23 ديسمبر، 2024 2:50 ص

في ذكرى وفاته: الملك فيصل الاول مؤسس العراق الحديث

في ذكرى وفاته: الملك فيصل الاول مؤسس العراق الحديث

ـ دماثة في الخلق.. سمو النفس.. لين الجانب.. الجنوح إلى العفو عمن أساء إليه أو أساء لغيره.. نقاء سريرته من الغل أو الحقد أو النيل من احد خصومه.. شجاع.. لطيف الشمائل.. سياسي قدير.. ذو شخصية ملكية حقيقية.
ـ عاش فيصل حياة تقشف وتقوى.. تزوج بامرأة واحدة.. ولم يكن يهتم بجمع الأموال.. ولما خرج من سوريا العام 1920 لم يكن معه ما يكفيه من مال لنفقات السفر.

ـ وصفه الرئيس الأميركي ويلسون بأنه “مسيح الشرق”.. فقد كان بسيطاً متواضعاً.. ولا يدخر لنفسه من المال الذي تحت تصرفه.

ـ قال عنه السير هنري دوبس المندوب السامي البريطاني في العراق إنه يبدو في نظر البريطانيين: شخصا أسطورياً.. بل هو صلاح الدين هذا العصر.

ـ كتب عنه عباس محمود العقاد أنه ذو شخصية يحسب لها حساب.. ومن أصحاب الخلق والألمعية، ويصلح للرئاسة ومعالي الأمور.. وكل ما سمعناه عن أفعاله وصفاته يؤيد هذه النظرة.. وينم عن رجاحة في الذكاء والأخلاق.

السيرة والتكوين:

ـ هو الابن الثالث للشريف حسين إلى جانب علي وعبد الله.. وقد نقل في اليوم الثامن من ولادته إلى عرب عتيبة للرضاع تماشياً مع التقاليد الهاشمية.

ـ نشأ في البادية.. وتعلّم الفروسية.. وركوب الخيل.. وضرب السيف.. واستخدام السلاح.. مما جعل منه فارساً مقداماً.

ـ استدعي والده الشريف حسين إلى العاصمة التركية العام 1893 في عهد السلطان عبد الحميد.. وعاش هناك مع أولاده حتى العام 1908.. (أي 15 سنة منفياً عن بلاده).

ـ تزوج فيصل ابنة عمه حزيمة بنت الشريف ناصر بن علي العام 1905.. وأنجب منها ولدٌ.. وثلاث بنات.

ـ العام 1909 عاد مع والده الى مكة.. وبدأ حياته السياسية العملية.. حيث رشح نفسه نائباً عن مدينة جدة.. وفاز في الانتخابات وأصبح عضواً في مجلس المبعوثان.. حتى قيام الحرب العالمية الأولى العام 1914.. فعاش فترة في اسطنبول ثم عاد الى الحجاز.

الثورة العربية الكبرى:

ـ كان فيصل الأكثر حماسة بين أبناء الشريف حسين لإعلان الثورة ضد الأتراك.

ـ قد يعود ذلك الى اتصاله برجال الحركة العربية في سورية.. حيث بدأ فيصل يتصل بالقوميين العرب العام 1915.. وكان عضوا في جمعية العربية الفتاة.

ـ كانت فكرة العمل القومي قائمة على الاستقلال للعرب مع اختلاف في الوسائل.. فالبعض يراها بالتفاهم مع الأتراك.. والبعض يراها بالثورة والتعاون مع بريطانيا.. ويبدو أن فيصل كان ميالاً إلى التفاهم والتنسيق مع تركيا.

ـ خلال الحرب العالمية الأولى التقى كبار المسؤولين الأتراك بدأً بالصدر الأعظم من أجل حشد جيش عربي يقاتل مع تركيا مقابل الاستقلال للعرب بعد الحرب.

ـ لكن الموقف تغير بعد الاعتقالات والإعدامات التي نفذها والي دمشق جمال باشا السفاح.. خاصة إعدام مجموعة من قيادات العرب في السادس من أيار العام 1916.

ـ أعلنت الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن علي على الأتراك في حزيران العام 1918 بمناصرة من بريطانيا.

ـ أعلنت الحجاز مملكة عربية بقيادة الشريف حسين بن علي.. وتحركت جيوش الثورة العربية بقيادة فيصل من العقبة باتجاه الشام حتى أمكن دخول دمشق العام 1918

ـ قاد فيصل جيشاً عربياً من الحجاز إلى جدة واحتلها.. ثم واصل زحفه إلى المدينة المنورة ثم إلى العقبة.

