيان النهاية.