قبل سنوات، أطلقت المرجعية الدينية في لحظة مفصلية شعار“المجرب لا يُجرّب”بهدف اصلاح العملية السياسية وانضاج خيارات الناخبين.
كان المقصود حينها التحذير من إعادة انتخاب من ثبت فشله في إدارة الدولة، لكن المفارقة أن هذا الشعار تحوّل إلى أداة دعائية بيد خصوم العملية السياسية، الذين أسقطوه بشكل انتقائي على كل شيعي انخرط في السياسة بعد 2003.
لم يكتف أصحاب الأغراض بهذا التعميم، بل تبنّى البعثيون السنة هذا الشعار ورفعوه كراية في حملاتهم الإعلامية الصريحة وغير الصريحة، داعين الناخبين الشيعة إلى مقاطعة الانتخابات بحجة أن كل مرشحيهم ينتمون إلى أحزاب “مجرّبة”، وبالتالي لا يجوز انتخابهم. بهذا المنطق، طُلب من الشيعة أن يتخلوا عن كامل تمثيلهم السياسي، وكأن “التجربة” أصبحت وصمة عار. لكنها لا تنطبق على البعثيينوالسياسيين السنة أنفسهم.
المفارقة الأكبر أن البعثيين السنة، الذين حكموا العراق منذ عام 1968 وحتى سقوط نظامهم في 2003، بدأوا يطرحون أنفسهم من جديد كبديل للنظام السياسي الحالي.
يروّجون لفكرة أنهم “الأصلح” لإدارة البلاد، مستندين إلى فشل الطبقة السياسية الحالية، وكأنهم لم يكونوا هم أنفسهم من أسّسوا لعقود من القمع، والحروب، والعزلة، والحصار، والمقابر الجماعية والاعدامات دون محاكمات، والعقاب الجماعي والانهيار الاقتصادي.
كل عراقي عاش تلك الحقبة يعرف تمامًا أن حكم البعثيين السنة كان فاشلًا بل مدمّرا بكل المقاييس. ولا حاجة لسوق الأدلة، فالشعب العراقي والعالم بأسره شهدا على تلك المرحلة، وما زال كثير من ضحاياها أحياء.
فإذا كان شعار “المجرب لا يُجرّب” معيارًا، فيجب أن يطبق أولا على كل السياسيين السنة وخصوصا البعثيين منهم لأنهم حكموا العراق عقودا طويلة لم يتمكنوا فيها من بناء دولة محترمة بل تسببوا بتدمير الدولة.
لاشك انها محاولة لإعادة انتاج نفس المشروع البعثي من جديد عبر تحميل الشيعة مسؤولية اخفاقات البعثيين السنة وفشلهم وكوارثهم التي تسببوا بها للعراق والعراقيين. لكن الشيعة أصبحوا اكثر نضجا ولن تنطلي عليهم هذه الألاعيب مجددا.