23 ديسمبر، 2024 1:18 م

في سيكولوجيا ظهور ” الغائب المنتظر ” وإشكالية التوظيف في الصراعات الاجتماعية !

في سيكولوجيا ظهور ” الغائب المنتظر ” وإشكالية التوظيف في الصراعات الاجتماعية !

أن سيكولوجيا ” الظهور ” كميكانزم عقلي ـ تأملي لاستقراء المستقبل هو آلية ترتبط اشد الارتباط بقدرة العقل الإنساني في استشراق المستقبل في ظروف الحاجة الماسة لاستكمال نقص ما, نفسيا أو ماديا تسببه ظروف العيش المحيطة ومعاناة الحياة اليومية, ذات الطابع المحدود وغير القادر على الإيفاء بمستلزمات العيش الكريم, من حق وعدل ورفاهية ورفع للظلم ومعاناة الناس. وقد ينبع هذا الميكانزم العقلي من حاجة فرد, أو فئة اجتماعية, أو تجمع سياسي, أو ديني أو مذهبي,  إلى آخره من أشكال التجمعات الإنسانية ذات الظروف التاريخية الخاصة, في محاولة لإشباع مختلف نزعاتها, عبر قراءة ما لتوقعاتها المستقبلية وإيجاد آلية مناسبة لتحقيق بقائها واستمرارها !!!.

وضمن هذا المنظور فأن ميكانزم ” الظهور ” باعتباره عملية عقلية تأملية للخلاص من المشكلات والأزمات الاجتماعية من خلال التوقعات بظهور شخص منقذ يحل مشكلة ما محددة أو يشيع العدل والحق, أو التوقعات بظهور أفكار وأيديولوجية ما تنقذ البشرية من الظلم وعدم المساواة, هي آلية تجسد مقدرة العقل الإنساني في استقراء المستقبل, وبالتالي فأن نطاق عمل هذه الآلية واسع جدا يشمل التأمل في حل جميع المشكلات التي تعتري الحياة, الشخصية ـ الفردية منها,والعلمية والحياتية والفلسفية والسياسية والدينية, وبالتالي فأن ” الظهور ” ليست ماركة دينية, مسجلة لها فقط !!!.

في التاريخ الإنساني والفلسفي كانت هناك توقعات ” للظهور ” وبناء مجتمعات العدل والحق والمساواة, فأفلاطون في سيناريو جمهوريته ” للظهور ” ميز في دولة المستقبل ثلاث طبقات هي: الصناعيون, والجنود, والفلاسفة, وقال أن هذه الطبقات تطابق الأقسام الثلاثة التي يمكننا أ ن نميزها في النفس لبشرية, وهي: شهواتها, وأهوائها, وعقلها. فلكي يكون جميع المواطنين سعداء, يجب على كل منهم أن يرضى بالمهمة التي تؤهله لها مواهبه الخاصة. هكذا يقضي العدل من وجهة نظر أفلاطون, الذي هو أساس كل دولة, أن يتمم كل مواطن وظيفته, وأن يمتنع عن التدخل في شؤون غيره, فيتفرغ الصناعيون للأمور المادية, والجنود للدفاع عن الوطن, والفلاسفة لإدارة شؤون الدولة. ولعل أقرب حالات ” الظهور ” اليوم ألينا والتي تثير جدلا فكريا واسعا, هو القراءة الماركسية في النظرية الشيوعية, حيث توقعت بناء مجتمع العدالة والمساواة القائم على أساس انتفاء الملكية الخاصة وشيوع الملكية الجماعية, واختفاء أجهزة الأمن والشرطة الداخلية وغيرها من الأجهزة القمعية, حيث يرتقي المجتمع إلى حكم نفسه بنفسه, ويعمل الجميع بشعار: ” كل حسب عمله وكل حسب حاجته “, أي أن يعمل الفرد ويأخذ ما يكفيه من الحاجات الأساسية وغيرها من المؤسسات المجتمعية ذات الصلة بإشباع حاجاته !!!!.

وقد توقع الكثير من العلماء والفلاسفة حالات ” ظهور ” تفضي إلى تغير أساسي وجوهري في حياة الناس صوب إشباع حاجاتها المختلفة, في السعادة والأمن والعدل ودفع الظلم. فقد قال الفيلسوف الانكليزي برتراند راسل: ” إن العالم في انتظار مصلح يوحد العالم تحت علم واحد وشعار واحد “, وكذلك العالم اينشتاين صاحب النظرية النسبية بقوله: ” إن اليوم الذي يسود العالم كله الصلح والصفاء, ويكون الناس متحابين متآخين ليس بعيد “, كذلك ما جاء به الفيلسوف الانكليزي الشهير برنارد شو حيث بشر بمجيء المصلح في كتابه ” الإنسان والسوبرمان “.

