22 نوفمبر، 2024 10:32 م
Search
Close this search box.

في ليلة (ام الحلللس) خلاف ام اختلاف

في ليلة (ام الحلللس) خلاف ام اختلاف

تطورت وسائل الاتصال المختلفة ففرضت مكننة الحديد الباردة  نفسها على طقوس وتقاليد  العيد، واختصرت المسافات والزمن وأتاحت للبشر خيارات متعددة وواسعة للتواصل والمعايدة، لكن يؤاخذ عليها  غياب الدفء والحميمية ولمه الأهل والأحباب التي أصبح يستعاض عنها اليوم باجتماع البشر خلف أجهزة الكترونية  صامتة فاقدة المشاعر والأحاسيس ،افتقدنا فيها الكثيرمن ارثنا وماضينا ، ومنها (ليلة ألحلللس  )الكبيرة التي تنام فيها ملابس العيد تحت وسائدنا وأماني عيدية الوالد والأعمام من عملات حديدية  أحلام مفترضه على فراش  أحر من الجمر بانتظار صبيحة يوم جديد.

قد يظن الكثيرين من جيل اليوم إن لفظة (أم الحللسس) من مفردات اللغة السنسكريتية أو  اللغات المنقرضة فهي  غريبة وغير متداولة في عصر العولمة والعصرنة والانسلاخ من عبق وأريج الماضي  التليد .

وللمتسائلين فان( أم الحلللس )هي ما يطلق باللهجة الشعبية على ليلة العيد والتي يعين فيها  أهل الحل والعقد أن يوم غدا عيد الله الأكبر وفيها من الطقوس والمراسيم مالا يكفيني لعدها قراطيس ومدونات. لكن  أجمل مافيها  تزين النساء وضفر شعورهن ( بالمّحلب ) والحناء  والتطيب بعطر( آم السودان) ونتف ما لايصح ذكره!!! ،مما يفسره الأزواج المتأهبون للانقضاض على حلائلهم  دعوة علنية ساخنة   لتطارح الغرام واكتساب الأجر والثواب!!! في هذه المناسبة المباركة !!!!!.

كل ذلك أصبح صفحة مطوية من الماضي وأصبح مقدّم  هذه الليلة مثير للشجون والاستفهام فقد  يصاب المرء بإحباط شديد كل ما اقترب العيد الذي ينبغي أن نستقبله بالفرح الغامر كمسلمين لما فيه من الخصوصية الإسلامية والروحانية، التي تجعل كل مسلم يتمنى أن تكون السنة كلها أعياد  .لكن تقرير ليلة الحلللس في العيدين  موضوع شائك ومتشعب  وأشده ما يتعلق بعيد الفطر  تحديدا .أصبح يؤرقنا مخافة أن نقع في لبس أو شبهه من حيث لا ندري والمسئولية في هذا ووزره إن كان فيه وزر  ،تقع على علماء المسلمين بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم لهذا المذاهب الفقهية أو تلك الهيئات الإسلامية. .وأعتقد أن الكثيرين يشاركونني هذا الرأي خصوصا إذا كان الموضوع يتعلق بأحد أركان الإسلام الخمسة ( صوم رمضان ) وطريقة رؤية هلاله الذي يجب أن تكون الوسائل التكنولوجية الحديثة قد حسمت أمره منذ سنوات عديدة، ووضعت حدا لآراء واجتهادات فقهاء كانوا لا يمتلكون أية وسيلة للاتصال سوى استخدام ظهور الحيوانات التي ربما تنقل خبرا من مكان معين ولا تستطيع إيصاله إلى الوجهة المطلوبة إلا بعد أسابيع أو سنوات حسب طول المسافة أو قصرها ،بعكس الوسائل المتطورة الموجودة حاليا والتي بإمكانها نقل الخبر وتعميمه على سكان المعمورة في أقل من دقيقة .  مع إيماننا بان بعض الآراء الفقهية لاتعتد بالرؤيا المسلحة باستخدام أجهزة الإبصار والتقريب .