ـ وأعلنت مملكة عربية في سورية. باسم “السلطان أمير المؤمنين الحسين بن علي”.. وأعلن فيصل بن الحسين ملكا على سورية.

الحكم العربي في سورية:

ـ كلف الملك فيصل رضا الركابي تشكيل أول حكومة عربية لسورية.. وكان من معاونيه عادل أرسلان.. ورشيد طليع.. وإسكندر عمون.. وساطع ألحصري.. ويوسف العظمة.. وياسين الهاشمي.

ـ العام 1920 احتلت فرنسا سورية.. بعد معركة ميسلون مع الجيش السوري بقيادة يوسف العظمة.

ـ كانت معركة غير متكافئة قاتل فيها السوريون بصمود وبسالة حتى استشهد من جيشهم المكون من ثلاثة آلاف مقاتل 800 شهيداً.. على رأسهم يوسف العظمة.. وقتل من الفرنسيين 300 جندياً.

مملكة العراق:

ـ احتلت بريطانيا العراق في الحرب العالمية الأولى.. واندلعت العام 1920 ثورة كبيرة ضدها.
ـ وجدت بريطانيا أنها بحاجة إلى أن تسمح للعراقيين بحكم أنفسهم لتخفيف الأعباء والتوتر القائم.. فكلفت عبد الرحمن الكيلاني تشكيل حكومة تنسق مع المندوب السامي البريطاني.. وعين لكل وزير في الحكومة مستشار بريطاني يمتلك صلاحيات واسعة.

ـ عقد في القاهرة العام 1921.. مؤتمرالصلح.. لترتيب الأوضاع في العراق بإشراف وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل.. وحضره قادة الحكومة العراقية.

ـ قرر المؤتمر تأسيس المملكة العراقية.. ورشح في هذا المؤتمر فيصل بن الحسين ليكون ملكا للعراق.. فأبرق القادة العراقيون للشريف الحسين بن علي يطلبون أن يكون فيصل ملكاً على العراق.

ـ سافر فيصل من جدة إلى العراق العام 1921 وأجري استفتاء شعبي في العراق على الملك فيصل.

ـ كانت نتيجة الاستفتاء الموافقة عليه ملكا بأغلبية كبيرة تصل إلى 97% .. لم يشارك الاكراد في الاستفتاء.

ـ توج ملكاً على العراق في 23 آب 1921 وأعلن مجلس الوزراء العراقي مبايعته ملكاً.

ـ اضطلع الملك فيصل وحده بأعباء الملك والحكم والزعامة في هذه الحال المضطربة.

ـ فكفكف بحكمته من شر الانتداب.. وخفف بحنكته من عسف الوزارة ولطف بحلمه من غضب الشعب.

ـ وصرف من شؤون الدولة على قدر ما يسلم الراي الحصيف من خبث الاستشارة وضعف الوزارة.

ـ سهل حجابه لأمراء العشائر ورؤساء الطوائف.. وزعماء الأحزاب فاستل ما في صدورهم بالقول اللين والعتاب الهين والشخصية الجذابة.. حتى كان الرجل منهم يدخل قصره وهو عليه فلا يخرج منه إلا وهو له.

ـ وقعت معاهدة بين بريطانيا والعراق تنظم العلاقات والصلاحيات بينهما.. وكانت هذه المعاهدة تقنيناً للانتداب البريطاني .

ـ عمل فيصل والساسة العراقيين عملوا على تطويرها.. والتعديل عليها حتى أمكن الوصول إلى حالة هي أفضل من الانتداب.. وأقل من الاستقلال.

ـ كان فيصل يستعين بالمعارضة الشعبية والسياسية والرأي العام لتعضيد موقفه تجاه الإنكليز.. حتى إن برسي كوكس المندوب السامي اعتبره خطيراً على بريطانيا وأنه يحرك الهياج الشعبي.. وسرب بنود مشروع المعاهدة قبل توقيعها إلى الصحافة العراقية المعارضة.

ـ كان الملك فيصل واعياً لحاجات العراق متفهماً لواقعه ومدركاً.. فقد كان العراق في القرون الخالية.. مهد المدنية والعمران.. ومركز العلم والعرفان.. فأصبح بما نالها من الخطوب والحوادث.. خالي من أسباب الراحة والسعادة.

ـ وفقد فيه الأمن وسادت الفوضى.. وقلّ العمل.. وتغلبت الطبيعة وغارت مياه الرافدين في بطون البحار.. فأقفرت الأرض بعد أن كانت يانعة نضرة.. وطغت القفار على المعمور.