هذه التوقعات والقراءات ” للظهور ” من قبل العلماء والفلاسفة تستند بشكل أساسي إلى تتبع دقيق ودراسة مستفيضة للواقع الموضوعي المعاش مضافا إليه البعد التأملي والحدسي الذي يمتد بجذوره ومحتواه في عمق البيئة المحيطة, في تصور حياة أفضل, في ظروف كان العالم المادي والنفسي والفكري في أمس الحاجة للكثير من الانجازات في مختلف المجالات. لقد خطت البشرية خطوات كبيرة وواسعة إلى الأمام وأفرزت حالات من ” الظهور ” أسهمت بسد نقص البشرية جمعاء لمختلف جوانب الحياة الفكرية والفلسفية والعلمية والسياسية والثقافية والصناعية والتقنية, نقلت فيها البشرية من الظلمات إلى النور, وأصبح اليوم ما هو منجز وموجود على ارض الواقع هي مسلمات لا يمكن التفريط بها أو التنازل عنها إلا باستثناء مجتمعات الحروب والإبادة الجماعية والاقتتال المتبادل. وما كوكبة العلماء العظام والمبدعين المخترعين في مجالات الميكانيكا والطاقة والذرة والكهرباء والاتصالات والمعلومات وعلم الوراثة والبيولوجي والطب وغيرها من العلوم الطبيعية, إلى جانب العلماء في السياسة والاقتصاد والإدارة والمال, وكذلك في مجالات الثقافة والفن والأدب, ما هي إلا حالات من ” الظهور ” وتعبيرا عن الحاجات المادية والنفسية للبشرية. وما توقعه العلماء والفلاسفة المذكورين أعلاه من ” ظهور ” لم يكن ” ظهورا برؤية دينية “, بل هو ظهور برؤية واقعية ـ موضوعية !!!!.

أما السيناريو الديني في ” الظهور ” فهو سيناريو ليست واقعي ملموس من رحم البيئة المحيطة ولا موضوعي يستهدف الكشف عن مسببات المشكلات والبحث عن سبل العلاج, على الرغم من انسجام آليته مع الفطرة الإنسانية وميكانيزم العقل في فكرة البحث عن الخلاص من الظلم ونشر العدل, إلا أنه يستند في تفاصيله ومجمله إلى الغيب المطلق. ويشكل الغيب جزء كبيرا من حياة ” المؤمن الديني ” بل يشكل حياته كلها وجميع أركان إيمانه, لأن الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ـ هذا كله إيمان بالغيب, وما الحياة الموضوعية وظروفها المحيطة وتعقيداتها الشائكة وقوانينها المسيرة, والبحث عن الحلول الاجتماعية ـ الاقتصادية لمعضلات الحياة اليومية, فلا تشكل لديه هاجس كبير يذكر, بل يجري تسخيرها وإحكامها للمشروع الغيبي الماورائي المطلق. والإيمان بالغيب جزء من مسلمات الأديان السماوية وغير السماوية, وهي جزء أساسي من عقيدة المؤمن ولا يجوز إنكاره أبدا, بل ضرورة تفسيره واستيعابه على خلفية النصوص الواردة بأهميته. وعلى سبيل المثال وليست الحصر ما يرد في النصوص القرآنية بأهمية ذلك, ففي سورة البقرة/ الآية1 ـ 2 : (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب….), وكذلك في سورة هود/ الآية 49: ( تلك من أنباء الغيب نوحيها أليك…). وكذلك في السنة النبوية فيها ما يكفي من مئات الأقوال والروايات والأحاديث التي تؤكد على الإيمان بالغيب والتصديق بما يخبر به الرسل والأنبياء, كما في قول النبي محمد( ص ) على سبيل المثال: ( لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالموت وبالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر ) . وهذا الإيمان يجب على المؤمن التعامل معه كذخيرة فكرية وعقلية يجب اللجوء إليها عند قراءة المستقبل, كما هو الحال في الإسلام مثلا بالنسبة إلى الإيمان بالملائكة وبالجن وبعذاب القبر وسؤال الملكين في القبر, إلى غير ذلك من الغيبيات التي وردت في القران والسنة النبوية, ومن ضمن ذلك أيضا قضية اللجوء إلى التفسيرات المختلفة لدعم فكرة ظهور المهدي الذي سيظهر آخر الزمان” ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا “.

