23 ديسمبر، 2024 1:54 م

في رحاب امام العدالة وصوت الانسانية

في رحاب امام العدالة وصوت الانسانية

عندما نتحدث عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لا نملك الا ان نرفع الراية البيضاء اعلانا عن تقصيرنا واسرافنا على انفسنا بالتجروء عن الحديث عن هذا الانسان العظيم , وكيف لنا أن نعطي هذا الانسان الفاضل والمفضول حق قدره وهو نفس النبي ووصيه واخوه وخليفته وزوج بضعته ووالد سبطيه ووارث علمه وتشهد بهذه المكانة وهذه المراتب آيات القران الحكيم التي حفلت بذكر مواقف علي ومرتبته وان لم تذكر أسمه لحكمة أردا الله تعالى ان يختبر بها من القى السمع وهو شهيد ..
وستبقى مواقف الامام علي (عليه السلام) خالدة بخلود القرآن الكريم لتكون راسخة في النفوس وحاضرة في العقول ولتكون أيضا في منأى عن التزوير والتدليس الذي تجرأ الحكام والوعاظ الفاسدين على تسطيره في صحف الضلالة وكتب الانحراف بعد أن حرفوا واحدثوا في اقوال الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) ليحاولوا سلب ما افاض الله به على علي من مكانة وشرف أبغضت اولئك العاجزين والحاسدين فعزموا ان يلقوها في بئر انقلابهم وغياهب ضلالتهم ويدفنوها في صحراء اوهامهم القاحلة ولكن خسئوا وخاب سعيهم في الدنيا فيأبى الله ان ان يتم نوره ولو كره الكافرون وبهذا يشهد الخليل ابن احمد الفراهيدي عند سؤاله عن الامام علي (عليه السلام) وفضله فيجيبهم ( ( ماذا أقول فى رجل أخفى أولياؤه فضائله خوفاً ، و أخفى أعداؤه فضائله بغضاً ، و ظهر مابين هذين ما ملأ الخافقين) ..
ورب موقف لعلي (عليه السلام) يوم مبيته على فراش النبي وفدائه لرسول والرسالة أستحق ان يكون موقفا مشهودا في القرآن بقوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) فكان ثمن فداء علي ان حفظه الله تعالى من مكر قريش وما يكيدون فكان هذا الحدث مثالا زاخرا بمعاني التضحية والطاعة في الماضي والحاضر والمستقبل .
ورب موقف لعلي (عليه السلام) في موقعة الخندق وفي ساحة منازلتها كان حقاً على رسول الله (صلى الله عليه واله) أن يعبر عنه بأنه منازلة الايمان كلهُ للشرك كلهِ وذلك عندما وقف عمر ابن ود فارس قريش امام معسكر الايمان وهو يزمجر بالمسلمين ويستهزئ بدينهم ومعتقداتهم ويسخر من خوفهم ورعبهم وانهزامهم أمامه وعدم تصدي أحد منهم لمنازلته ولم يوقف صرخات ذلك الفارس المتعجرف الا صوت علي وهو ينادي رسول الله (صلى الله عليه واله) ” أنا له يا رسول الله” فكان فارس الاسلام ومنقذ المسلمين الاوحد في قبال فارس الشرك وقائده العسكري الاول والذي لم يصمد امام الامام علي (عليه السلام) وذو فقاره طويلا ليرديه في قعر جهنم مدحورا مهزوما ويعلن الرسول الكريم (صلى الله عليه واله )هذا النصر وفضله بقوله : ( ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ). وآنى لنا في تسطير مواقف علي (عليه السلام) وذكر قبسات من سيرته وهو الذي قطع الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) امام الاخرين الطريق للادعاء بالاحاطة بمقام علي ومنزلته بقوله : ( يا علي لا يعرفك الا الله وانا ) .
 عليٌ الذي ما خير بين أمرين فيهما رضا لله تعالى ولنفسه مصلحة الا واختار ما يقربه من رب العلى حتى قال ( لم أرى شيئا الا ورأيت الله قبله وبعده ) لذلك كان علي مع الله دائما وأبداً فكان الله معه مسددا وناصرا ومؤيداً .
عليٌ الذي كان مبلغ عبادته ان وصل حداً ينقطع في سجوده وصلاته عن العالمين فيظن من معه في المسجد أن فارق الحياة فيهرولون الى زوجه فاطمة الزهراء (عليها السلام) ينعون اليها علياً (عليه السلام) فتردهم وتطمأنهم بأنه في اتصال مع ربه ولذلك كان زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين (عليه السلام) عندما يلام لكثرة تهجده وعبادته لا يملك الا ان يطلق العنان لدموع عينيه وزفرات نفسه وهو يئن قائلا ( أين أنا من عبادة علي بن ابي طالب ) .
عليٌ الذي كان مثالاً للعدالة والانسانية في حكمه وخلافته وألهم المسيحين قبل المسلمين فكتب جورج جرداق رائعته (عليه صوت العدالة الانسانية) بعد أن ذاب في سيرة علي (عليه السلام) وشعاره وهو يعتلي قيادة الحكم الاسلامي عندما كان يكنس بيت المال بعد ان يوزعه على الرعية فيخاطب دنانير الذهب بقوله ( يا دنيا غري غيري) ويضع امام كل حاكم معيارا للنزاهة عجز الاولين والاخرين من السلاطين ان يطبقوه بقوله (عليه السلام) ( لو خرجت اليكم بغير الرداء الذي جئتكم به فأنا خائن) وكان الامام يصف ويحدد مسؤولية الحاكم عن رعيته وواجباته وتضامنه معهم يقوله (عليه السلام) : (أاطمع أن يقال لي أمير المؤمنين ويوجد بالحجاز او اليمامة من لا عهد له بالشبع ولا طمع له بالقرص) . فكان علياً أماماً وحاكماً وقائداً للامة بقدر ما كان ابا لها وطبيباً لنفوسها وراعيا لأيتامها ومساكينها ..
عليٌ الامام الذي يسلب حقه وتغتصب خلافته ويحرق بيته وتضرب زوجه فلا يملك الا أن يصبر وفي حلقه شجى وفي عينه قذى وهو يرى تراثه نهباً ولا يبخل بالنصيحة حفاظاً على الاسلام ووحدة المسلمين ما دام الظلم عليه خاصة بل وينقذ سمعة الاسلام من الطعن والتشكيك حتى قال قائلهم (لولا علي لهلك عمر) ويقول أخر ( وليتكم ولست بخيركم وعلي فيكم) .. فسلاما عليك يا أمير المؤمنين وانت تجسد عدالة الله تعالى في الارض لتكون صوتا للعدالة الانسانية وسلاما عليك وان تجسد الاسلام في حكمك وسيرتكم وقيادتك .