ـ وأصبحت المدن التي قويت على مقارعة النائبات أشبه شيء بواحات واسعة.. فنحن الآن تجاه الحقيقة المؤلمة.. ولا يجدر بشعب يريد النهوض.. إلا ان يعترف بهذه الحقائق.

ـ لم يكتف فيصل بطرح الأفكار.. بل حاول وضعها موضع التنفيذ.. فراح يمارس الضغط على شركات النفط.. للتخلي عن سياسة المماطلة والتسويف في استثمار النفط وإخراجه الى الأسواق العالمية للحصول على المبالغ اللازمة لتنفيذ المشاريع التي تحتاجها البلاد.

ـ مما أدى الى تصادمه مع الحكومة البريطانية التي كانت تدعم “شركة نفط العراق”.

ـ كما حاول الملك تعديل المعاهدة مع الحكومة البريطانية التي وقعّت العام 1922 لأنها مجحفة بحق العراق كما كانت تعتبرها الحركة الوطنية.

ماذا حصل ليلة وفاة الملك فيصل الأول ؟:

ـ شاءت الأقدار ألا يحقق الملك فيصل أمنياته تلك إذ وافته المنية بعد سنة من تحقيق الاستقلال العام 1932.

ـ ففي الساعة الحادية عشرة والنصف من ليل يوم الخميس السابع من ايلول 1933 استدعى الملك ممرضته وأمرها بأن تدعو حاشيته للحضور حالاً.. فصعد إليه شقيقه الملك علي.. ونوري السعيد.. ورستم حيدر.. وتحسين قدري.. ووجدوه يلفظ أنفاسه الأخيرة.

ـ في الساعة 11 و45 فاه بهذه الكلمات: “أنا مرتاح.. قمتُ بواجبي.. خدمت الأمة بكل قواي.. ليسر الشعب بعدي بقوة واتحاد”.

ـ رحل فيصل في الغربة حيث كان يستشفي في مدينة بيرن السويسرية في فندق “بيل فو” .. كانت وفاته بنوبة قلبية.. كما جاء في التقرير الرسمي.

روايات وفاته:

تعددت الروايات حول وفاة الملك:

الرواية الاولى: رواية موسى الشهبندر:

ـ يروي موسى محمود الشهبندر الذي كان احد أعضاء الوفد المرافق للملك ساعاته الأخيرة فيقول: “بعد العشاء كان الجميع مجتمعين حسب العادة في بهو الفندق.. وكان الملك علي يتحدث مع الأمير شكيب أرسلان في إحدى زوايا البهو.. في الوقت الذي انشغل فيه الملك فيصل الأول وعادل أرسلان في حديث عميق.. أما بقية أعضاء الحاشية فقد كانوا منشغلين بمتابعة مباراة بكرة المنضدة (أي كرة الطاولة) بين سيدة انكليزية وأحد رجال الوفد.

ـ في تلك اللحظة نادى فيصل علي موسى الشهبندر.. وقال له: تعال يا أبا شرارة ـ يقصد موسى ـ قل الحق من اكبر أنا أم عادل؟ وقبل أن يرد الشهبندر.. واصل الملك كلامه: عادل كان مبعوثا عندما كنت أنا لم أزل ادرس في اسطنبول.
ـ قل بالله عليك من اكبر هو أم أنا ؟ وبالفطنة والذكاء اللذين عرف بهما الشهبندر.. أجاب: جلالتك اكبر.. وان كان الأمير عادل قد ولد قبلك.. وهنا أدرك فيصل نباهة الشهبندر.. وحسن إجابته فضحك فرحا كالطفل”.. وبعد ساعات مات الملك فيصل.

الرواية الثانية:

ـ رواية الممرضة البريطانية الليدي باجيت:

ـ شاهدته الممرضة يوم وفاته بعد عودته من نزهة السيارة.. وهي تعتقد انه كان بصحة جيدة.. وكانت الساعة تشير الى السادسة مساء.. وكانت ترافقه امرأة هندية جميلة المظهر.. وكذلك أخوها الطبيب.. ولم تتأكد (الليدي) من كان مع الملك عند تناوله الشاي.. وفي الساعة السابعة شعر بعطش شديد فأعطي شيئا ليشربه فتقيأ بشدة.

ـ فيما سرت شائعة تقول أن الملك مات مسموما بمادة الزرنيخ .. ويبقى السؤال هل مات ميتة طبيعية أم قتل بمؤامرة دبرت له؟

ـ الدكتور كوفر المشرف على صحة الملك لم يتخذ الإجراءات لفحص القيء.. كما كان يجب أن يفعل لمعرفة فيما اذا كان فيه سم.