وقد راعني وأنا أطالع اختلاف الدول الإسلامية والعربية خصوصا حول رؤية هلال رمضان(كإفطار  بعض الدول متقدمة على الجميع بيومان ) وكأننا ما زلنا نعيش في القرون الغابرة التي لم تتح لفقهائها وسائل الاتصال ووسائل كشف الرؤية المتاحة لنا اليوم ، فمنذ أن أدركنا ما يجري من حولنا والدول العربية تصوم وتفطر متفرقة كل حسب رؤيته مما يدفعنا إلى السؤال التالي : لما نتناسى خلافاتنا الدينية والمذهبية في بقية شهور السنة ونتذكرها عند حلول شهر رمضان الذي يجب أن نتفق على رؤيته وعلى الأحكام المتعلقة به كما نتفق على الصلاة والزكاة والحج؟

أليس شهر رمضان وصيامه أحد أركان الإسلام الخمسة ؟ هل يعقل أن تكون للكويت أو العراق رؤيتها الخاصة بهلال رمضان, ولليبيا رؤية أخرى ومصر وتونس والمملكة المغربية هي الأخرى لها رؤيتها .وقد أثبتت مراجع وهيئات فقهية معتبرة تقع في شرق بلداننا (كباكستان  أو إيران ) ثبوت رؤية الهلال  وقد تكون هذه الدول المسلمة بتوأم معنا بنفس المذهب أو الاعتبارات الشرعية . ولمسلمين مؤمنون بالوحدانية والنبوة والعدل والإمامة والمعاد.

ماذا نقول لمن يصومون يوم عيد الأضحى -وصومه محرم بإجماع العلماء – ويقولون أنه يوم عرفة مع أنهم شاهدوا على شاشات التلفاز حجاج بيت الله الحرام وقد وقفوا بعرفة في اليوم السابق مما يجعلنا نتساءل من الفقهاء عن تعريفهم ليوم عرفة وهل يوم عرفة زمان ومكان أم هو زمان فقط !!يمكن الاختلاف فيه حسب رغبة كل بلد ؟ وهل هناك في لبنان مثلا  مكان يسمى عرفة يقف فيه الحجاج وبالتالي يمكن استيعاب الاختلاف؟ أم أن عرفة تطلق على المكان الذي يعرفه الجميع قرب مكة ويقف الحاج على صعيده في مساحة جغرافية محدودة ؟ فيكون الجواب مقولبا  دائما وجاهز( إننا لا نثق إلا في رؤيتنا وتقديرنا للشهور).

في الحقيقة إنه أمر محير فأن المسلمون اليوم لا يثق بعضهم بشهادة البعض, والكل يتحجج بأحكام فقهية لو أتيح لأصحابها من الوسائل ما هو متاح لنا اليوم لما التفتوا إليها.

ألا يستدعي عدم احترام البعض وعدم تصديقه للبعض الآخر وقد يكونوا( من نفس الطائفة ومن نفس المذهب ) والذي رأى هلال رمضان!!! طرح أسئلة فقهية تتطلب مناقشة فقهية جديدة .إذ كيف يسمح علماؤنا الإجلاء أعلى الله مقامهم ودام ظلهم  بهذا التلاعب الواضح في ما يعلم من الدين بالضرورة ( مسألة شهادة المسلم ) فلما ذا نلتزم بشهادة المسلم في الدماء والحدود وفي معظم الأحكام الفقهية ونبني على ذالك أحكاما : ولا نلتزم بشهادته في حالة ما إذا تعلق الأمر برؤية الهلال ؟

لما ذا يقضي علماؤنا الأجلاء جل وقتهم في كتابة وإصدار فائض من الفتاوى  والتي تتعلق بأمور ونواهي هامشية ميسرة . ولا يجلسون مرة واحدة على مستوى الهيئات والمرجعيات  لإيجاد مخرج وصياغة فتوى بالإجماع تلزم العالم الإسلامي  والبلد الواحد على الأقل بتوحيد الرؤية  والحد من الفتاوى التي أصبحت تطلق جزافا كما في  بلدان مجاورة استهجنت فحواها الحكومات واستنكرتها الشعوب,(كإرضاع الكبير وزواج المصياف والمعشار والمسيار،وجلوس المرأة على الكرسي ) إلى غير ذلك من قائمة الفتاوى التي تطول والتي أصبحت  لاتطاق,مما استدعى  بعض حكوماتها إلى حصر الفتوى في كبار العلماء والمجتهدون  تجنبا للفوضى التي سادت هذا الحقل مؤخرا .

