الديمقراطيّة في الغرب تعني أنّ كلّ بلد فيه بلد آمن ومستقرّ تحفظه آليّة منتظمة “تدقّ” فيها تفاصيل البلد اليوميّة كالساعة تدور فيه عجلة الحياة من أدقّ تفاصيلها صعوداً لأعلاها ضجيجاً من دون أن يشعر به أيّ فرد من أفراده كما تلفّ الأرض حول نفسها لا نسمع لحركة دورانها أيّ صوت ..
جميع ما جرى في العراق من تفجير للسيّارات المفخّخة وللأحزمة الناسفة ولغيرهما من فنون التدمير والقتل الجماعي تستهدف الأسواق والتجمّعات المدنيّة أينما كانت وكلّ ما يُشعرك أنّك تعيش ببلد بعيد عن الديمقراطيّة ؛ هي حصيلة فعل المخابرات الأميركيّة وشركاتها الأمنيّة الإجراميّة بالدرجة الأولى بالتعاون طبعاً مع مخابرات دول الجوار وبالأخصّ ومع شديد الأسف أقطار “شقيقة” وبالتعاون مع الكثير من أعضاء العمليّة السياسيّة سنّةً وشيعة تقف في طليعتها المملكة السعوديّة لتلقى التهمة بعد كلّ موجات تفجيريّة تدبّرها في العراق هي “ومن يرجون العون منها كما يرجي الظمآن ماء السراب” على إيران , ممّا تسبّب هذه التهمة الجاهزة ردّة فعل لأنصار النظام الإيراني من بعض قادة المنطقة الخضراء يستشيطون غيضاً وغضباً لها كونها بنظرهم تهمة باطلة فيلقونها بدورهم وعلى الفور على البعثيين والصدّاميين والوهّابيين الخ .. والأدلّة بضلوع هذه المشيخات الصحراويّة في قتل العراقيين واللبنانيّين والسوريين وما جرى في مصر وليبيا وفي تونس كثيرة لا تحصى وباعترافات أمرائهم أمام شاشات التلفاز أقربها للذاكرة ما فعله آل سعود عبر قنابلهم البشريّة عمياء البصر والبصيرة ضدّ الروس في أفغانستان وضدّ روسيا نفسها عبر قنابلهم “الشيشانيّة” ..
الحجّ والعمرة فريضتين لا يستطيع رئيس دولة أو حكومة في العالم منع رعاياه من أداءهما , لأنّه حق شرعي على رقاب جميع المسلمين وعلى مشاعرهم .. الكثير لا يؤدّونها , لكنّهم ما أن يعرف الكثير منهم قد بلغ من العمر أو بدنوّ أجله إلاّ وتراه “يدخل من الابريج ويطلع من البلبولة” كما يقول المثل العراقي الدارج , يترك عادات التدخين والكحول ولعب الورق “دفعة واحدة” على رأي الروائي الاميركي أدغار ألان بو حين يصف انقلاب عمّه على الإدمان “دفعةً واحدة” .. ومكان الحجّ “والحمد لله سيطر اليهود على المسجد الأقصى !؟ وإلاّ لانطبق علينا المثل الدارج ـ يمّ حسين جنتي بوحدة صرتي بثنين ـ !” .. مكان الحجّ الّذي يؤمّ وجهته “وألف عافية على آل سعود” ما يناهز الثلاث ملايين “مسلم” سنويّاً عدى “فريضة العُمرة !” , يقع هذا المكان في واد “ذي نفط” عند بيت الله المحرّم , تُنحر فيه “والنحر يقوّي قلب ابن الصحراء” تنحر فيه وفي يوم واحد ثلاثة ملايين نعجة ! “يُقال” أنّها , وبعد احتجاجات لا حصر لها بدأها الشيوعيّون وعموم قادة الفكر اليساري الملحد من الّذين يحتسي المنتمون إليه الخمرة ؛ سبعينيّات القرن الماضي بوقف عمليّات إتلاف لحوم الأُضحية الّتي كان يقوم بها أصحاب الفكر الوهّابي بعد أن كانت توزّع على الفقراء والمعدمون قبل أن يأتي آل سعود ويفوزون بصناديق الانتخابات قبل تسعين سنة ؛ والعمل بدلاً عن ذلك تعليبها وحفظها في برّادات وإرسالها إلى فقراء الدول الاسلاميّة وغير الاسلاميّة وخاصّةً الأفريقيّة منها الّتي تشكو باستمرار من سنوات القحط والمجاعة , إلى أن أثمرت تلك النداءات على الأخذ بذلك الرأي في وقت كانت تحتج فيه في تلك السنين الممثّلة الفرنسيّة الحسناء “بريجيت باردو” وتناشد “المجتمع الدولي” لوقف “المجازر” السنويّة بحقّ “النعاج المسكينة” في المملكة السعوديّة .. ولعل لهذا السبب نحت هذه المملكة منحى “التعليب” للتغطية على “الذبح” الّذي أصابها بالحرج أمام أصدقائها حكومات دول الغرب وهي تطوف عليهم “باردو” مولولة تقتاد خلفها برحلاتها الاحتجاجيّة تلك نماذج من أنواع الحيوانات منها “الفقمة” الّتي تعشقها باردي تنصب العزاء “بطريقة العزاء السفري” تلطم أمام مسؤولو الدول الأوروبيّة على نحر ملايين النعاج في المملكة ..
