قدم رجلٌ للمعتصم في بغداد ناقلا له حادثة شاهدها قائلا: يا أمير المؤمنين، كنتُ بعمورية فرأيتُ امرأةً عربية في السوق مَهيبة جليلة تُسحلُ إلى السجن، بعد خلافها مع رجل أراد استغلالها وإيذاءها فصاحتْ في لهفة: وامُعْتَصِمَاهُ، فأرسل المعتصمُ رسالةً إلى أمير عمورية قائلا له: من أمير المؤمنين إلى كلبِ الرومِ، أخرِج المرأةَ من السجن، وإلا أتيتُك بجيشٍ بدايتُه عندك ونهايتُه عندي، فلم يستجب الأميرُ الروميُّ، وانطلق المعتصمُ بجيشه؛ ليستعدَّ لمحاصرة عمورية، فمضى إليها فلما استعصتْ عليه قال: اجعلوا النارَ في المَجانيق، وارمُوا الحصونَ رميا متتابعا، ففعلوا فاستسلمتْ ودخل المعتصمُ عمورية، فبحث عن المرأة فلمَّا حضرتْ قال لها: هل أجابَكِ المعتصمُ؟ قالتْ نَعَمْ، فلما استقدم الرجلَ الذي تنازعت معه قالت له: هذا هو المعتصمُ قد جاء وأخزاكَ، قال المعتصم: قولي فيه قولَكِ، قالت: أعز الله مُلك أمير المؤمنين بحسبي من المجد أنك ثأرتَ لي. بحسبي من الفخر أنك انتصرتَ فهل يأذنُ لي أمير المؤمنين في أن أعفوَ عنه وأدعَ مالي له؟ فأُعجب المعتصمُ بمقالها، وقال لها: لأنتِ جديرةٌ حقا بأنْ حاربتُ الرومَ ثأراً لك، ولِتعلمَ الرومُ، أننا نعفو حينما نقدر.
وفي عراق اليوم الذي يرزحُ تحت ظلم المحتلين سُجنت المرأة العراقية العفيفة الشريفة المجاهدةُ وعُذبت وأُهينت كرامتها واستبيحت حرماتها، فصاحت بحرقة المظلوم ودموع المحزون وألم المكلوم: وا رجالاه، ظنا منها أن المعتصم لايزال في بغداد، وأن العراقيين سينتفضون وراء معتصمهم لينقذوا شرفهم ويطهروا بلادهم من رجز أذناب المحتل وخدامه، فلما أفاقت المرأة العراقية من حلمها فإذا بالمعتصم قد غادر إلى ربه راضيا مرضيا، وإذا بالعراقيين ينقسمون على أنفسهم فما بين شريف مستنكر تعذيب العراقيات، وما بين ساكت خوفا على منصبه ومصالحه، وما بين مُوالٍ للسجان مؤيد ما صنع في الحرائر العراقيا ، كما سمع ورأى الجمهور العراقي مناقشات نوابهم [المنتخبين المنتجبين….؟؟؟]. فوا أسفاه على المعتصم، ووا أسفاه على جنده الأبطال، ووا تعساه لعباد الدولار والدينار والمناصب، ووا خيبتاه من أشباه الرجال، ووا حسرتاه على رجال الكرامة والغيرة الذين غدرت بهم الدنيا.
فلكِ الله يا أختاه: أيتها العراقية العظيمة، واطمئني فحبل الظلم قصير، والزمن دوار، والنصر قادم بإذن الله تعالى، وستنالين حقوقك كاملة من جلاديك، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وليخسأ سجَّانوكِ الآثمون الظالمون، والله أكبر.