23 ديسمبر، 2024 5:12 م

جميل جدا أن تشم رائحة الكتب القديمة وعبق التاريخ يمتزج برائحة الحبر النفاذة لآلاف الكتب الحديثة ، واكثر روعة ان تجد التنوع الفكري حاضرا بقوة دون تكلف او تسويف ، احسست ان المتنبي وعباقرة الادب العربي على مدى عقود من الزمن يرافقون كتاب وادباء العراق وصحفييه وهم يتحاورون بشان كتاب جديد او قديم يبحثون عنه في اجواء بغدادية حانية صبيحة الجمعة .
ليس غريبا ان تجد السياسيين او من يمثلهم منتشرين على اختلاف مشاربهم وفشل مسيرتهم او نجاحها بين المثقفين البغداديين ،متوشحين بلباس الادب والابتسامة الدائمة – في تلك الاجواء فقط – وهم يوزعون منشورات ودعايات انتخابية لاحصر لها ، كلها تحمل مشاريع عظيمة (على الورق) ، متشابهة ، تكاد تكون نسخة طبق الاصل لما وزع في الانتخابات السابقة. أثارني من بين ماقرأت عبارة تمس الواقع ( التغيير بايديكم ) ، فهل سنغير فعلا ؟ هل سنطالب المرشحين بخطوات تحل مشكلتنا الحقيقية ؟
كل المنشورات التي قراتها على عجل ، تؤكد ان اصحابها سيرجعون الكهرباء ، وسينقذون بغداد من الغرق  ، وسيوفرون فرص عمل للعاطلين وسيتمون المشاريع المعطلة ، لاجديد ، اللهم الا الورق كان يبدو جديدا ، فكيف نصدق ان ذلك سيحصل ، لاأعتقد ان البغداديين بحاجة الى وعود كهذه ستذهب أدراج الرياح ،على إختلاف نيات اصحابها ، لان الصراع على المراكز والاستماتة بتسجيل اي عمل ذي قيمة لصالح هذا الحزب او ذلك حرمتنا من اي انجاز ، مشاريعنا وقوانيننا المعطلة ، هذا سرها ليس اكثر .
مسك الختام كان تحت تمثال المتنبي ،بالقرب من ضفاف دجلة ، مجموعة من شباب العراق يوزعون منشورا لحملة سلام تهدف الى القضاء على العنصرية والطائفية ، يجمعون تواقيع مثقفي العراق لدعمها ، وهنا اسال : من يعاني مرض الطائفية والعنصرية او مايسمى بالتمييز العرقي ، الشباب الذين يحملون علم العراق ويهتفون باسمه وهم يروجون لحملتهم ؟ ام الكتّاب والادباء الموقعون عليها ؟ ام رواد المتنبي وباعة الكتب وهم يعرضون جنبا الى جنب افكار اليمين واليسار وغيرهم؟.
 سوق المتنبي الذي صّور في ذلك الصباح الجميل فسيفساء العراق باحلى صورها اجاب عن تساؤلي (هذا هو العراق فكيف يعاني الطائفية والعنصرية ).
 قلت  لاحد الشباب وانا اوقع على الورقة الخاصة بالحملة وابتسامة الحيرة بادية على وجهي : وجهوا جهدكم المشكور الى الذين  فشلوا  بتمثيل كل العراقيين على مدى اعوام خلت ، لانهم عمدوا الى الطائفية في كسب اصوات الناخبين ولم يخدموا طائفتهم قط ، والذين أشاعوا العنصرية واخفقوا في خدمة اي مكون ، علموهم مالم تعلمهم مناصبهم ، فان فهموا سنجد حل مشكلتنا الحقيقية مكتوبا في دعاياتهم الانتخابية ، مشكلتنا ضياع معنى الوطنية والمواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات ، وبعدها سنجد ان الكهرباء عادت وشبكات الصرف انجزت  والعاطلين عن العمل اسهموا في انجاز المشاريع المتلكئة والبرلمان سارع الى التصويت على القوانين المعطلة والامن الامان عم ربوع العراق ، حتى ان احدنا ليدخل الى شارع المتنبي من غير ان يجد نقطة سيطرة تفتش الداخلين اليه .