19 ديسمبر، 2024 7:39 ص

-1-
في غمرة الخوض في بحار الشهوات ، واللهاث وراء المطامع والمصالح ، تعن الحاجة الى التذكير بالقيم الروحية والأجواء الأخلاقية الصافية التي لم تُلبدها الغيوم …

إنّ انسان القرن الحادي والعشرين – للاسف – قلّ أنْ يتذوق نكهة “الحب الالهي” الذي يشدّه الى ربّه ، ويملأ دنياه بالتفكير والتأمل في عظمته وقدرته وكماله وجلاله، وما سخّر له في هذا الكون من نِعَمٍ لا تُعد ولا تُحصى ، فينطلق لأداء فريضة الشكر شعُوراً منه بالتقصير إزاء ما أولاه الربّ العظيم من الفيض والبركات …

-2-

والتوازن بين حاجات الجسد وحاجات الروح ، واضحُ المعالم في منهج التربية الاسلامية .

ومَنْ منّا لا يحفظ الحديث الشريف القائل :

” اعمل لدنياك كأنَّكَ تعيش ابداً ،

واعمل لآخرتك كأنَّكَ تموت غداً “

ولكنْ كمْ منّا من يعمل لآخرته بشكل مساوٍ لأعماله الدنيوية ؟

هنا يكمن الخلل ..

وهنا تسكب العبرات ..!!

-3-

وهناك ” باقات ” من الأخبار والآثار تفوحُ بِعِطْر الايمان ، والسلوك النقي ، والعبادة الصادقة ، والاستقامة على خطّ الطاعة لله ، ما أَكثَرَ حاجتَنا الى أن نستاف شيئاً من شذاها المواّر، الذي يُحي القلوب ويُنعش الأرواح .

-4-

انّ من الفوائد الحقيقية، التي لا يستطيع أحدٌ نكرانها لمتتبعي كتب الأخلاق والأدب والسيرة والتراث، الوقوف على أرقام ناطقة وحكايا صادقة في هذا المضمار .

ومن تلك الحكايات :

ما روي عن أنس بن مالك حيث قال :

” جاء فتى من الانصار الى الرسول (ص) وقال :

انّ أمي تُكثر البكاء ،

وأخافُ على بصرها أنْ يذهب ،

فلو أتيتَها فَوَعَظْتَها !”

نكتب هذه المقالة في عيد الأم (21/3/2015) ونُورِدُ خبر ” الفتى الانصاري” الذي بلغ حبُّه لأمِّهِ درجةً خاف معها على بصرها من العمى، حين رأى كثرة بكائها من خوف الله ، فسارع الى المثول بين يديْ الرسول (ص) والتمسه أنْ يذهب بنفسه ليعظها علّها تكفّ عن كثرة البكاء …

ولقد لبى الرسول (ص) نداءَهُ وذهب اليها، في مبادرة عظيمةِ الدلالة على عظيم خُلُقِهِ ،فهو كما وصفه الرحمن في محكم القرآن حين خاطبه قائلاً:

” وإنْك لعلى خلق عظيم “

انّ عامة المسؤولين اليوم يمنعون وصول المواطنين اليهم ، وثِقْلُ السماء في الارض ، وسيّدُ الانبياء والمرسلين (ص) يذهب بنفسه ليعظ ” امرأة ” في بيتها !! بعد أنْ جاءه (الفتى) الأنصاري وأبدى رغبته بذلك …

هذا هو السمّو والتألق …

وهذه هي الانسانية في ذروتها العليا

نعم انه (ص) الرحمة المهداة ..،

ولكنْ أين المتأسون به ؟!

أَينَ هم من تواضعه ومحبته وحرصه على الانقاذ ؟

أينَ هم من اهتمامه ” بالمرأة ” ؟

هذا هو الدرس البليغ في عيد الأم

ويستمر أنس بن مالك في الاخبار فيقول :

” فذهب معه – اي مع الفتى الانصاري –

فدخل ، فقال لها في ذلك ، فقالت :

يارسول الله :

أرأيتَ إنْ ذهب بصري في الدنيا ثم صرتُ الى الجنة ، أيُبدلني الله خيراً منه ؟

قال :

نعم

قالت :

فان ذهب بصري في الدنيا ثم صرتُ الى النار ، أَفَيُعيد الله بصري ؟

فقال النبي (ص) للفتى :

” إنَّ أمّكَ صِدِّيقة “

انّ بكاءها لم يكن عن ألم …

انه كان عصارة اليقين ..!!

-5-

واذا كان لابد من تقديم هدية ” للأمّ ” في يوم (عيدها) فلتكن هذه السطور هي الهدية ..!!
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات