* مستندات واقعية وافكار مبدئية تؤسس لورقة اصلاح وطنية
جاء توقيت المؤتمر الصحفي الذي عقده الدكتور اياد علاوي زعيم القائمة العراقية قبل ايام ليحرك الاجواء السياسية التي تلبدت بغيوم الغفلة وعدم الازدراء بكل مايحيط العراق من مخاطر وصعاب نتيجة الازمة السياسية الحادة والمعقدة التي مضى عليها اكثر من سنة دون ان بتحرك احدا من فرسان السياسة بأتجاه الحكمة والاتزان وعفة الضمير لطرح الحلول الواقعية، او على اقل تقدير طرح الافكار المقنعة التي يمكن ان تمهد للحلول او التقارب ، وكل ماصدر من هؤلاء الفرسان هو عبارة عن تصريحات تسويفية لامعنى لها ، ومقترحات مبتورة لاتقدم شيئا، وتصورات لاترتقي الى مستوى المسؤولية السياسية تجاه العراق واهل العراق ، وعلى عكس ذلك تماما فقد طرح الدكتورعلاوي جملة من الافكار والاراء والتصورات يمكن ان توصف بأنها ورقة اصلاح ستراتيجية تناولت كل مفردات الازمة السياسية بصيغة منفتحة وشفافة طرحت من خلالها المشروع الوطني على اساس بناء الدولة الحديثة واعادة صياغة مفهوم دولة المؤسسات بما ينسجم ويتلائم مع الارادة الشعبية والمصلحة الوطنية.
لقد حدد علاوي اولويات المعالجات الآنية والمستقبلية في حدود الاطر الاستراتيتجية التي ينبغي ان تستند عليها اساسيات الفكر السياسي الوطني الذي يقدم مصلحة الوطن والشعب على مصالح وغايات كيانات او شخصيات سياسية استغلت الوضع الهش والمتشرذم الذي يمر به العراق لتحيقيق مصالح رخيصة ومبتذلة سيطر من خلالها الفساد وسوء الادارة وتفشي الرشوة وسرقة المال العام ، الذي ازهق روح المواطن وعطل مسيرة البناء ، وطرح بالمقابل لهذا السوء تطلعات وطموحات بل واصرار على المضي بأتجاه تصحيح الاخطاء وتهيئة الظروف المناسبة لعمل سياسي صافي ممنهج وفق حاجات الشعب وتطلعاته المستقبلية وعدم الرضوخ لكل ما من شأنه ان يجعل العراقي مصابا بالخنوع او الرضوخ الى مايمكن ان يفسد تأملاته المستقبلية وطموحاته المشروعة .
لقد اتسمت كلمة علاوي بالوضوح والبساطة والتوجهات الصحيحة ، وحملت دلالات الصدق والتشخيص والاستدلال على الكثير من مفردات المشكلة السياسية ، وكأن هذا المؤتمر قد اراده علاوي ان يكون بداية جديدة لطرح افكار جديدة حملت الكثير من التعابير والاراء التي تنسجم تماما مع الواقع الحالي الذي امتلأ يالكثير من التعقيدات والازمات ، وربما اراد ايضا ان يطرح ورقته الاصلاحية وعلى طريقته الخاصة لكي تكون مفردات هذا المؤتمر جاهزة كورقة اصلاح تطرح الى جانب ورقة اصلاح التحالف الوطني ، فالحديث عن تشريع القوانين وسرعة انجازها كقانون النفط والغاز ، والعفو العام ، والمحكمة الاتحادية ، ومفوضية الانتخابات ، والتطرق الى معالجة البطالة ، وتحسين الخدمات ، والسيطرة على الوضع الامني ، واحترام حقوق الانسان وحسم ملف المصالحة الوطنية كلها امور تحتل الاولوية في مجال الاصلاح والمعالجة ، وهي في الجانب الاخر يمكن اعتبارها ابرزمفردات الازمة السياسية التي بدأت تتعقد بعد مضي فترة طويلة على بروزها دون ان نلمس اية حلول واقعية ومنطقية للانتهاء منها كي ينصرف الجميع الى بناء الوطن وتعزيز وتنمية القدرات الشعبية وتلبية طموحاتها .
لقد تميز خطاب الدكتور علاوي في مؤتمره الصحفي بالاتزان والعقلانية وطرح افكاره بشكل حكيم ورؤية واقعية حملت كلها دلالات جدية التوجه ووطنية المشاعر وصدق النوايا ، وعبرت كذلك عن الرغبة الجادة في مواصلة العمل السياسي الى جانب باقي كل المكونات السياسية العاملة في البلد بأتجاه تحصين المواقف ودحض كل التداعيات ومقاومتها بكل السبل والوسائل كي لاتطغي على الازمات وتعمق جذورها بهدف تخريب العراق وتدمير بنيته ، وهذا ما دعاه لان يحذر من التدخلات الخارجية والاقليمية وتأثيرات او انعكاسات ثورات الربيع العربي سلبا على العراق. ان القائمة العراقية ومن خلال خطاب الدكتور علاوي يبدو انها تدخل الان مرحلة جديدة في عملها السياسي يتلائم وينسجم مع مجمل التغييرات التي طرآت على الواقع العراقي ، وهذه الحالة او هذا التوجه مطلوب بل اساسي في بلورة المواقف وتنقية الاجواء وتصفية النوايا ، لأن ترك الامور متأزمة دون تحقيق الحلول السريعة الناجحة سيدخل البلد في صراعات وربما تؤجج الطائفية مرة اخرى وتفتك بالجسد العراقي من جديد ، وهذا ماحذر منه الدكتور علاوي وشدد على ذلك وكأنه يقرا المشهد من خلال مايجري على الواقع ، لذلك اقول ينبغي على القائمة العراقية ان تحول كل مفردات خطاب علاوي الى ورقة عمل جدية ، وان يتسم خطاب كل اعضاء القائمة بوحدة الموقف وعدم التشتت والابتعاد عن الشخصنة في طرح التصريحات والتوجه نحو التهدئة التي تقود كلها حتما لخلق نموذجا سياسيا راقيا يعبر عن عفة الضمير ونصرة الحق ومنح القيمة الوطنية استحقاقها الوجداني والانساني .
في حوار متلفز اجريته مع الدكتور علاوي قبل اسابيع وسألته هل انت مصاب بالاحباط او اليأس او الاستياء مما يجري الان ، اجاب ان الاحباط واليأس والاستياء هي مفردات تدفع بأتجاه المثابرة والعزيمة والاصرار على مواصلة المسيرة لتحقيق المنجز الوطني الذي لابد ان يتحقق ، وهذا ماتوضح فعلا من خلال ماجاء في مؤتمره الصحفي الاخير الذي اختلف كليا عن كل المؤتمرات السابقة من حيث التوجه الوطني والتطلع الى مستقبل زاخر بالانجازات والتوحد السياسي والشعبي والعمل ضمن الاطر الجمعية وضمن النوايا الصادقة .