 ربما يقول قائل أن المسلم العادي يستطيع حسم موضوع رؤية الهلال لو أراد, لكن هذه مواضيع تدخل في اختصاص  الانتماء المذهبي والشرعي وهي مهمة العلماء  الإجلاء والبت فيها لا يمكن أن يمر إلا عن طريق  تعيينهم وتخصيصهم أعزهم الله .

  ومن المفيد التذكير بأن أجماع جمهور علماء الأمة وبكافة المذاهب  على أن هلال رمضان مثلا يثبت برؤية عدليين أو بالرؤية المستفيضة , أو بكمال شعبان ثلاثين يوما , وما عدى ذالك إنما هو اجتهادات واختلافات فقهية وعلى من يريد الغوص فيها أكثر مراجعة كتب الفقه المختلفة لكن الذي يهمنا هنا هو أن جمهور العلماء حددوا شروطا واضحة لثبوت رؤية الهلال وعندما يتوفر واحد من تلك الشروط تثبت به رؤية الهلال وهي كما أشرت سابقا : شهادة رجلين من المسلمين تتوفر فيهم العدالة ، أو رجل وامرأتان, أو رؤية مستفيضة فيها العدول وغير العدول ، أو بكمال الشهر ثلاثين يوما.

وشرط شهادة عدول يتحقق كل سنة  في كل الدول والطوائف والمذاهب ومع ذالك يرفض جزء من المسلمين صوم أول يوم من شهر رمضان، فما حكم هؤلاء الذين لا يصومون في دولة مسلمة وقد تأكد لديهم أن العلماء في دولة مسلمة أخرى تقع شرق موطنهم  قد تحققت لديهم رؤية هلال رمضان بما لا يدع مجالا للشك بعد أخذ كل أسباب الحيطة ؟ , هل تجب على من لم يصم أول يوم من رمضان كفارة مغلظة؟ على اعتبار أنه تعمد الفطر في نهار رمضان مع علمه أن جماعة من المسلمين قد رأوه وصاموا ؟

فكيف يرى أناس مسلمون غرة  شهر رمضان في أندنوسيا مثلا ولا نصدقهم في بقية بلاد المسلمين وكيف يرى جيراننا الإيرانيون هلال  ليلة العيد وتستنكف دول عربية عن الاخذ بهذه الرؤية بحجة الاختلاف المذهبي الرسمي لدولة إيران الإسلامية .  إلى متى تظل خلافات حكامنا مسيطرة على جميع مناحي الحياة التي نعيشها حتى وصلت إلى الحقل الديني . و التفقه في الدين ومعرفة اختلاف الفقهاء حول رؤية الأهلة. فأين العلماء الذين يملئون شاشات الفضائيات من هذه القضية التي لا تتطلب الكثير لحسمها ؟ هل شهادة المسلم يؤخذ بها في كل شيء ما عدى رؤية الهلال !!! أم أن علماءنا يختلفون باختلاف الحكام ويتفقون باتفاقهم , لا نريد الإساءة للعلماء , لكن طفح الكيل في هذه النقطة التي آن لها أن تحسم. .

ألم يكفنا هذا الكم من الخلاف والاختلاف وصرنا نبحث عن كل شيء يمكن لنا أن نختلف فيه بدلا من البحث عن الأمور التي يمكننا أن نتفق عليها .

إلى متى يظل الخلاف حول رؤية الهلال مستمرا والعالم أصبح يراقب حركة الكواكب الأبعد من القمر بمئات السنوات الضوئية بواسطة مناظير وتلسكوبات أرضية وسيتجلي الزلازل والأعاصير قبل وقوعها .حقا إن وضعنا خرج عن حيز المنطوق والمفهوم والمعقول.وأن ليلة أم المحلللس مرهونة في ذمة  اتفاقنا ووحدتنا

ونيتنا على إن نغير ما في أنفسنا وان نتمسك بثوابت ديننا الإسلامي الحنيف..

[email protected]

أحدث المقالات