ـ كان ثلاثة أطباء سويسريين مشهورين قد اجروا فحوصات للملك قبل وفاته بيومين.. وأكدوا إن قلبه لا يعاني من شيء خطير.. كذلك لم يجر تشريح دقيق للجثة لمعرفة أسباب الوفاة بل جرى تحنيطها بسرعة.

ـ كان الملك قد صرح لمراسل جريدة “الديلي ميل” في بيرن انه جاء لإجراء فحوص سنوية طبية أي انه لم يأت للعلاج من مرض معين.

ـ تشير الحقائق الطبية الى إن المصاب بالتسمم بالزرنيخ المذاب بالشاي والحليب يشعر عادة بعطش شديد ودوار وألم شديد في المعدة.. مع تقيؤ يعقبه هواء.. أي تقيؤ من معدة فارغة.. وقد تسبب حالة التسمم هذه عجزا في القلب.. مما يرجح فرضية إن يكون السم قد دس في الشاي الذي شربه الملك قبل ساعات.

ـ هناك من يتهم المرأة الهندية (المس) بابس بافري التي كانت مع شقيقها الدكتور جال بافري في ضيافة الملك هي التي دست السم او شاركت في ذلك.

ـ الذي يرجح إن سبب الوفاة مفتعل إن رئيس التشريفات الملكية قال: “إن فيصل قد قتل”.. لكنه لم يدرك من هو القاتل!

ـ هناك من يتهم نوري السعيد الذي أمر بتحنيط جثة الملك ونقلها بسرعة الى العراق.

ـ هناك روايات أخرى حيث يلخص ناصر الدين النشاشيبي في كتابه “نساء من الشرق الأوسط” سبب وفاة الملك فيصل فيقول:

“هناك فتاة يهودية مصرية باسم فيكي أو (فيكتوريا حكيم) تسكن في منطقة المعادي بالقاهرة وتجيد التحدث بأكثر من لغة أجنبية (الانكليزية.. والفرنسية.. والايطالية).. كما تجيد لعبة البريدج.

ـ كانت فيكي وعائلتها يقضون أشهر الصيف في رأس البر.. وشاءت الصدف أن تتعرف عائلتها الى رستم حيدر.. الذي وقع في حب فيكي.. فوعدها بأن لا يفارقها مطلقاً.. وانه سوف يضمها الى الحاشية الملكية.

ـ وقد علم رستم بأن فيكي كانت قد درست التمريض في المستشفى الإسرائيلي بالإسكندرية.. واشتغلت في ذلك المستشفى.

ـ بعد فترة قصيرة تلقت فيكي برقية مستعجلة من رستم حيدر يطلب فيها أن تعد نفسها لكي تقوم بمهمة الممرضة الخاصة للملك فيصل الاول.

ـ وفي شهر آب سافر الملك ومعه أخوه الملك علي ونوري السعيد ورستم حيدر وتحسين قدري الى سويسرا لغرض العلاج.

ـ وفي ميناء الإسكندرية التحقت فيكي بالحاشية الملكية.. لقد أعجب الملك بها مثلما.. وقعت هي بحب الملك.. أو هكذا كان شعورها”.

ـ يتابع النشاشيبي سرد قصته فيقول: “رأيت فيكي بعد موت الملك وقد جاءت الى مدينة لوزان برفقة زوجها احمد صديق باشا (محافظ الإسكندرية).. وعيّن بعد زواجه بها سفيراً لمصر في اليابان.. وسألتها عن قصتها مع الملك فيصل الاول فانزعجت لسؤالي ولم تجبني.

ـ وعندما مرضت فيكي بالسرطان زرتها في المستشفى وذكّرتها بسؤالي ثانية فأجابت: “أنا كنت صغيرة.. لكني اذكر إن شخصية بريطانية غامضة قد اتصلت بيً فور إقلاع الباخرة من الإسكندرية.. ودعتني الى تناول فنجان شاي.. وكشفت لي عن منصبها وعملها.. وطلبت مني بصراحة تامة أن أوافيها على مدى الأربع والعشرين ساعة بتفاصيل حالة الملك الصحية.. ونوع الحقن التي يأخذها.. وأقراص الدواء التي يتناولها وحركاته ونشاطه.

ـ ثم قالت ليً تلك الشخصية إن رستم حيدر لا يعترض على مثل هذا العمل.. وانه على علم تام به.

