بالرغم من تعدد الديمقراطيات في العالم المعاصر وانظمتها السياسية الا انها في مجمل طروحاتها الفلسفية والاجتماعية تعني حرية الفرد والمجتمع . وجوهرها في الحرية ان تكون نهاية حرية الفرد بداية لحرية الاخر وهكذا . وينبغي ان تكون الاراء والافكارمختلفة وكلما تعددت تلك ، تتحرر الرؤى من اطرها التقليدية الضيقة وبالتالي يزداد التفاعل بين الافراد ويرتفع الاداء في تقييم الاحداث ويصبح فهم مشترك في تفسير الديمقراطية وتجلياتها الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية . في نفس الوقت عندما تتعدد الرؤى لا يعني التجرأ على الاخرين باساليب الذوق والاداب العامة فضلاً عن الاراء المتطرفة في منظور التكفير والتشدد وفرض الرأي الاوحد بحجة حرية الرأي . وكلما كان المجتمع اكثر استقراراً وهدوءاً يفرز نماذج ونُخب قادرة على التأثير في شرائح المجتمع المختلفة لبناء شخصية ذات مسؤولية مجتمعية تؤمن بحرية الرأي الاخر. في العراق نجد ان افرازات المرحلة اوجدت ساسة ليس لهم القدرة على قراءة الواقع قراءة ممحصة فضلاً عن تراكمات المجتمع العراقي بطبيعته القبلية والتي زادت من التخندق العشائري والطائفي مع اية ازمة تحدث وبالتالي لا يمكن تجاوز هذه المرحلة الا باستقرار طويل يصحح الذاكرة العراقية التي عانت من التشويه كثيراً . امام هذه التناقضات والتأثيرات الجانبية كيف سيكون شكل الديمقراطية التي ينتهجها الساسة وبالتالي المجتمع ؟، وسنكون اخيراً مجبرين على تبني ديمقراطية مشوهه تسمى بـ (الديمقراطية الناشئة ) والتي ترافقها الفوضى في الشكل والمضمون مما يضطر النظام السياسي الى انتهاج نوع جديد من نظام الحكم شكله الخارجي ديمقراطي وجوهره القوة والسلطة والذي يطلق عليه بـ ( الدكتاتورية الرشيدة ) فلن تبقى للديمقراطية في ظل هذا النظام الا قشورها وملامحها . وما يحدث اليوم في العراق ان الديمقراطية لا نفهم منها سوى الفوضى وعدم الالتزام بالقوانين النافذة وكل شىء نفعله نعلقه بالحرية ، وبالتالي ساء استخدامها في التطبيق والتفسير ليس من عامة الناس فقط وانما من قبل الساسة ، وهذا بحد ذاته هو نوع من النكوص والتراجع للمجتمع وعدم قدرته على المحافظة على انجازاته في التغير . واذا اردنا العودة الى الديمقراطية في ظل هذه الظروف فسنخسر الكثير لان قيم العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وفهمنا للديمقراطية قد اهتزت لاننا فقدنا البوصلة الدقيقة التي توجهنا اليها باعتبارها المبدأ والوسيلة والاسلوب . وبالرغم مما حدث دعونا نختار أي نوع من الديمقراطية تقودنا الى ضمان حرية الفرد وبناء المؤسسات وتعريف المواطن بالحقوق المصانة والمسؤولية الاجتماعية لكل واحد منا ، وسموها ما تشاؤون حتى لا يكون الحل بدكتاتورية رشيدة مقبلة .