في رواية (عاشقان من بلاد الرافدين) : رسائل تخترق المحظورات وتحلق في عالم جمالي  

في رواية (عاشقان من بلاد الرافدين) : رسائل تخترق المحظورات وتحلق في عالم جمالي  

 التاريخ : (13/6/1997) / كنا ثلاثة في السيارة (الكاتب والأديب جاسم المطير ، والصحفي صادق فرج ، وانا) . متوجهين الى مدينة كربلاء . والهدف : حضور الندوة التي أُقيمت هناك ، إحتفاءً بصدور المجموعة القصصية للأديب المطير (المولود في مدن القلق) .
    بكلمته في الندوة ، قال جاسم المطير : (في الطريق من بغداد الى هذا المكان في كربلاء العزيزة ، كنتُ طول الوقت أمجِّد وأعزز مبادرة وردتني من باب الثقة العالية ، الذي فتحه على مصراعيه الصديق الوفي علي الفتّال ، الكاتب والشاعر .. ميزة الصديق علي الفتّال وميزة شباب هذه المحافظة ، وميزة أدبائها ، وميزة هذه الليلة الكربلائية السعيدة ، هي أنها أيقظت عندي إخلاصاً واعجاباً واحساساً بالذوق الأدبي والوطني الذي أحسه كياناً قائماً في دواخلكم ..) .
    وفي الندوة كانت لي مداخلة ، أشدتُ فيها بدور الأديب الكربلائي علي الفتّال ومكتبته في عقد هذه الندوة ، مُشيراً الى ديوانه الشعري (الاحتراق في لهيب الشفاه) الصادر عام 1984 .
    ذلك بعض ما جاء في أوراقي القديمة ، كنت أتصفحها ، حين عزمتُ على الكتابة عن هذه المجموعة القصصية . وفعلاً نشرتْ لي جريدة (الزمان) الصادرة يوم (10/9/2013) مقالاً بعنوان : (جاسم المطير ، المولود في مدن القلق) .
العاشق البصري
    وفي سياق المقال ، أشرتُ – باختصار – الى رواية الاديب المطير (عاشقان من بلاد الرافدين) ، الصادرة عن (الدار العربية للعلوم – بيروت) . قرأتُ الرواية في عام صدورها ، والآن أعدتُ قراءتها لأكتب عرضاً لها .
    تشتمل الرواية على (376) صفحة من القطع المتوسط صدرت في حزيران/2003 ، بغلاف ورقي ملون .
    ومع أن الرواية تحفل بالمضامين الانسانية بشكل واضح ، إلاّ أن الناشر يؤكد ، منذُ البداية هذا الاستنتاج ، إذ يقول : (في هذا الكتاب رسائل عاشقَينِ ، شربا من الفراتين ، وسرى فيهما الحبُ لوطن الرافدين ولحضارته وبنائه الثقافي ، ومعمار شخوص الوطن وفئاته من جلجامش وعشتار ، حتى كرجي وراشيل ، وهما يؤكدان أن لا هواء أنقى من نسائم الخليج ، ولا ماء أحلى وأعذب من مياه الفراتين والشط) .
    ويضيف الناشر : رسائل (عاشقان من بلاد الرافدين) قصائد تحكي العذابات التي دفعت تحت سياطها فئة من شعبنا الى الرحيل القسري بعيداً عن موائل عشقهم في ظلال النخيل .
معالم أدبية
    لكننا نختلف مع الناشر حين يحصر عوامل هجرة اليهود العراقيين بـ (عذابات أيام الفرهود) . ومع ذلك نحصر تقيييمنا لهذه الرواية بالجانب الأدبي ومقترباته : الانسانية والرومانسية ، والحبكة الروائية .
    ولا نتعدى التقييم الموضوعي ، حين نقول : في هذه الرواية سيجد القارئُ التاريخَ شاخصاً حيّاً أمامه ، يعيش معه من جديد ، ويحيا مع قادة الاحزاب والمثقفين واساتذة ومحامين وتجار من ذلك الزمان ، وزراء ومنظمات وأحزاب ومظاهرات الشوارع . يسير القارئ فيها مخترقاً تلك الأمكنة متآلفاً معها ، متجولاً في أحياء البصرة وضواحيها ، وشوارع بغداد ومعالمها .
    إن (العقدة) التي تتمحور حولها الرواية ، والتي يحاول الروائي   حلها ، لا يمكن عزلها عن الالتزام الفكري اليساري للأديب المطير ، وَمَدَيات هذا الالتزام ، فيما يتعلق بالمهجرين أو المهاجرين اليهود العراقيين عام 1948 . وقد نتفق معه هُنا ، ونختلف هناك . لكن الثابت لدينا ، وبالاستناد الى تقييم نقدي معاصر ، فان (هذه الرسائل هي أول صوت يروي قصصاً من حياة اليهود والمسألة اليهودية في عراق منتصف القرن العشرين ، بقلم راوٍ ليس يهودياً) . فهي معالجة أدبية تحلق في عالم جمالي كثير الامتاع .
    الرسائل المتبادلة بين (كرجي) و(راشيل) الشخصيتين الأبرز في هذه الرواية ، تقدم قراءة متأنية ليوميات يهودية .
    هل كان الروائي ، أو (الراوي) محايداً . على الفور نقول : كان منحازاً . ولا نفاجأ أو نتعسف ، ولعلنا لا نمس موضوعية الكاتب   المطير ، بهذا الاستنتاج . فنظرته الانسانية ، والتزامه الفكري    اليساري ، يُفضيان الى ذلك .
    انها – كما قال النقاد عنها – رسائل اللغة الشفافة والرومانسية .   

أحدث المقالات

أحدث المقالات