23 ديسمبر، 2024 9:50 ص

في ضوء التظاهر ضد الفساد ..

في ضوء التظاهر ضد الفساد ..

(بين حسقيل اليهودي ورافع العيساوي …اموال العراق بيد اليهود والاسلاميين .!)
لا اريد لمقالي ان يكون سردا تاريخيا مملا يمكن لأي قاريء الرجوع اليه عبر المصادر المتاحه بوفره اليوم ليستزيد في هذا الجانب ..ولكن الامر استفزتني له شكاوى الناس في تظاهراتهم وكذا ذكرى توقيع الاتفاقيه النفطيه مع بريطانيا التي تصادف هذه الايام ..فأردت ان اعرج على موضوع مؤلم ومقارنه محزنه ..
فقد حافظ اليهود على اموال العراق عندما كانوا يعيشون على ارضه وعندما اداروا بعضا من شؤونه تحت الحكم الملكي الهاشمي وتحت رئاسات حكوميه متعاقبه من وزارة النقيب الاخيره الى عبد المحسن السعدون الى ياسين الهاشمي ,وكان حسقيل ساسون اليهودي مثالا صادقا على النزاهة والاخلاص ..يذكرنا برجال اليوم من الذين تصدروا المشهد وساسوا العراق بامواله الهائله تحت مسميات دينينه واخلاقيه ليس لها قرابه لا بالدين ولا بالاخلاق ..ولم يتسم حسقيل “يسمي نفسه ” سياسيا، .باسماء دينيه ولا اخلاقيه ولم يدع الانتماء الى مذهب او عقيده ..وقد فرض حسقيل على بريطانيا ان تدفع 4 شلن من الذهب لكل وحدة نفط عراقي في مثل هذه الايام من اب أغسطس 1923 عندما فوضته الحكومة العراقية آنذاك لمفاوضة البريطانيين حول الامتياز لشركة النفط العراقية التركية (شركة بريطانية)، حيث ثبت بأن يكون الدفع بالشلن الذهب سعرآ للنفط المباع، مما أفاد الميزانية العراقية فيما بعد…والان ،كيف لك ان تقارن بين يهودي (بما يحمله الوصف من حكم سلبي مسبق من مجتمعاتنا ) بفضله أخذ العراق يسترجع واردات النفط بالباون الذهبي، بدلاً من العملة الورقية، بعد إصراره على هذه المعاملة في المفاوضات عام 1925، مع الجانب البريطاني، رغم أعتراض أعضاء الوفد العراقي على ذلك ..وبين اسلامي تحت مسمى حزب الدعوه مثل باقرجبر صولاغ الذي نهب مااستطاع حين استوزر لثلاث سنوات فقط .!!.بين يهودي هو” منظم أول ميزانية مالية في تاريخ العراق، وأول منظم لهيكل الضرائب على الأسس الحديثة” (م) وبين رافع العيساوي الاسلامي تحت مسمى اسلامي آخر، ك أول منظم للمحسوبيه والعبثيه في وزارة الماليه في العراق .. ..بين رجل يهودي يقول عنه خصومه ” بأنه “أقدر رجل في مجلس الوزراء، هو صلب قليلاً وينظر إلى الأمور من وجهة الحقوقي الدستوري دون أن يعطي اعتباراً كافياً لأحوال العراق المتأخرة، ولكنه حر ونزيه إلى أبعد الحدود” كما وصفته المس بيل وبين رجال اسلاميين اداروا وزارة الماليه شهد لهم الاصدقاء قبل الاعداء بانهم اكبر من سرق الاموال وهربها الى خارج العراق والان هم يتنعمون بها في الدنيا وسيحرقون بها في الاخره كما نظن ونأمل …. وبعد فقد قدر العراقيون، في ما بعد، أهمية هذا الموقف. إلا أن تدخل البريطانيين منع ساسون أن يكون وزيراً ثانية. ،و كان ينظر إلى حسقيل في العراق على أنه أبو البرلمان ،وكان أول وزيرمالية في المملكة وعضو برلمان دائم حتى وفاته.. كان له دور فعال في تأسيس مملكة العراق بعد الحكم العثماني وكان له الفضل في تأسيس القوانين الحكومية العراقية الحالية والبنية المالية. وسمه الملك البريطاني جورج الخامس فارساً عام 1923ولم يكن عميلا لهم بل كان صعب التفاوض على اموال بلده ..وقد راجعت كثيرا من المصادر المعتبره والكل شهد بذلك وقلده جلالة الملك فيصل الأول وسام الرافدين المدني من الدرجة الثانية ولم يكن مسلما، ومنحه الشاه الوسام الشاهاني رغم انه لم يكن شيعيا وكرمته الدولة العثمانية بالوسام المتميز ولم يكن سنيا…فكيف تتقبل المقارنه الان بين ساسون اليهودي الذي شارك في مؤتمر القاهرة عام 1921، برئاسة ونستون تشرشل، والذي خصص لمباحثات قيام المملكة العراقية وبين رافع العيساوي الذي شارك في مؤتمر تفكيك الجمهوريه العراقيه في اكثر من بلد مجاور او معادي .
