22 ديسمبر، 2024 11:31 م

في زياراتِ الأَئمَّةِ (ع) … قِيَمٌ يَجِبُ أَنّْ نَفهمُها.

في زياراتِ الأَئمَّةِ (ع) … قِيَمٌ يَجِبُ أَنّْ نَفهمُها.

تتكرر الزيارات المليونية لمراقد الائمة المعصومين (ع) في العراق، و تُحرك هذه الظاهرة الاجتماعية، جذور عقائدية لا يمكن لمحبي أهل البيت (ع)، التشكيك بمصداقيتها مطلقاً. ليس ذلك جرياً على نمط، تطبيق العادات المتوارثة من السلف الى الخَلَف فحسّب، و إِنّما لدى مدرسة أهل البيت، من الاسانيد العقائدية التي لا يمكن التشكيك بصحتها اطلاقاً، لا بل تتهاوى امام عقائد مدرسة أهل البيت (ع)، كل مقولات التشكيك، و حجج التلفيق و التوهين، التي يقدمها المخالفين لخط مدرسة أهل البيت(ع) في هذا الموضوع.

أردت من هذه المقدمة ان اصل الى نتيجة و سؤال. أمّا النتيجة فهي:

ليس بمقدور أية سلطة منذ استشهاد الإمام علي (ع)، و الى قيام الساعة، أَنّْ تُثني عزيمة أَتباع أَهل البيت (ع)، من اقامة شعائر زيارة أَئمَّتهم، حتى لو كلفهم ذلك أرواحهم. و من الجدير بالذكر، أَنَّ عدّة حكام من الامويين و العباسيين، قاموا بمحاولات منع اقامة هذه الشعائر. بحيث وصل الأَمر بهم، القيام بقتل عدد من الاشخاص من بين كل مجموعة، تذهب لزيارة مرقد الامام الحسين (ع)، امعاناً في ارهاب الجمهور الشيعي، و ثني عزيمته، لكن ذلك لم يحصل، فقدمواً الشيعة انفسهم قرابيناً دون ذلك. و كان ذلك يحصل أثناء حياة عدد من الأئمة المعصومين (ع)، لكن كل تلك الممارسات الارهابية، ذهبت ادارج

الرياح، وبقت اقامة تلك الشعائر في ازدياد مستمر. و ربما (المهاتما غاندي)، استفاد من تجربة تضحية الشيعة بانفسهم، من أجل تحقيق الهدف. فطبق مبدأ مقاومة عنف الاستعمار البريطاني، باللاعنف (العصيان السلمي).

أما السؤال فهو:

ماذا ينبغي على جمهور الشيعة، أَنّْ يتعلموا من إِحياء شعائر ذكرى أهل البيت (ع)؟.

الاجابة على هذا السؤال بفهم عميق و وعي كامل، تتضمن اجابات متعددة الوجوه، كلّ منها يحمل حالة من التصحيح العقائدي و السلوكي و الفكري، لكل من يشارك في احياء هذه الشعائر، على مستوى الفرد و المجتمع. و لكي اختصر الطريق على الجميع أَقول:

1. زيارة أَيّ معصوم من المعصومين (ع)، هي بمثابة تجديد عهد الولاء و الوفاء، لمنهج الاسلام الصحيح، الذي ضحى الأَئمَّة المعصومين (ع)، من أجل الحفاظ على صحة مبدئيه الاسلام، و سلامة أُصوله بدون تزييف و تحريف.

2. مبدأ أَخذ العِبرَة من سيرة أهل البيت (ع)، للوصول الى ظاهرة الانسان المؤمن الصالح، الذي يفهم واجباته فيعطيها، و يعرف حقوقه فلا يتجاوز حدودها.

3. تعليم المجتمع أن الحياة لا يتم فيها العدل و الاحسان، إِلّا باصلاح ذات الانسان، و تطوير قابلياته الذهنية لفهم العلاقات الاجتماعية، بصورة

صحيحة، و استغلال عامل الوقت للوصول لهذا الغرض. فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين (ع): (ما من يوم يمرُّ على إِبن آدم إِلّا قال له : أَنا يومٌ جديد، و أَنا عليك شهيد، فَقُلّْ فيَّ خيراً، و اعمَلّْ خيراً، فإِنَّكَ لَنّْ تَرانِ بَعدُ أَبداً).

