23 ديسمبر، 2024 6:34 م

في كل يوم كربلاء

في كل يوم كربلاء

مُنذ آدم وحواء, وموسى ومَريم العذراء, ودعوة خاتم الأنبياء, وحُكم أرشد الخلفاء, ومَن مِن بَعدِهم جاء, من صالح السَلفِ والأتقياء, لم يتوقف نزف الدماء, وما قلَّ الحقدُ والعداء, ولا حَلَّ الحُبُّ والأخاء, مَحل الكُرهِ والبغضاء, رغم توافق الآراء, وقناعة جميع الفرقاء, بأنَّ الناس سواء, مهما تباين الإنتماء, واختلفَ الجنسُ والولاء, وتنوع اللون والأسماء, وأن التفرقة جهل وغباء, لا يقرها الا السفهاء . 

 لقد عانت البشرية جمعاء, ولم يتنفس الناس الصُعَداء, مُذ ان خضع العالم لسيطرة الأقوياء, وهيمن عليه تجار الدين الخبثاء, المعروفين بكثر سفسطة الألفاظ والهراء, وبطول الخبرة في المَكر والدَهاء, والقادرين على كسب ثقة البُسطاء, وحثهم على الصبر في الضرّاء, واقناعهم بأن السعادة في السماء, وعليهم الإمتثال لحكم القضاء, إن أرادوا نيل الثواب والجزاء .

ليس مِن السَهل تخفيف العناء, وتحسين ظروف معيشة الفقراء, ووضع حدٍ للبؤس والشقاء. ومن الصَعبِ إيجاد الدواء, لأمةٍ يُهددها خطر انتشار الوباء, وتعاني من ألفِ داءٍ وداء, بَدّدت بصيص الأمل باحتمال الشفاء, بعد ان عجز عن تشخيصها الأطباء, وفشل في تحديد جيناتها الخبراء, واحتار في حل لغزها الحكماء. فمنذ حرب الناقة العرجاء, وحروب البعاث وداحس والغبراء, وحتى الحروب العبثية الرعناء, التي اشعل فتيلها الأغبياء, في زمن النهضة والإرتقاء, وعصر اكتشاف رحاب الفضاء, لنا في كل يوم كربلاء .

إن حال الأمة يدعو الى الرثاء, وتأبين حاضِرها بحَسَن العزاء, والخوفِ على غدِها من الجُهلاء, وعدم القدرة على تحمل الأعباء, وحشد الجهود من أجل البناء. فبينما تتقدم الأمم دون استثناء, وتقطع أشواطا نحو تحقيق الرخاء, يتواصل تراجُع أمتنا الى الوراء, ويستمر فرض الشروط عليها والإملاء, ويزداد خطرُ بسط نفوذ الدخلاء, واحتمال تقطيع أوصالها الى أجزاء, دون ما يوقف هذا البلاء. فأغلب دعاة البطولة فضلوا الإختباء, ومعظم قادة الأحزاب تلونوا كالحِرباء, وراحوا يساومون في العلن والخفاء, ويبررون أسباب التحالف مع الأعداء, بعباراتٍ النفاق السياسي الجوفاء, حول ضرورة تبادل الآراء, وأهمية الأخذ بنقاط الالتقاء, مع مَن يضمر لنا العداء. قثثوأما المرجعية الدينية بآياتها العصماء,ففي طول السكوت كالصخرة الصماء, وأكثر ما يشغلها شهر عاشوراء, ومواكب اللطم والتطبير والبكاء, لا سقوط آلاف الجرحى والشهداء, من الأطفال والشيوخ والنساء, بمفخخات أوباش الفتنة الجبناء.

لقد خاب الظن وانقطع الرجاء, مُذ تدفق على أوطاننا الغرباء, ورحل عنها الملايين من الأبناء, لا بحثا عن الكلأ والماء, ولا طمعا بجمع المال والثراء, وانما لعدم ملائمة الأجواء, وانعدام أبسط مقومات البقاء, بسبب حماقات الملوك والرؤساء, وسياسات خنق الحريات والاقصاء, وتحَكّم خدَم السلطة البلداء, بمصير نوابغ العلم الأكفاء, ورواد الفن والأدب والشعراء.
ولعل أكثر مَن يستحق الهجاء, ولعنة الأرض قبل السماء, مِن بين اولئك وهؤلاء, هو ذاك الذي دفن الحَياء, بمقابر الصَلف الرخيص والرياء, وامتهن بيع الضمائر والشراء, بأسواق الخيانة والعمالة السوداء, ومن سمّى العدو بـ “الأصدقاء”, وكشفَ دونية التخاذل والإستجداء, ونفثَ سموم حقدهِ كاللدغاء, وراح يدلَّ كالكلبِ على الشرفاء, الذين رفضوا بشموخ وإباء, كل عروض المال والإغراء,  وآثروا الموت بكفن الوفاء, على مُخزيات عيش الأذلاء .

لقد مَلّت شعوبنا سَماع نفاق الخطباء, ومَقتت كذِبَ وتضليل وكالات الأنباء, وعُهر ما يكتبه ذوي الاقلام الصفراء. وأنفت ندوات ثعالب السياسة على الهواء, ورفضت جَعل أوطانها كالناقة الحلباء,التي راح يَحَلبُ ضِرعها الأجنبي والعملاء, ولصوص حكومات التبعية الجرباء, كالحكومة القابعة في المنطقة الخضراء, التي تركت الشعب في المنطقة الحمراء, يعيش وسط تفجيرات المُدن والأحياء, حيث يحترق في جحيم آتونها الأبرياء, وتتناثر أجساد الضحايا الغر والأشلاء, وتكبر أرقام الشهادة في سجل الإحصاء.

فيا لصوص البرلمان ومجلس الوزراء, ويا أيها الساكتون عن الجرائم النكراء,    كفاكم ما اقترفتم من أخطاء, فإن شعوب الأمة جمعاء, منكم ومن أمثالكم براء .