وها هو اخيرا سامي موريه اليهودي ايضا ..في هذه الايام يصدر كتابه (بغداد حبيبتي ) ويتحدث الان عن رائحة الشورجه والشط ..ويوصي باخلاص لعدم التفرقه بين الطوائف ..وتذكر في حفل توقيع الكتاب احدى اليهوديات العراقيات في بلاد الغربه ..ان فندق بابل على ارض يهودي ..وكان اليهود اكثر تاثرا بالعائله العربيه وثقافتها ..وكانت ام البغداديين (لايوليت ) كما يلقبونها تحببا .. وبيت مناحيم دانيل هو منتدى المسرح الان..الرجل الذي اشتهر كراعي للايتام . .
وعودا الى حسقيل الذي شغل منصب وزير المالية 5 مرات .!!..تخيل مدى النزاهه التي جعلت رجال ذلك العصر يستوزرونه خمس مرات ثم وجدوا الوزاره على احسن واغنى مايكون .. وكان رافع ورفاقه شغلو الوزاره ثلاث سنوات كانت كافيه لهدمها وتفكيك مديرياتها وتهريب مقدراتها وتغيير كوادرها على حسب القرابه والصداقه والمنفعه الشخصيه ..حاول ساسون قبل وفاته ان يختم حياته بمنجز من منجزاته الكثيرة وحاول وضع خطة دقيقة من أجل إصدار عملة عراقية وطنية، وسعى جاهدا من أجل تحقيق ذلك يساعده يهودي آخر هو إبراهيم الكبير مدير عام المحاسبة المالية آنذاك، وبالفعل فقد تم ذلك عام 1932 م وأصبحت النقود العراقية هي المتداولة بدلا من الروبية الهندية والليرة التركية..وساهم رافع العيساوي ورفاقه باعلاء شأن الدولار والانتكاس بالعمله العراقيه بل انهم استكثروا علينا حتى ان يسرقوا اموالنا بالدينار العراقي وانما سرقوها بالدولار وهربوها الى خارج العراق عن طريق الصيرفات التي يقيم عليها ايضا اسلاميون من اصدقائنا الذين يعيشون بيننا ونعرفهم باسمائهم ويسابقوننا على الصفوف الاولى في المساجد ..ومن حسقيل جاءت الكلمه العراقيه العامية الشهيره “يحسقلها ” اي يتشدد في المحاسبه ..بينما من الحاج رافع العيساوي ورفاقه جاءت كلمة “فيطي ” التي اشتهرت بها وزارة الماليه في عهده ..وكانت دلالتها ان الامور سائبه ..واخيرا قضى ساسون حياته عازباً دون أن يتزوج، ومات وهو أعزب، وقد جمع مكتبه فخمة تعدَّ من أكبر المكتبات الشخصية في بغداد، وكانت غنية بمختلف الكتب، وقد استولت عليها الحكومة العراقية عام 1970 واودعت ضمن مكتبة المتحف العراقي، ضمت كتباً مختلفة وبلغات عديدة منها الإيطالية والإنجليزية والألمانية والتركية والإسبانية… أما ياسين الهاشمي فقال عنه: “اذا ما ذكر ساسون أفندي فيجيء ذكره مقروناً بالكفاح العظيم في تنظيم شؤون دولة العراق في سني الانتداب…قال عنه أمين الريحاني: “انه الوزير الثابت في الوزارات العراقية لأنه ليس في العراق من يضاهيه في علم الاقتصاد والتضلع من ادراك الشؤون المالية”.
.. وبعد وفاته رثاه الشاعر العراقي معروف الرصافي في قصيدة ، كان رثاءه محملاً بالإعتذار:
نعى البرق من باريس ساسون فاغتدت
ببغداد أم المجد تبكي وتندب
ولا غرو أن تبكيه إذ فقدت به
نواطق أعمال من المجد تعرب
لقد كان ميمون النقيبة، كلها
تذوقه في النفس يحلو ويعذب
تشير اليه المكرمات بكفها
إذا سئلت اي الرجال المهذب
ألا لا تقل قد مات ساسون، بل فقل:
تغور من أفق المكارم كوكب

ولا ادري اذا مات رافع العيساوي وجبرصولاغ بحول الله ..بماذا سيرثيهم الشعراء ..