18 ديسمبر، 2024 7:10 م

في ذكرى “هزيمة” الانفصاليين..

في ذكرى “هزيمة” الانفصاليين..

في مثل هذه الأيام قبل عامين كانت غرفة الاجتماعات في قصر زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزانى بمصيف صلاح الدين تشهد استقبال وتوديع العديد من الوفود والمستشارين وأغلبهم صحفيون وكتاب “صهاينة” مهمتهم تقديم الاستشارة وتحليل نتائج الاستفتاء على الانفصال الذي حاول من خلاله البارزاني “خداع” المواطنين الكرد بانه يسعى لتحقيق حلم الدولة كردية، والتغطية على احلامه بالبحث عن إنجازات تجعله “الزعيم الأوحد” حتى لو تطلب الأمر تدمير البلاد والعباد.
تلك الساعات وما رافقتها من احداث وصور ما زالت عالقة في مخيلتي لأسباب عدة ابرزها التأييد الاسرائيلي اليتيم لتحركات البارزاني ومحاولاته الانفصالية، فجميع الدول وقفت ضد هذا المشروع الذي يراد منه “تمزيق جسد العراق” باستثناء “الصهاينة” الذين ارسلوا التهاني والتبريكات على شكل مستشارين يقدمون النصح للبارزاني، والجميع يذكر اللقاء الذي جمع “عراب الاستفتاء” بمستشاريه وكان بينهم الصهيوني برنارد ليفي الذي يوصف بانه “فيلسوف الحرب” لمساهمته في اثارة الكثير من “الفتن” في الدول العربية أيام مايعرف “بالربيع العربي”، لكن هذه المرة غير وجهته نحو الحزب الديمقراطي الكردستاني كمستشار يقدم الخدمات والنصائح بتوجيه مباشر من قياداته في تل ابيب.
وبالعودة إلى سجل تاريخ العلاقة بين الصهاينة وحزب البارزاني سنجد زيارات سرية متبادلة بين الطرفين، على مستوى ناقلي الرسائل، من بينها زيارة لاحد مستشاري البارزاني قبل خمسة اشهر من اجراء الاستفتاء وهو ما ذكرته صحيفة “جيروزاليم بوست” الاسرائيلية في عددها الصادر في الثاني عشر من حزيران في العام 2017، لتخبرنا ان الهدف من الزيارة كان تجنيد الدعم لمشروع انفصال كردستان والحصول على إسناد إسرائيلي وتعهد بمحاولة تأمين دعم أميركي لمواجهة رفض بغداد، والتغلب على حذر بعض الأطراف الدولية من محاولة البارزاني، وتكمل الصحيفة الاسرائيلية في تقريرها، ان من بين الشخصيات التي التقاها مبعوث البارزاني، وزير الداخلية السابق في حكومة بنيامين نتيناهو، جدعون ساعر، والذي يعد الرجل الثاني في حزب “الليكود” الحاكم، وهو اكثر القادة السياسيين الإسرائيليين حماساً لإعلان الدولة الكردية، لتنقل الصحيفة عن ساعر، تأكيده أن “هناك تشابهاً بين المسألة الكردية والمسألة اليهودية على اعتبار أن اليهود والأكراد يمثلون أقليتين في الشرق الأوسط”، لكن ورغم هذا الدعم والتحرك “الصهيوني” فشل زعيم الحزب الديمقراطي بتحقيق غاياته بعد مواجهة رفض دولي ومحلي لتحركه الانفصالي.
نعم.. ان البارزاني حاول استغلال العلاقة القديمة المتجددة مع تل ابيب التي كشفت للعلن لأول مرة مع نشوب الحرب بين ايران والعراق في نهاية شهر أيلول من العام 1980، ليعلن حينها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن، أن إسرائيل قدمت الدعم للملا مصطفى البارزاني طوال عشر سنوات من العام 1965 إلى العام 1975،، لكن هذا الدعم الذي يتحدث عنه الصهاينة لم يكن من اجل “عيون الشعب الكردي”، إنما لاهداف وغايات معروفة، اولها قيام كيان يخترق الدول الأربع الأعداء لاسرائيل وهي (العراق وسوريا وتركيا وايران) وهذا التوجه ليس جديدًا فهو يمتد لعشرات السنين حين ما كشفه رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق ديفيد بن غورين في ستينيات القرن الماضي، حينما تحدث عن نظرية “الطوق الثالث” التي كانت تستهدف الأكراد واليهود، بشكل خاص، في حين يتركز الهدف الرئيس للدعم الصهيوني لإقامة كيان منفصل للأكراد على “ضرب طهران وأنقرة” فحلم تلك الدولة يتطلب اقتطاع اجزاء كبيرة من ايران وتركيا، لإنهاء الخطر الذي يهدد الصهاينة القادم من تلك الدولتين، وهو ما يفسر انطلاق بعض الهجمات الاسرائيلية التي استهدفت ما اطلق عليه “المصالح الإيرانية في المنطقة” من أراضي اقليم كردستان.
الخلاصة… ان خسارة البارزاني لمنصبه كرئيس لإقليم كردستان والتحرك العسكري الذي قاده في حينها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي لاستعادة كركوك والمناطق المتنازع عليها وإجبار قوات البيشمركة على العودة إلى حدود أربيل ماقبل 2003، كان نتيجة طبيعية اعادة “لمفهوم الدولة هيبتها” بعد محاولة البارزاني “الفاشلة” بالانفصال، لكن سياسة “التراخي” التي يمارسها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي مع زعيم الحزب الديمقراطي دفعته لجعل الذكرى السنوية لهذا التحرك، مناسبة يحتفل بها اتباعه على الرغم من “خسارته المذلة”… اخيرا.. السؤال الذي لابد منه،، متى يتعظ البارزاني من هزيمته بالاستفتاء؟..