أنا لا أدعو بترك هاتين الشعيرتين المباركتين “الحجّ والعمرة” لكنّني أضع دائرة حولهما للفت الانتباه فقط في الوقت الحالي على الأقلّ وإلى أن تنقلب الأمور في منطقتنا انقلاب سياسي وفكري تام تجرف فيه أحداثها المتسارعة باتّجاه عواقب وخيمة أنظمة بلدان مشيخيّة سبق لها وأن أخضعت الكثير من أنظمة منطقتنا باسم الإله وأرهنتها للإرادة الغربيّة وأعانت وتبنّت الكيان الصهيوني منذ نشوئه .. فهاتين الشعيرتين , وبحجّتهما , يتاجر النظام السعودي بهما ويستغلّهما أحسن استغلال في تجنيد جيوش من الشباب العربي تحت إمرة الولايات المتّحدة الأميركيّة علاوةً على ما تجنيه من أموال الحجيج السنويّة .. دخلت “هذا المعترك” معترك “التمويل” قبل معترك التجنيد الّذي تبنّته فيما بعد سبعينيّات القرن الماضي مشايخ الخليج منذ ما عرفت بالحرب الكوريّة خمسينيّات القرن الماضي عندما كانت تموّل الولايات المتّحدة بالأموال في حربها تلك وكذلك في حربها على فيتنام وغيرها علاوةً على ما أسهمت به هذه المشايخ من أموال ترسلها “للحلفاء” في الحرب “العالميّة” الثانية ..
دول الجوار العراقي لم يحصد منها العراقيّون طيلة عشر سنوات , بدل العون على ما يمرّ به العراق من احتلال وتدمير بنى تحتيّة , غير الدمار , تقع مسؤوليّة تفجيره المستمرّ ومن دماء وأشلاء ناتجة عنه وصلت الملايين ولا زالت , ولأجل أن يدخل فاعلها الجنّة بعد أن ينسف نفسه وسط الزحام في سبيل الله , من الّذين أفقدهم وعّاض سلاطين السلفيّة والوهّابيّة السعوديّة مؤشّر بوصلة الاستهداف ! .. الدائرة اليوم والمسئوليّة تقع بالدرجة الأولى على كلّ عراقي واعي وليذهب بقيّة الغافلون الجهلة إلى الجحيم وبئس المصير وجلّ ما نتمنّاه من البقيّة التائهة بالضياع هؤلاء باسم الحجّ والعمرة وغيرهما , أن لا يؤثّروا على بقيّة من يعيشون حياتهم “كفّار عصاة” لا يؤتمرون كما هم , من قبل أصحاب قبور ماتوا منذ آلاف السنين , ففي حق الاسلام لهم أن يتركوا وشأنهم , “لكم دينكم ولي دين” ..