ـ وتتابع قائلة: وفي فندق “بيل فو” اختاروا لي غرفة ملاصقة لغرفة الملك.. وكانت مهمتي أن أرافقه معظم ساعات الليل والنهار.. وكنتُ أول من يدخل عليه في الصباح وآخر من يراه عند منتصف الليل.

ـ وفي اليوم الثاني من وصولنا الى بيرن سلمني طبيب الملك الخاص مجموعة الحقن التي سأعطيها للملك.. وهو الذي اختار له العلاج.. وشرح لي كيفية استعماله.. وطلب مني أن أوافيه بتقارير سرية عن حالة الملك الصحية اثر كل حقنة من العلاج أعطيها له.

ـ وقد جاء السفير البريطاني في بيرن الى الفندق ودق عليّ باب غرفتي ودخل وشرح لي بأن رئيس الديوان الملكي (رستم حيدر) على علم بهذه الزيارة.. وطلب مني أن أطلعه على علب الحقن التي يتناولها الملك وعلى بقية الدواء الخاص به.

ـ فجأة دق جرس التلفون.. وسمعت صوت رستم حيدر يطلبني لأمر مهم.. فتركت السفير البريطاني في غرفتي.

ـ عندما عدت إليها وجدتٌ جميع الحقن وأقراص الدواء.. قد أعيد ترتيبها بعناية خاصة.. وبنظام يلفت النظر.. بحيث لم اعد واثقة تماما من إن هذه العشرات من مجموعات الحقن وعلب الدواء هي مجموعات العلب والحقن نفسها التي تركتها.

ـ لم اقدر أن اطلب من السفير أن يفتح لي حقيبة يده كي افحص ما بداخلها.. ولم اقدر أن أحصي عشرات من العلب كي اعرف ماذا نقص منها.. وماذا زاد عليها.. وما تبدل منها؟

ـ أدرك السفير البريطاني حيرتي فاستأذن لارتباطه بموعد سابق على أن يتصل بي في المساء.. وفي المساء وبعد عودتي الى غرفتي بعد أن أعطيت الحقنة الطبية للملك ـ لكي أستريح ـ وجدتُ السفير البريطاني في انتظاري.

ـ حيث أمطرني بعشرات الأسئلة عن صحة الملك.. ولم أجد ما يبرر هذه الأسئلة.. لأنني كنتُ انقل كل شيء عن صحته الى رستم حيدر.

ـ بعد يومين من هذه الواقعة ذهب الجميع الى الجبل المجاور للفندق تلبية لدعوة عائلة هندية معروفة.. وكان الملك في ذلك اليوم بكامل نشاطه وموفور الصحة.. لكن عندما عاد بعد الظهر بدأ يشعر بضيق في الصدر وتعب في الجسم.. فأعطيته الحقنة اللازمة.

ـ وقبل حلول العشاء سمعتُ صوت حسين قدري يناديني من وراء الباب كي آتي بحقنة إنعاش لإعطائها للملك فوراً.

ـ وعند دخولي وجدتُ الملك مستلقيا فوق سريره.. وقد ارتسمت خطوط زرقاء فوق وجهه.

ـ رفعت سماعة التلفون لطلب الطبيب الخاص.. واتصلتُ بالسفير البريطاني لكي ادعوه.. لكن السفير وفي ضوء حساباته وتوقعاته كان جالساً في بهو الفندق في انتظار المفاجآت.

ـ حضر الطبيب وأعطيتُ الإسعافات اللازمة للملك.. لكن الموت كان اقوى من كل شيء.. إذ أغمض عينيه.. وفارق الحياة بعد ساعة واحدة.

ـ كان موجوداً على سرير الملك عند وفاته كل من:
رستم حيدر.. وتحسين قدري.. والممرضة فيكي.. والسفير البريطاني.. (يلاحظ عدم وجود نوري السعيد معهم)”.

ـ يتابع النشاشيبي روايته فيقول: “عندما سألتها عن أسماء الأشخاص الذين يحملون سر وفاة الملك فيصل في صدورهم.

ـ قالت فورا: كان رستم حيدر يعرف سر القصة.. لكن الذين يعرفون عنه ذلك قرروا التخلص منه.. فأرسلوا إليه مفوض شرطة مفصولا من عمله أطلق عليه الرصاص في مكتبه منتصف شهر حزيران العام 1940”.

ـ فهل كان لنوري السعيد ضلع ومعرفة بقتل الملك فيصل؟

ـ واذا كان لرستم حيدر دخل في مقتل الملك فيصل الاول العام 1933 فلماذا جرت تصفيته بعد سبع سنوات.. أي في العام 1940؟