23 ديسمبر، 2024 3:08 ص

في شوارعها، سكن اليهود!

في شوارعها، سكن اليهود!

ما أن تطأ قدمك أرض النجف الأشرف، حتى تهدأ دقات قلبك ويسكن روعك، وتشعر بطمأنينة عجيبة، وعندما تصف ماتشعر به يأتيك الجواب، انها أرض علي عليه وعلى أله افضل الصلوات فيها السلام والوئام.

شوارع ضيقة او مايطلق عليها باللغة الدارجة (عگود) ولضيق ازقتها وتشعب خرائط شعابها، فهي تحمل تأريخ قيم وذكريات كبيرة، المتتبع والقارئ وأن لم يعاصر فترة بناء مجدها سينتابه شعور بأن كل مكان فيه ذكرى عريقة.

تجولت بين شوارعها، أستوقفني شارع يسمى “بعگد اليهودي” ما هذا الأسم ومن اتى باليهود ليستوطنوا شوارع مدينتي!. اليس أحق أن نسميه بأسم أحد علمائنا وأدبائنا؟.. كعلامة بارزة في هذا الشارع..تمرد لروح ابن المدينة في طرح اسئلة عديدة، فوجدت أحد رواد هذا الشارع المغصوب منا على حد تفكيري وفهمي لمعنى الأسم فقال:
“سمي بهذا الأسم لوجود عائلة يهودية تتكون من زوج وزوجته، يسكنان خان يدعى خان الشيلان، وكان رب العائلة بائع متجول وله محل صغير للأقمشة في نفس الشارع، وهو من بقايا يهود الحيرة، حيث كانت تعيش مجموعات صغيرة منهم في الحيرة أنذاك، ولم يتمتعوا أو يكن لهم أي أملاك، ولم يحدد التأريخ الذي فيه دخلوا الى النجف الأشرف”.

بحثت كثيرا فوجدت أن الشارع أسمه الأصلي “عگد” الشبيبي حيث دفن فيه الشيخ محمد جواد الشبيبي تغمده الباري برحمته، وتوجد بين ذرات ترابه مقبرته الممتدة من العگد الى إلتقاء السوق الكبير، إمتداد هذا الشارع يصيبني بالدهشة وشعرت بشيء غريب واستفهامات كثيرة؛ فتمتمت في قرارة نفسي كيف لشارع كبير وواسع ( ياخذه اليهودي بأسمه) وما هو الا كناية اوتعبير مجازي، للدلالة على مكان العگد، الذي أحتوى على جانبيه مساكن عديدة لعوائل نجفية معروفة.

أتذكر ما كان يقوله لنا والدي رحمه الله برحمته الواسعة، عندما كنا نريد اخذ صورة شخصية، “أخذكم لعگد اليهودي” والسبب انه الشارع الوحيد الذي يوجد فيه المصور الشمسي صاحب الصندوق الخشبي والقماش الأسود..ذكريات لاتخلوا من الفخر في ذكر تأريخ مدينتي، فما أجمل التنوع والتآلف والتطبع، فهي جامعة لكل الفئات وفاتحة ذراعيها لكل قاصد وزائر ولكل نازح، ولعل ما قام به اهالي النجف الأصلاء من كرم الضيافة في إحتواء النازحين وإيوائهم، دليل واضح على أن مدينتنا هي موطن السلام لكل من سكنها ولكل من يروم ارضها، بشرط أن لا يستخف بعاداتها وتقاليدها.

دمتي يا أرضنا الأم ودام كرمك، الذي شمل حتى اليهود لتجعلي لهم ذكرى في أحد شوارعك.