26 نوفمبر، 2024 12:08 م
Search
Close this search box.

في زمن كورونا: فقراء العراق سندانة بين مطرقتين

في زمن كورونا: فقراء العراق سندانة بين مطرقتين

الحديث عن الحرية يحتاج الى من عاشها وعرف لذتها ولو لبرهة من الزمن، والحديثُ عن الظلم يحتاج الى شعبٍ كالجسد الواحد عندما يُظلَم عضو منه يتألم سائر الجسد، والحديث عن الفقراء يحتاج الى مستمعٍ عاش الفقر يوماً ما وعندما اغتنى لم ينكر ما عاشه، فمن أين ابدأ وشعبي مستعبد ؟، وكيف ابدأ وهو مقسم ؟، والى من أتحدث عن الفقراء والطبقة الكادحة ونصف شعبي يرون انهم أغنياء عندما باعوا كرامتهم بدراهم معدودة وكانوا فيها من الزاهدين ؟.
ولكن انى لهذا القلم العنيد ان يوقف رحلته كقطار خارجٍ عن السكة محاولاً اعادته الى مساره ويأبى العودة، فما كان من عقلي الا ان يخضع لأنين من لا يملك قوت يومه، فأوحى اليه ما اوحى.

في الوقت الذي تسلط على العراق شر الدواب، كان هناك مجتمع يسوده الفقر والعوز وسرعة التصديق والاعتقاد بكل ما هو ديني، فببساطة كان للدكتاتورية السابقة ومساوئها اثاراً في تربية المجتمع، فمنهم من كانت تنقصه الحرية الدينية والممارسات الاعتقادية، ومنهم من أثر الحصار على سلوكياته ومبادئه فأصبح مهتماً بالمال، فبعد احتلال العراق عام (2003) انقسم المجتمع الى نصفين:
الأول: الباحث عن الحرية والتبعية الدينية: وهؤلاء اذا جمعناهم يشكلون غالبية الشعب العراقي، صفاتهم أن كل فرقة منهم وضعت عجلاً تعبده من دون الله، اشتم جلالته ولا تشتم عجله، رغم انه لا يعرف أفكار ومبادئ ونوايا وتبعية هذا العجل. نتيجة ذلك كان نشوء الميليشيات المتعددة ذات الولاءات الخارجية والمبنية على الطائفية المقيتة، ولحسن الحظ كانت التعددية فيهم اذ خلق ذلك نوعاً من التوازن في المنطقة، فلو سلط الله احدهم واستفرد بالعراق لكانت الحلاقة مجانية لمن يخالف هواهم بمظهره اما مخالفتهم بالقول فكانت النتيجة القتل (او “الصك” بالمفهوم الشعبي العراقي).
الثاني: الباحث عن السلطة والمال: وهؤلاء أراذل الخلق اذ لا يهمون الا بأنفسهم، فالباحث عن السلطة والامتيازات كان يلعق احذية – من تسلموا الحكم خلفاً للمقبور – للحصول على مبتغاه، اما الباحث عن المال فلا يشترط اغتنائه بل فقط اكتفائه بالتعيين او ببعض الامتيازات مثل ( رفحاء – السجناء – الشهداء – المادة 140 – المقاولات والمشاريع الوهمية ) طبقاً لمبدأ (ياكل ويوصوص)، ونتيجة هؤلاء انك تجدهم جيشاً الكترونياً ضد من طالب حقاً او ادعى ظلماً من ظالم.
بقيت فئة من الشعب تمثل الطبقة المسحوقة من الفقراء ممن لا يستلمون درهماً من بلدهم وهؤلاء (المتخرجون الجدد والعاملون بأجور يومية والعاملون بالقطاع الخاص) فلا قانون يحميهم ولا حقوق تقر لهم. ففي الوقت الذي تسلحت فيه الفئات الباحثة عن المال والسلطة بعنصر النقد لمواجهة مصاعب الحياة، تجد الفقراء لا حول ولا قوة.
فعندما سادت غمامة كورونا أجواء العراق وما تبعها من إجراءات حكومية بالحظر العام، أهمها الاجراء العقيم والمضحك للعقول المتمثل ب(منحة الطوارئ) والتي تبلغ (30.000) دينار عراقي فقط أي ما يعادل (25 دولار أمريكي)، ولم يستلمها الا عدد قليل، وقع هؤلاء الفقراء بين مطرقتين الأولى البقاء في المنزل وهنا اما ان يتذلل للآخرين بطلب القرض الحسنة او ان يتحمل صرخات اطفاله من الجوع، والثانية الخروج بحثاً عن العمل ليلاقي مصيراً بعدواه بالفيروس فضلاً عن ذم طبقة أصحاب الرواتب له واتهامه بانه غير مثقف ولا يتفهم موضوع الفيروس. فما بين شعبٍ مريض وسلطة الدواب تجد بشراً لا يسمعهم أحد لأنهم في وسطٍ وصفه الله تعالى ((صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)).
واخيراً هناك بعض الفئات – ممن تعبد عجلها – أفلست من الأمرين فلا هي صاحبة مال ولا هي من المحتفظين بالمبادئ وكأنهم قطيع أمام راعيه.

أحدث المقالات