صدأم حسين , بنظر الدوائر الصهيونيّة , “انتهى دوره” بانتهاء “المرحلة الأولى” من مراحل عدّة للسيطرة الأميركيّة ـ الغربيّة على العالم عدّة قرون “فليس العرب بأحسن من الغرب حين أعدّوا خطّة متكوّنة من ( 30 جزء ) للسيطرة بها على العالم تحت شعار “وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين” صدق الله العظيم قلّد هذا الشعار الأميركيّون ب”مشروع القرن الأميركي الديمقراطي” .. مساكين .. حدّدوا مدّة قليلة على عكس ما ينوون فضحهم بريجينسكي ؛ تنفّذ على مراحل .. سيطر العرب بها على إسبانيا وعلى مقطّعات كثيرة من أوروبّا تستمرّ العرب الهيمنة عليهالأكثر من ثمانية قرون وليس قرناً واحداً كما يسعى إليه الأميركان اليوم جاهدين ب10 آلاف قنبلة نوويّة وملايين الأطنان من الأسلحة الكيمياويّة يستخدمون “سلاح الفقراء” السلاح الأخير “الوكت العوزة” مخافة عندما ينضمّون إلى مجموعة الفقراء وهم في طريقهم لتتمّة مشروعهم القرني المزعوم بعد تراكم الديون عليهم تلالاً ؛ علاوةً على أنّ العرب في مرحلة فتوحاتهم “المرحلة الأولى” الّتي وصلوا بها إلى الصين وإلى جنوب أفريقيا وغربها تركوا خلالها 18 ألف كلمة عربيّة في لغة شكسبير الّتي طالما كان يتفاخر بها , اللغة الانجليزيّة ؛ فقط ! .. بينما نحن اليوم “يستنكف” لدينا البعض من دخول بعض الكلمات الانجليزيّة لغتنا , في حين يحتوي القرآن نفسه على العشرات من الكلمات الأعجميّة الّتي كانت قد دخلت لغة العرب قبل الإسلام ! ..
يجمع الكثير من المراقبين العراقيين أنّ السيّد المالكي يتّبع نفس أسلوب الحكم “طريقته في آليّة الحكم بخطواته المحدودة يعني” الّتي كان يتّبعها الرئيس العراقي صدّام حسين .. لربّما ما يقولونه فيه الكثير من الصحّة ولربّما أيضاً بطريقة غير مقصودة من السيّد المالكي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار طبيعة التركيبة الإداريّة والسياسيّة الّتي خلّفها النظام العراقي والّتي رسّخها طيلة 35 عاماً جعلت من يستلم ملفّات حكم العراق لابدّ وأن يتّبع نفس المسار السابق ممّا يحتّم عليه أن ينقل معها “آليّة” العمل بها فتنطبع في سلوكه !.. مضاف إليه انطباع عام في الذهنيّة العراقيّة العامّة لصور ثبتت في المخيّلة العراقيّة “كاريزما” أو “هيأة” مجبور تجسيدها أيّ مسؤول حكومي سيدخل حلقة نظام الحكم , من خلال تنفيذه الاحكام والقرارات الّتي كان يصدرها النظام آنذاك , ممّا ولّد قناعة جمعيّة راسخة لدى العراقيين رسمت فيها وكأنّ أيّ جملة من القرارات السابقة تحتّم نوع معيّن من الإلقاء أو التصرّف أو التقمّصّ .. يعني تبنّي وتلازم متبادل أحدهما للآخر بين الأداء وبين النصّ ..