هذه الفلسفة الواقعية، لفهم عنصر الزمن و استثماره بشكل ايجابي، هي المفتاح لرؤية الواقع، بصورة ايجابية واضحة، تضع الانسان أَمام مسؤوليته، في كل لحظة تمرُّ عليه، من أجل التفكير بتحقيق العدالة الشاملة، و دفع الأَذى عن الفرد و المجتمع، لا بل حتى البيئة أَيضاً.

لقدّْ أَكدّ الإِمام أَمير المؤمنين (ع) كثيراً، على مفهوم استثمار عامل الزمن، لبناء قيم الخير و الصلاح، و نَبذ قيم الشرّ و الظلم و الرذيلة و العدوان. فقد قال عليه السلام:

(مَنّْ استوى يوماه فهو مَغبون، و مَنّْ كان آخر يوميّْه شراً فهو مَلعون، و مَنّْ لمّْ يكُنّْ على الزيادة، فهو في النُّقصان، و مَنَّ كان في النُّقصان فالموتُ خيّْرٌ له، و مَنّْ اشتاق إِلى الجنَّة سارَعَ إِلى الخيرات).

4. تعليم الفرد و المجتمع، أَنَّ الولاء و الوفاء و حبّ أهل البيت (ع)، يستوجب عليهم، تطبيق المنهج القرآني الذي أراد الله سبحانه، تطبيقه على يد نبينا محمد (ص) و أَهل بيته (ع). هذا المنهج هدفه الرئيس بناء الانسان الصالح و المجتمع المتكافل، و الوصول الى حالة الحياة المتكاملة في كل حلقاتها المتنوعة، التي تخدم البشريّة جمعاء. فقد ورد

عن الامام الصادق (ع) قوله لشيعته: (كونوا زيناً لنا، و لا تكونوا شيناً علينا).

الخاتمة:

اننا نرى في كل مناسبة من هذه المناسبات، اشتراك الملايين من ابناء الشعب العراقي فيها، و ينبغي عن تنعكس آثار تلك المناسبات، على غالبية مجتمعنا العراقي، حتى نلمس بواقعية، أَنَّ آفاق الخير تتوسع عاماً بعد عام، (على أَساس تراكم التغيير الايجابي مع تقادم الزمن). لكن مع الأَسف الشديد، أَنَّنا نلاحظ بكل جلاء، أَنَّ المجتمع العراقي سلوكه يخالف ممارساته الروحية.

فالسلبيات اصبحت بمستوى الظواهر، حيث تعدَّت مستوى الحالات، فانتشار الفساد، و التلاعب بالمال العام، و عدم احترام الآخر، و عدم تقدير الجار، و الاستقواء بقوة العشيرة لكسر إرادة القانون العام، و تفشي الغش في التعاملات المختلفة، و التزوير و قول الزور، و انتشار تعاطي المخدرات ….. و قائمة الممارسات الشاذة و الخاطئة، المخالفة للشرع و القانون، تطول إذا ما استمريت في اسقصائها.

إِذن بشكل عام نَخلُص الى نتيجة واحدة فقط هي:

اننا نُقلّد ممارسة الشعائر بدون وعي ناضج، و فهم عميق لمضمونها العقائدي و التربوي. فحوَّلناها الى ممارسات فارغة جامدة، اقرب ما تكون الى الروتينية منها الى العقائدية. اذن مسيرتنا غير مطابقة بنسبة و أخرى، مع تطلعات مدرسة أهل البيت (ع). لذا فالأَمر يتطلب من كلٍّ منّا، مراجعة

جادَّة مع الذَّات، لتشخيص سلبياتنا و الاعتراف بها، لنصل إِلى حالة محاسبة النفس، و تطويعها للاذعان للحق، و حينها سنكون صادقين بالوفاء لمنهج أَهل البيت (ع). و من الله تعالى التوفيق و السداد.