ثالثا : العيش على حساب الاخرين .
لعلي لم اتوقف (بتأمل)على كلمة قالهاعالم اجتماع في السوسيولوجيا الكردية القديمة والحديثة وبكل مفرداتها الاجتماعية كالتي انفرد بها( سيرغي ) عندما جعل العامل الثالث من دراسته ((لظاهرة غياب الدولة )) من داخل الاجتماع الكردي على اساس انه عامل ( العيش على حساب الاخرين ) بقوله :(( وهم / يقصد الكرد/ مع حفاظهم على نظام الاسرة ، الّا انهم ليس لهم معرفة بنظام الدولة والمجتمع وفق المفهوم المحدد ، وسعوا منذ قديم الازمان للعيش على حساب الاخرين )) !!.
والحقيقة ان سبب توقفي عند هذا المحور من رؤية ( سيرغي ) الاجتماعية للمجتمع الكردي القديم والحديث هو ليس بسبب انفراد (سيرغي) بهكذا نقطة عميقة فحسب ، بل وبسبب انغلاق معرفة ماهية هذه النقطة عليّ شخصيا من جهة وما الذي رمى اليه علميا بالضبط سيرغي عندما يقول : (( ان من اهم اسباب (عدم قيام دولة) للمجتمعية الكردية هوسبب ارادة عيش الكرد انفسهم على حساب الاخرين )) من جانب اخر !!.
طبعا مثل هذا الطرح ينسف تماما كل الطرح (القومي البكائي الكردي) الذي يحاول ان يجعل من الاخرين (( شماعة )) لتعليق كل خطايا الكرد التاريخية والمعاصرة ، وعدم قيام دولة خاصة بهم وتخلفهم الفكري السياسي والعلمي والاجتماعي والفردي و….. على اساس انه ( هذا التخلف ) منتج طبيعي لما مارسه ( الغرباء) تاريخيا وحتى اليوم على المكون الكردي الاجتماعي القائم من قهر واقصاء وتغييب وتجهيل و ….الخ للتكوينية الاجتماعية الكردية !.
اما من وجهة نظر عالم اجتماع ( كسيرغي ) متخصص بالشأن الكردي فان الموضوع واسبابه مختلفة تماماوان الكرد بتكوينهم المجتمعي القبلي وتشتتهم الاقطاعي والعشائري ، وثقافتهم المحلية الجبلية ، هم وليس غيرهم من فضل طوال قرون متلاحقة للعيش في كنف الاخرين او على حسابهم ، والاندماج داخل مجتمعاتهم المتنوعة كمواطنين متممين ومكملين لنسيج هذه المجتمعات الحضارية الاخرى !!.
نعم اذا فهمنا مقولة (سيرغي ) الاجتماعية الكردية ، مع رفع ملابساتها الفنية على اساس ان (( العيش على حساب الاخرين)) قصد به سيرغي : ان الكرد انفسهم لم يفكروا في يوم من الايام انهم غرباء عن المنطقة ((كما يحاوله ولم يزل العقل القومي الكردي بزرع التمميزالعنصري بين الكردوباقي القوميات الاخرى )) وانهم فعلا جزء من نسيج الاقليم الذي عاشوا داخل حوزته ، وان من واجب الاخرين ان يتحملوا مسؤولية اخوانهم الكرد كاملة !!.
فان مثل هذاالوعي (لسيرغي) نعتبره خطوة متقدمة جدا في الفهم الاجتماعي للمجتمعية الكردية القديمة والحديثة !!.
اما اذا كان مفهوم ( سيرغي ) سياسيا او ايدلوجيا او قوميا عندما ذكر محور (العيش على حساب الاخرين) داخل الذهن الكردي الذي ساهم (هذاالمفهوم ) بدوره بضمور او موت ظاهرة الدولة من الولادة !!.
فان هذا الفهم لايشكل عندنا فعلا اي واقع علمي اجتماعي لدراسة وبحث هذه الظاهرة داخل الاجتماع الكردي القديم والحديث !!.
ونعتقد ان مقصود ( سيرغي ) هو الاول وليس الثاني، ولهذا نحن نختلف مع سيرغي في صياغة الجملة ( العيش على حساب الاخرين ) الا اننا نتفق معه تماما في المضمون الذي هو ( ان رغبة الكرد انفسهم كمكون اجتماعي من ضمن باقي المكونات الاخرى للمنطقة كانت ، ولم تزل قابعة هذه الرغبة في قعر فطرتهم الانسانية التي تميل لعدم شعورهم بضرورة التناشزاو الانفصال عن الاخرين !!.
وبهذا المعنى يختلف البحث والنقاش تماماحول موضوعة ( الدولة ) كظاهرة اجتماعية واسباب ولماذية انتفائها قوميا من داخل الاجتماع الكردي !!.
ولعله وجهة نظرنا الشخصية ، كذالك في هذا المضمار تتجه الى هذا المنحى الاجتماعي في رؤية تركيبة الاجتماع الكردي السياسي القديم والحديث وانها تركيبة لم تفكرفي واقع تطلعاتهاالسياسية والاجتماعيةعلى اساس انها عنصر غريب اومتناشزعن بانوراما محيطها القومي اوالديني او التربوي او الثقافي او ….الخ باقي المجتمعات التي شاركت الكرد في العيش المشترك !!.
ولهذا تاريخيا وحتى معاصرا كان للكرد فاعلية ملحوظة في حياة المجتمعات التي شاركتها العيش المشترك سياسيا في اعلى المراتب (( كنموذج صلاح الدين الايوبي))واستيزاريا وكذا علميا دينيا وثقافيا ادبيا واجتماعيا واقتصاديا وتربويا وتعليميا و ….الخ !!.
ولربما غياب مثل هذه الحقيقة الاجتماعية ( على وضوحها ) من ثقافة وعينا الاجتماعي والسياسي المعاصر هو بسبب ما اثاره العقل القومي الحديث من ضوضاء وتشويش وتمييز وتنافر ، ولاسيما العقل القومي الكردي على فكرة التعايش المشترك وابرازه قوميا على اساس (التعايش المتنوع المشترك ) انه شواذ (لقاعدة التمايز القومي العنصري) وضرورة الفصل سياسيا بين الكرد وغيرهم من سكنة هذه الاصقاع الجغرافية !!.
طبعا ساهم ( اجتماعيا) في هذه الادلجة القومية قديما وحديثا كذالك المصالح المحلية للاقطاع وامراءالقبلية الكرديةالتي تدفعهامصالحها الاقطاعية والقبلية الضيقة ، والداعية على الدوام للتمرد على القانون والدولة الى ابراز او شحذ فكرة التخلص من العيش مع الاخر (غير الكردي بسبب ان الدولة ، باتاواتها وفرض قانونها المركزي كان بغير يد الكرد انذاك تاريخيا) وتغطية وتزويق امثال هذه المصالح القبلية والاقطاعية بلباس الايدلوجية القومية مرة والدينية ثانية و … هكذا !!.