هذه المزواجة بين الغيب والفطرة الإنسانية في البحث عن الحلول للمشكلات اليومية عبر ميكانزم العقل وجد صداه في كل الأديان السماوية وغير السماوية, وخاصة في ظل اشتداد الأزمات الاجتماعية من فقر وفساد وقتل واستباحة للدماء على الأرض, والتي كانت تسحق مجتمعات بكاملها, والمقترنة بمحدودية القدرة على إيجاد حلول, فكان الانتظار لشخص مرسل من السماء يحمل مواصفات السوبرمان يحل مشكلات الأرض أمرا لم يكن صعب التصديق به في ظل عجز الإنسان وقدراته. وهكذا كانت فكرة انتظار ” الظهور الموعود” لشخص منتقى إلهيا حاضرة في كل الأديان, واعتنقتها اغلب التجمعات البشرية, ليقيم دولة الحق على الأرض ويضع حدا لعذابات البشرية. فقد امن الزرادشتيون بظهور احد أحفاد زرادشت بهرام شاه لينتصر على قوى الشر والظلام ويعيد بناء العالم بمساندة إله النور, وكذلك الظهور الثاني للمسيح كمعتقد أصيل لأغلب المذاهب المسيحية, واعتقاد اليهودية بمن لم يأتي بعد, والبوذيون ينتظرون ظهور بوذا, وكذلك الهنود اعتقدوا بعودة فيشنو, والمجوس إزاء ما يعتقدونه من حياة أوشيدر, كما وجد هذا المعتقد عند قدامى المصريين  والبابليين وغيرهم من الأقوام الأولى !!!!.

الظهور الإسلامي هو الأعنف في حيثياته وتفاصيله وقدرته على الاستحضار اليومي المتواصل., فلا يوجد مذهب إسلامي لم يعتقد في مفاهيم الخلاص بشكل عام, حيث المهدي الذي سينهض لإطلاق تحول اجتماعي كاسح لاستعادة حكم الله وإشاعة العدل في أرجاء الأرض, ولينفذ طموحات كل مذهب إسلامي متجاوزا فيه حدوده ليعبر إلى الديانات الأخرى. فالمشروع المهدوي الإسلامي لا يكتفي التغير على الأرض أو الرقعة الجغرافية المخصصة له بل يمتد ليكتسح الأرض بكل دياناتها, وبالتالي فهو يسعى لترجمة فكرة خاتم الأديان من خلال ما يسمى بإشاعة دولة الله والرسالة المحمدية على الأرض, على الرغم من أن القران الكريم لم يذكر مطلقا بشكل صريح على الأقل أي ذكر لمفهوم المهدي المنتظر, إلا إن فلسفة التأويل والتفسير قد حاولت استخدام تلك الفكرة حسب الوجهة السياسية والاعتقادية, وخاصة لدى المذهبين, السني والشيعي الذين اختلفا فيما بينهما حول الفكرة الأساسية المهدوية لأسباب نفسية وأعتقادية وسياسية !!!!.

أن جذور الخلاف الأولى بين الفريقين, الذي يسمى اليوم سني وشيعي, هو ذلك الخلاف المفصلي الذي بدأ من بعد وفاة النبي محمد, عندما انحاز فريق من المؤمنين للإمام علي ( ع ) وانحاز الفريق الآخر لأبي بكر ( رض ), ومنذ تلك الفترة ظهر بين المسلمين خطان تفرعت عنهما قضايا فكرية ونفسية واجتهادية واعتقادية وسياسية في غاية الاختلاف, ألقت بضلالها على فكرة الظهور المهدوية. فكان الفريق الذي تأسس لاحقا بالمسمى السني وبالخلافة الأولى لأبي بكر والذي استلم السلطة والمال والثروة والسلاح, وقد اشبع دافعه النفسي في الاستحواذ والامتلاك لمفاصل الحكم, لم يحتاج كثيرا فكرة العمل بالظهور المهدوي رغم تشبثه بها والبحث عنها في الأحاديث النبوية والنصوص القرآنية, لأن من يمتلك الحكم يسعى للبقاء لا للظهور الذي ينهي سلطته, وبقيت فكرة هامشية ضعيفة, ولكن الإيمان قائم بها كما هو الحال لدى الفريق الشيعي, فجاءت شخصية المهدي المنتظر لدى السنة تختلف جذريا عنها عند الشيعة, فهو لديهم رجل في علم الغيب ليس معروفا لأحد ومن سلالة آل البيت, ربما قد يكون ولد وربما لم يولد بعد, يهيئه الله للظهور بين ليلة وضحاها, وقد يأتي بأي سيناريو لتفجير الظهور, ولا يشكل مفهوم المهدي لدى السنة تأسيسا لمذهب أو لتيار للتدين بعينه !!!!!.

