يشكل موضوع الجماعات التكفيربة أهمية تتخطى غايتها الشخصية بكتابة مقال أو كونها مادة علمية، لأن موضوعنا في مجمله يتفاعل مع واقع يعيشه العالم وتحديداً أمتنا وأوطاننا وما زال يتفاعل في طور هذا التحول الذي يستوجب نشوء دولة مؤهلة لقيادة المجتمع والسير فيه إلى برّ الأمان والاستقرار في خضمّ عالَمٍ تعصف فيه رياح التغيير، وتتلاطم فيه أمواج الصراع، وتنتشر فيه ظاهرة العنف الإرهابيّ بشكل كبير جدًّا.
إن الموضوع الذي تناوله المقال يحتاج إلى مواصلة البحث من قِبل الباحثين لمعرفة الأسباب الحقيقة التي أدت إلى الحالة الراهنة التي تعيشها المجتمعات العالميّة بسبب ظاهرة العنف الإرهابيّ، تلك الظاهرة التي تتحمل مسؤوليتها كافةً الأطرافُ الدوليّة والإقليميّة، وكذلك الدولة ومؤسساتها، بالإضافة إلى الأحزاب السياسيّة، ومنظمات المجتمع المدنيّ. وبناءً على ذلك أطرح مجموعة من التوصيات كما يلي:
أولاً: يتوجب الاستمرار بدراسة تحديد طبيعة ظاهرة العنف الإرهابيّ والسبل المؤدية لمكافحة هذه الظاهرة من أطراف البنية السياسيّة والمنظمات الدوليّة ومنظمات المجتمع المدنيّ، وضرورة الفصل بين الممارسات الإرهابيّة والعمليات الإجرامية التي تنال من حياة البشر واستقرار المجتمعات، وبين حق المقاومة والتحرر من الهيمنة الاستعماريّة.
ثانياً: مما لا شك فيه أنّ هناك مشاريع عالمية غربية وإسرائيلية لتفتيت الدول العربيّة وتقسيمها بذريعة الإرهاب، وعليه يجب وضع تعريف واضح لظاهرة العنف الإرهابيّ ومعرفته وفهمه ونشأته وحواضنه. وكذلك وضع منهج إستراتيجيّ للفكر الوسطيّ ونشر العلم الشرعيّ الصحيح وتجديد خطاب الدعوة، وتوعية الشباب بمعنى مفهوم الجهاد تحديداً، بالإضافة إلى أن علاج هذه الظاهر السلبية يتطلب الاستعانة بالخبراء القانونيّين والنفسيّين.
ثالثاً: إن الحاجة تستدعي مزيداً من الدراسات التي تتناول موضوع الفصل بين الفكر الدينيّ باعتباره تعبيراً عن اجتهادات بشرية قابلة للنقض والتعديل والجرح، وبين مبادئ الدين الإسلاميّ كثوابت مقدسة لدى المسلمين. وكذك ضرورة الفصل بين المرجعية الأيديولوجية ذات الطابع الثابت وبين الممارسة السياسيّة التي يحكمها سياق متغير.
رابعاً: أثبتت المنطلقات الفكريّة للإسلام السياسيّ ومواقفه السلبية من الدولة والسلطة والمجتمع عدم انسجامها مع الأصول والقواعد الفكريّة التي تمثل الركائز النظريّة للشريعة الإسلاميّة، فخطاب جماعات الإسلام السياسيّ حَوَلَ التنافس السياسيّ إلى معركة وجودية دينية انتصارهم فيها يمثل انتصاراً للإسلام من منظورهم، وخسارتهم تمثل هزيمتهم أمام خصومهم من أعداء الإسلام، لذلك يجب تفكيك الخلط بين هذه الأفكار ومبادئ الدين الإسلاميّ، بمعنى أنه ينبغي التفرقة بين الإسلام كونه ديناً وبين الإسلام كونه سلوكاً ومنهج تجسده جماعات الإسلام السياسيّ.
خامساً: إن معالجة إشكالية الإسلام السياسيّ لا يمكن أن تتم بالاعتماد على بدائل تقليدية لا تختلف في جوهرها عن مشروع الإسلام السياسيّ نفسه، بل من خلال قراءة نقدية لنصوص تيارات الإسلام السياسيّ ومواقفه من خلال المناهج العلميّة الحديثة في مقارعة الحجج والمرجعيات التقليديّة التي تستند إليها جماعات الإسلام السياسيّ. في المقابل يجب على التيارات المدنيّة أن تتفاعل مع الجماهير وأن تقدم ثقافة مدنية بديلة.