17 نوفمبر، 2024 6:33 م
Search
Close this search box.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام
الحلقة الثانية
في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 16 ..

سيّدنا يوسف عليه السّلام، قال لأبيه: “إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ “، يوسف – الآية 4.

وبعد ذلك طلب منه صاحبيه في السّجن أن يفسّر لهما الرؤيا: “وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖقَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ”،يوسف – الآية 36.

وبعد ذلك، طلب منه الملك: ” يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ”، يوسف – الآية 46.

ولم يتكبّر على طبيعة الرؤيا، ويقول لهم كيف أفسّر رؤيا المساجين، وبقرات الملك، وأنا الذي:”رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ”، بل قام بعمله طواعية، وعلى أحسن وجه، وبصدق وإخلاص.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 17..

سيّدنا يوسف عليه السّلام، لم يتخذ من تأويل الرؤيا صناعة، يسترزق بها، ويستحوذ بها على النّساء وعقول العامة.

ولم يستغل فرصة تفسيره لرؤيا الملك، ويطلب منه إطلاق سراحه، ويقاسمه الملك. بل سعى النّاس إليه سعيا، وهو تحت الأغلال وظلمة السّجن. ولم يستغل حاجتهم إليه، بل كان رفيقا رحيما، صادقا وفيا.

إن من تمام الرجولة وكمالها، أن لايستغلّ المرء، حاجة النّاس إليه.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 18..

حين عرض سيّدنا يوسف عليه السّلام، الرؤيا التي رآها على أبيه يعقوب عليه السّلام، قائلا: ” إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ”، يوسف – الآية 4.

لم يطلب من أبيه، أن يفسّر له الرؤيا. وأبوه لم يهتم بتفسير الرؤيا. فلم يكن تفسير المنام من الأهداف التي أرسلوا لأجلها، بل رسالتهم أعظم وأجلّ من أن يشغل الآباء أبناءهم ، بتفسير الرؤيا.

وتشاء حكمة ربك، أن يكون الواقع ومرارة الحياة، والرمي في البئر، والبعد عن الأهل والأب، وسنوات السّجن، والابتلاء، هي المفسّر الصادق والدائم للرؤيا.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 19..

سيّدنا يوسف عليه السّلام، لم يتشائم يوما من رؤياه، ولم يقل مايحدث لي من مصائب ومحن، مسّت العرض والجسد، بسبب الرؤيا.

وحين أمسى منقذ البلاد من قحط محقّق، وله سلطة الملك على البطون والرقاب، لم يقل ، هذا بفضل الرؤيا، بل نسب الفضل كلّه لربه قائلا لأبيه، وأمام إخوته والملك والملأ: ” وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ”، يوسف – الآية 100.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 20..

لم يكن تفسير الرؤيا، سبب تقريب الملك لسيّدنا يوسف عليه السلام، فكان بمقدوره أن يكافئه على رؤياه بإطلاق سراحه، ومدّه بالمال، لكن الملك أعطى له صلاحيات الملك، لما رأى فيه من خصلتين ..الصدق والطهر والتعفّف عن الكرسي.

فقال في المرة الأولى: ” وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ”، يوسف – الآية 50.

وفي الحالة الثانية، إستدعاه ليعطيه صلاحيات الملك، لما سمع تبرئة النسوة له، وتأكده منها، فقال: ” وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ”، يوسف – الآية 54.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 21..

” قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ”، يوسف – الآية 51.

النساء اللواتي تلذّذوا بنشر خبر إمرأة العزيز بين أفراد المجتمع.إستدعاهم الملك، وجمعهم أمام مرأى ومسمع من الجميع، ليسألهم عن طلبهم الحثيث لجسد سيّدنا يوسف عليه السلام.

فكانت النتيجة، أن خبرهم أذيع على لسانهم ، وبحضرة الملك والمجتمع، فشربوا من كأس الفضيحة، التي حاولوا نشرها، وتقديمها في سورة لايقاومها السّامع.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 21..

سيّدنا يوسف عليه السّلام، حين تأكد من عرض الخزائن، والنّاس بحاجة إليه، قال في ثقة وأمانة: ” قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ”، يوسف – الآية 55.

فقد كان حفيظا في الصغر، حين حفظ عهد أبيه.