أما لدى الفريق الآخر ” الشيعي ” وبفعل عوامل وظروف وجذور الخلافات الأولى التي أبعدت الإمام علي عن خلافة النبي محمد ( ص ) تشكل تيار انكفائي معتكف على مر مئات السنين عمدته أحداث دموية ذهب ضحيتها الكثير من الأئمة وال بيت النبي, مما شكل ثقل كبير في بلورة المذهب الشيعي ومنحه الطاقة النفسية والذهنية الهائلة المستمدة من عنصر التعويض الناتج من الإقصاء, وبالتالي كان سيناريو الظهور لدى هذا الفريق قويا ومؤثرا في جمهوره حاضرا في أدق التفاصيل اليومية, سواء إن كانت دينية عقائدية هذه التفاصيل أم نفعية لأغراض سياسية. لقد ربط التشيع ألاثني عشري ربطا محكما قضية الظهور بذرية الإمام علي آل بيت النبي, فقد أنيط ظهور المهدي المنتظر بشخصية محمد بن الحسن العسكري بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن على أبي طالب, وهو الإمام الثاني عشر أبن الإمام الحادي عشر والذي غاب غيبته الأولى الصغرى حسب المعتقد الشيعي, ثم غيبته الكبرى إلى اليوم وسوف يعود,وهو حي في العالم لن يمت ولن يبعث ولكن لا يراه أحد, ووفقا لذلك فهو شخصية بطولية متجاوزة للحدود الزمانية والمكانية, وهذه التصورات تحولت إلى معتقد أصيل في المذهب الشيعي بل إحدى التجليات الأساسية له وركيزته الأساسية في تعبئة أنصاره لأي فعل جمعي !!!!.

وقد تعرضت فكرة ظهور الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر إلى الكثير من الاجتهاد والتفسير للأحاديث النبوية والآيات القرآنية بما يجعلها فكرة سياسية أكثر منها عقائدية دينية خالصة, وخاصة على يد محمد باقر ألمجلسي أحد كبار علماء الشيعة في عهد الدولة الصفوية في إيران في القرن التاسع الهجري وهي بداية التشيع السياسي كدولة في العالم الإسلامي, وخاصة في مؤلفاته المعروفة والمعتمدة لدى أنصار التيار الشيعي, وهي: (بحار الأنوار), و(زاد المعاد) و(عين الحياة), حيث يؤكد العالم الديني المذكور أن من علامات الظهور المهدي هزيمة بني أمية على يد العباسيين ثم وقوع الخلاف بين العباسيين في عهد الأمين والمأمون والقضاء على الخلافة العباسية على يد المغول, أي تجير لكل الأحداث التي وقعت بالفعل وخاصة ذات الصبغة السياسية لإعادة تنشيط وتفعيل فكرة المهدي, أي بمعنى أن كل ما يجري على الأرض من أحداث هي مؤسسة ومحتمة إلهيا لتسهيل ظهور المهدي !!!.

ويشتد سيناريو ( ألمجلسي ) أكثر فأكثر لتوضيح مؤشرات الظهور, حيث حين رجعته, أي محمد المهدي المنتظر, ستتحول السماء إلى لون الدم وستشتعل السماء نارا, وسيظهر يأجوج ومأجوج ويكثر الخراب في العالم ويكثر الأموات, وسيبشر بمجيئه جبريل على رأس المسجد الحرام. وليس لظهوره وقت معلوم فهذا من علم الغيب ولا يعلم به إلا الله, كما جاء ذلك في تفسير وتأويل الآية 187 من سورة الأعراف: ( ويسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمهما عند ربي ) ويعني بها هنا ساعة ظهور المهدي المنتظر !!!!.