افتقار السيّد المالكي لملكة صدّام حسين “الاجتماعيّة الشعبيّة” وذكائه في النقر على مجموعة أوتار الهمّ العراقي تجعله يسترسل في حديثه متوغّلاً في الهمّ العراقي العام ممّا كان يشدّ إليه المستمع ويجعله متسمّراً في مكانه لغاية انتهاء حديثه .. لذلك كان يُعاب على صدّام طريقة إلقائه الخطاب الرسمي في حين لم يُنتقد على أحاديثه العامّة وهو يتكلّم مع العراقيين , لاختلاط حديثه في الشأن العراقي الداخلي مع السياسي .. لذلك فكثيراً ما كان يستعرضهما بمهارة عالية كحالة واحدة لكن بتلقائيّة .. وقديماً قيل “الجذب المسفّط أخير من الصدك المخربط” وهو ما لم يحسّه السيّد المالكي لكثرة إعادته وتكراره نفس الجمل في خطاباته الرسميّة لمروره باستمرار بنفس “المشكلة الأمنيّة” ! فتجيء وعوده بشكل سيّء وكأنّها تكرار لكذب يتضايق منه المالكي نفسه لكنّه ولمحدوديّة أفق إطار طموحه المنحصر بكيفيّة حفاظه على كرسيّ الحكم لا يستطيع التملّص منه رغم محاولاته في ذلك وكذلك لعدم حسنه عمليّة تماهيه مع منصبه ومتطلّباته الشاملة , بينما لا يحسن الخطاب بجملة مفيدة واحدة يتحدّث بها أمام أيّ تجمّع ؛ لانصراف همومه كلّيّةً وبشكل مستديم لحساباته السياسيّة الداخليّة الخاصّة به , ممّا انعكس على أداءه الوظيفي وعلى أداء أعضاء حكومته أثّرت سلبيّاً على حياة المواطن العراقي , ومنها وأهمّها الشأن الأمني , فهو منصرف تماماً عنه , لقناعات داخليّة تستنزف أعصابه : أنّ جميع موجات الانفجارات تستهدفه هو “السيّد المالكي” لا المواطن ! فلذك دائماً ما يكون ذهنه خالياً من أيّ تصوّر عن صور تصرّفات نظام الحكم العراقي السابق ترتسم في ذهنه إزاء تعامله مع القضايا الأمنيّة تمنحه فيما لو سلكها فرصة “تقليد” سلوك وتصرّفات النظام الوطني السابق , لذلك نراه ابتدأ أوّلاً وقبل كلّ شيء عند تولّيه السلطة بالأمن الداخلي “تقطيع أوصال بغداد والمحافظات بالعوازل الكونكريتيّة” وترك الحدود العراقيّة سائبة ! واعتمد التسليح الأميركي “ذلك يثبت جهله بالسياسة التسليحيّة وجهله في النوايا الغربيّة المبيّتة الغير طيّبة باستمرار تجاه العراق” إلى أن “وبعد أن تعلّم الحجامة بروس اليتامة” مثلما يقال بالعراقي الدارج , وبعد سنين طويلة من تبديد أموال العراق على وجهات تسليح خاطئة وفساد ملياري , جاء التعاقد مع روسيا لتسليح العراق متأخّراً جدّاً ..
لن يستطيع السيّد المالكي من نقل أحاسيسه في التعامل مع الشأن الأمني العراقي “لتعوّده” على التفكير بكيفيّة الحفاظ على منصبه قبل كلّ شيء إلى أن أصبح هاجساً يطارده في صحوه وفي منامه .. وما دام لا يُحسن فرض إرادته على الجميع كما كان يفعل صدّام حسين خاصّةً في القضايا الأمنيّة الّتي يعتبر الرئيس العراقي أبرع من كان يديرها في العصر الحديث للكثافة العالية من الاستهداف المحلّي والعربي والعالمي الّذي كان يستهدف العراق لربّما لأسباب سياسيّة لم يوفّق في الكثير منها في إدارتها منها على سبيل المثال ثقته الزائدة عن حدّها في شيوخ الخليج وصل به إلى أن يوحي للمواطن العراقي وكأنّ حرب الثمان سنوات وتضحياتها الجسيمة الباهظة التكاليف بشريّاً ومادّيّاً بدت وكأنّها جاءت “لتثبيت عكل شيوخ الخليج فوق رؤوسهم مخافة سقوطها على أيدي نظام الملالي في طهران” .. فما دام السيّد المالكي كذلك لا يحسن فرض إرادته على جميع أعضاء حكومته أو من هم خارج إطار المهمّة الحكوميّة من سياسيين فستبقى التفجيرات تحصد أرواح العراقيين .. فهل أيضاً سيجيئ فهمه حول منع دول الجوار التدخّل في الشأن العراقي مهما كان التدخّل صغيراً أميركيّاً أو غيره , وأن ضبط حدود العراق بجيش عراقي مسلّح كتسليح جيش صدّام وأهم شيء مسلّح تسليحاً طنيّاً ومهنيّاً .. فهل سيجيئ فهمه لذلك متأخّر جدّاً كما تأخّرت صفقة التسليح مع روسيا كلّ هذا التأخير ؟ ..