نحن قبائل الكلهور.. تضم سنة وشيعة مثل كل القبائل العربية والكوردية والتركمانية، وعشيرتي إسمها “شوان” تتمفصل بين تشيع وتسنن بحكم البيئة
شهد 1 نيسان 1979 سريان مأساة تنفيذ قرار 666 الذي حرم الكورد الفيلية من الجنسية العراقية واعتبرهم إيرانيين، مشمولين بإجراءات الحرب التي تبيح عمليات الإعدام الممنهجة في بغداد وخانقين ثم امتدت تشمل أنطقة تواجدهم في بغداد وواسط.. الحي وبدرة بنسبة كبرى، وميسان.. علي الغربي، والناصرية، بنسبة أقل، ولم تخلُ منطقة عراقية من تداخل الكورد الفيليين مع نسيج المجتمع لأنهم جزء منه لا تنفصم عرى إنتمائهم عنه بقرار أهوج من صدام!
عيون جيرانهم وأصدقائهم والعوائل المتصاهرة معهم، بكت دماً لفراقهم، ولم تخفِ ذلك عن البعثية؛ فالمأساة.. كانت.. أعمق من الخوف! يومها رحل 600 ألف كوردي فيلي إلى إيران في أبشع طرق التنكيل الفظيع مات مئات الإلوف من الأطفال والعجائز، بين صخور الجبال، في متاهة فاصلة بين العراق وايران، لم تطأها قدم بشرية منذ بدء الخليقة، سوى الأسود والذئاب والدببة التي تضافرت مع الجوع والعطش والتعب والبرد على الفتك بالمهجرين، وهم يمشون على الاقدام خمسين ساعة متواصلة.. لا توقف فيها.. ليل نهار.. إلا لدفن الساقطين موتى، لا لذنب إلا لأن صدام إعتبرهم إيرانيين وليسو عراقيين.. كيفياً حسب مزاجه!
إنفرط عن التهجير إثنان وعشرون ألف شابٍ بقرار من صدام، زجهم في “نكرة السلمان” إختفوا بعدها ولم تجد التنقيبات الإحترافية المتخصصة أثرا لرفاتهم في المقابر الجماعية المحيطة بالمكان، بعد 2003، إذ تنوعت مصادر الموت وكلها تصب في العراق.. ربما ذوِّبوا في أحواض التيزاب الشهيرة او الثرامات ألقتهم طعاما لأسود عدي صدام حسي.
صمت الأسرة الدولية عن تهجير وإبادة الكورد الفيلية.. حينها، إقسى من المأساة نفسها؛ فالعالم جامل الطاغية المقبور صدام حسين، على حساب الدم الكوردي، وهو بالتالي تفريط بإنسانية الصامت شريكا بالتواطئ وعدم قول كلمة حق تدرأ عنه التحول الى “شيطان أخرس”.
*تسمية*
أسميت قضيتهم “تسفير وإبادة الكورد الفيلية” في أول إجتماع للمحكمة الجنائية العليا التي قاضت نظام صدام، بإشراف المحامي سالم الجلبي، وأنا أول قاض حقق مع صدام حسين بشأن تهجير وإبادة الكورد الفيلية.
سافرت الى السويد.. على نفقتي الشخصية.. وإلتقيت شهودا؛ للإحاطة بابعاد القضية وإستيفاء أركان العدالة فيها.. حينها خاطب سفير العراق في ستوكهولم أحمد بامرني، وزارة الخارجية العراقية، يخبرهم بوصولي السويد والتحقيق مع شهود قضية “تسفير وإبادة الكورد الفيلية” راجيا الطلب من المحكمة الجنائية العليا، إرسال وفد أكبر، ولم تستجب!
*قبائل*
وفي ذكرى يوم الشهيد الفيلي.. الاول من نيسان كل عام، أذكّر بأننا لسنا جالية إيرانية ولا طابوراً خامساً، إنما نتوزع بين قبائل، تضم عشائر.. مثل كل القبائل العربية والكوردية والتركمانية.. عشيرتي شوان من قبائل الكلهور.. فيها السني والشيعي على حد سواء.. نتشرف بإسلامنا وتشيعنا وتسننا وعراقيتنا التي لا نوالي سواها.. بل المسفرون يهتفون للمنتخب العراقي عندما يلعب في إيران؛ لأن المرسوم 666 الذي وقعه صدام حسين، في العام 1979 لم يوقف سريان الدم العراقي في نبض المسفرين…
والكرد الفيلية مسلمون شيعة، يتحدثون بلهجة كردية تختلف عن مثيلاتها في كوردستان العراق.. يسكنون شرقي العراق وتحديدا في أقضية محافظتي ديالى وواسط والعاصمة بغداد، إضافةً إلى محافظتي السليمانية وحلبجة في كوردستان العراق، في حين يتوزعون بين أنحاء العراق كافة، جزء مندغم بنسيج المجتمع.. توادا وجيرة وصداقات ومصاهرات.. الخال وإبن إخته.
*تاريخ*
يمتد تاريخ المأساة الى العام 1969اي بعد عام واحد من إستحواذ البعث على السلطة، في إنقلاب ثان يوم 17 تموز 1968.. حينها شنت الحكومة العراقية حملة ترحيل ونفي قسري استهدفت الأكراد الفيليين بسبب خلفيتهم العرقية ومذهبهم الشيعي، مرحِّلة سبعين ألف فيلي إلى إيران بعد سحب جنسيتهم.. مستهدفا تجار وأكاديميين وشخصيات فيلية بارزة.. رفيعة المستوى معظمهم من بغداد على وجه التحديد.
والأسى موصول الى إحباط لواء الحرس الجمهورية إنتفاضة 15 آذار 1991 والمجيء بنساء وأطفال.. من كوردستان الى نقرة السلمان.. يقول شهود عيان ثقاة، أن مدير السجن والسجانة، يجيعونهن ويعطشونهن، راهنين “كلاص” الماء وكسرة الخبز بفاحشة لا ترتضيها رجولة محترم! الى أن متن وأطفالهن جوعاً وعطشاً ومراضاً من دون علاج وتم دفنهن.. تباعا.. في مقبرة جماعية حذو سياج “السلمان”.