ويستهدف مشروع الظهور الشيعي العودة الى مرحلة النبوة الأولى الخالية من كل الصراعات المذهبية والطائفية باعتبارها العصر الذهبي, ومن هنا يشرح ( ألمجلسي ) مفهوم العودة أو الرجعة فهي لن تخص فقط عودة محمد المهدي المنتظر, بل تخص كل الأئمة وعلى رأسهم عودة الحسين بن علي وأنصاره في كربلاء ومجموعة من الملائكة اللذين منعهم الحسين من المشاركة في كربلاء, ويقوم كذلك أعداء الحسين وقاتلوه وتقوم معركة كربلاء ثانية لينتصر الحسين ويأخذ بثأر كربلاء, وكذلك سوف يقوم علي ابن أبي طالب ( ع ) وليأخذ بثأر من قتلوه, وينسحب الأمر على كل الأئمة, فرجعة المهدي مصحوبة بعودة الأئمة جميعا, لأن انتقامهم لابد أن يكون في الدنيا لا في الآخرة وكما جاء في تأويل (ألمجلسي ) لسورة ق: الآية 41 ـ 43 التي تقول: ( وأستمع يوم يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج, إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير ), وحسب ألمجلسي فليست المقصود هنا يوم القيامة, بل أنها الرجعة للائمة.  وللأسف فأن القراءة الشيعية احتوت الكثير من عناصر الفانتزي والأسطورة وخاصة ما جاء منه على لسان ألمجلسي. وعلى الرغم من محاولات الشيعة المعاصرة للتخلص من هذه المتناقضات ذات الطابع التحريضي والثأري والفانتزي إلا إنها ا إنها بقت راسخة في الوعي العام والخاص لدى الطائفة الشيعية.

وعلى العموم فأن الفكرة المهدوية بنسختيها السنية والشيعية كان مدخلا للكثير من الصراعات على الساحة السياسية والدينية مما ألقت بضلالها على تعزيز الخلافات المذهبية وليست إلى تهدئتها. واليوم حيث تشتد الصراعات الإقليمية والداخلية, وفي ظل اختلاط السياسة بالدين وتأسيس أحزابا على أسس طائفية, فأن ورقة الظهور المهدوية تستخدم للتعبئة الحشدية للانتقام أو تخويف الطرف الآخر المغاير, وهو أمر في غاية الخطورة حيث العبث في مكونات المجتمع الدينية والمذهبية وتهديد استقرارها والتلويح بالحروب الأهلية الطائفية بما لانهاية له !!!!.

وعلى نطاق آخر فأن كل ما يحصل من فاقة وفقر وحرمان وحروب داخلية وإقليمية وانعدام للاستقرار نتيجة لفشل مشروعات الأحزاب والحكومات ذات التوجهات الدينية, فأنها تلجأ لاستغلال الظهور المهدوي واعتبار ما يجري هو جزء من علامات الظهور وهو قدر محتوم, بدلا من العمل على حل المعضلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من خلال التنمية الشاملة لكل مناحي الحياة وبعث الحياة والاستقرار مجددا على أسس علمية معاصرة !!!!.

وأخيرا فأن فكرة الظهور المهدوية وفي ظل تفاقم زج الدين في السياسة ممكن يؤدي إلى نشوء حركات مختلفة ضمن واجهات الظهور وادعائه مما يسبب في إراقة الدماء وقتل الأبرياء وضرب النسيج الاجتماعي القائم على التعددية المذهبية والعرقية والدينية, ونشير هنا إلى حادثتين قريبتين, أحداهما جرت في المملكة العربية السعودية عام 1979 حيث حادثة الحرم المكي التي تزعمها جهيمان العتيبي والتي أعلنت ظهور المهدي, وانظم أليها العديد من الشباب في الدول المجاورة, إلا أنها أبيدت بالنار والحديد وقتل من ادعى الظهور. والحادثة الأخرى الأقرب زمنيا هو ما حصل في مدينة النجف العراقية عام 2008 حيث تم القضاء على حركة مسلحة وهم جماعة احمد ابن الحسن ” المهدي الجديد ” الذين كانوا يزعمون ظهور إمامهم المهدي في عاشوراء من نفس السنة, وقد انتهت الحركة بعد قتل المئات منهم. وهكذا تتجدد سيناريوهات الظهور على خلفية خلط أوراق الدين بالسياسة وتردي أوضاع الناس وحياتها الإنسانية. وتبقى مكانة الاعتقاد المذهبي والديني بالظهور مهما كانت تفصيلاته جزء من طموحات الخلاص من الفقر والظلم مشروعة بقدر عدم تجاوزها على معتقدات الآخرين الدينية والمذهبية وعدم توظيفها لمصالح أنانية ضيقة !!!!!.