وكان حفيظا مع الذي إشتراه .. حين حفظ فراشه في الغيب.

وكان حفيظا مع السجناء .. حين حفظ عهدهم وأمانتهم في التفسير.

كان حفيظا مع الملك .. حين كان صادقا في رؤياه.

وبلا شك، سيكون حفيظا عليما .. حين يتولى تسيير الأزمة، ويتولى الإشراف على الإدخار والتوزيع بالعدل.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 22..

سيّدنا يعقوب عليه السّلام، حين اشترط على أبناءه موثقا، أثناء إصطحابهم لابنه الثاني، بعد إبعاد إبنه الأول سيّدنا يوسف عليه السّلام: ” قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ” يوسف – الآية 66.

يدل بوضوح على فقدان الثقة نهائيا بين الأب والأبناء، لما أحدثوه من قبل. وحين يكون التعامل بين الأب والأبناء بالوثيقة والمكتوب، فهذا يدل على أن العلاقة وصلت إلى درجة متدرية ومنهارة. ومثل هذه العلاقات لاتدوم أبدا، لأن مابني على الثقة ، هو الدائم والضامن أولا، ثم تأتي الوثيقة كوسيلة تترك في آخر لحظة، وتفرضها ظروف قاهرة، لاعلاقة لها بالثقة بين القلوب المتحابة.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 22..

سيّدنا يعقوب عليه السّلام، طلب من إبنه يوسف عليه السّلام ، أن لايقص رءياه على إخوته، فامتثل على الفور، فكان مثالا في طاعة الوالدين.

وطلب منه صاحب القصر، وزوج المرأة التي راودته، أن يستر الأمر، ولا يكشفه في فراشه ، قائلا: ” يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ”، يوسف – الآية 29 .. فامتثل لطلبه، وبقي في حدود الدفاع، ولولا أنها بادرت بتهمته، للزم الصمت.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 23..

سيّدنا يوسف عليه السّلام، حين طلبه الملك وهو في السّجن، ورفض الخروج، إلا بعد ظهور الحقيقة، قال: ” وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ” يوسف – الآية 50.

فهو لم يتساءل عن إمرأة العزيز، وما سعت إليه، ولم يتحدث عن إصرارها بطلب جسده، مهما كلّفها الأمر، ولو تطلب الأمر إدخاله السّجن، ورغم أنها هي التي أعدّت المجلس، وأغرت النسوة بسيّدنا يوسف عليه السّلام.

واحتراما لزوجها الذي أكرمه وأحسن مثواه، لم يذكرها بالإسم، وفضل إستعمال لفظ النسوة، على لفظ إمرأة العزيز.

ويعتبر هذا من حسن أدبه، ورفعة أخلاقه. فمن ترفع عن فراش الغير بأفعاله، ترفع باللّسان وفي الغيب.

في رحاب سورة سيّدنا عليه السلام 24..

براءة سيّدنا يوسف عليه السّلام، جاءت من فوق سبع طباق، حين قال تعالى: ” وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “، يوسف – الآية 25.

فقد برّء الله تعالى نبيه الكريم، حين وصف تمزيق القميص، بقوله: ” وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ”.

ثم شهد لنفسه، أنه بريء مما نسبته إياه له، ثم جاء الشاهد ليشهد أمام الجميع: ” قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ “، يوسف – الآية 29.

ثم العزيز، حين وبّخ زوجته، قائلا لها: ” فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ” يوسف – الآية 28

وحين لزم الصمت، ورأى بأم العين، أن كذب زوجته وخيانتها، وفي نفس الوقت وطلب من سيّدنا يوسف عليه السلام الصمت: ” يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ”، يوسف – الآية 29.

ثم زوجة العزيز، حين أعلنت أمام النسوة، براءته وإصرارها: “قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ “، يوسف – الآية 32.

ثم النسوة، حين استدعاهم الملك، وقالوا بلسان واحد: “قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ .. “يوسف – الآية 51

وإمرأة العزيز، حين إعترفت أمام الملك، والنسوة، قائلة: “.. قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ”، يوسف – الآية 51.

ماأعظم البراءة حين تأتي أولا من الله تعالى، ثم من صاحب التهمة، وأمام الخلق بمختلف مستوياتهم.

أحدث المقالات