10 أبريل، 2024 7:42 ص
Search
Close this search box.

في ذكرى مرور عقد على انهيار نظام الطاغية

Facebook
Twitter
LinkedIn

حلّت علينا الذكرى العاشرة لسقوط الديكتاتورية في التاسع من نيسان 2003، حيث كان الحكم تسلطياً ويتعامل مع المواطنين كرعايا واتباع يؤمرون فيطيعون ويواجهون الموت بشتى اشكاله واساليبه ان طالبوا بحقوقهم في الحرية التي فقدوا ابسط مقوماتها وممارساتها، فقد انتهكت الحرمات وعاش البلد اجواء الحروب المدمرة بشرياً واقتصادياً، بحيث اصبح التدخل الاجنبي (مقبولاً وليس محرماً) وهذا خلاف لما كان يريده الشعب العراقي وقواه الوطنية من تحرر وحرية وتغيير يقوم به ضد الديكتاتورية.
 والمؤلم او الطريف معاً انه لم يجر الاستقرار على مسمى لاحداث التاسع من نيسان 2003، فالبعض يسميه تحريراً والاخر احتلالاً او تغييراً، وأزاء هذه الحالة المضطربة وغير واضحة المعالم والابعاد فقد تشكلت العملية السياسية في البلاد على اسس غريبة لم يألفها مجتمعنا في السابق، فقد قامت على المحاصصة والطائفية السياسية، وهكذا تشكل مجلس الحكم بقيادة (بريمر) الذي كان يمثل جميع السلطات التشريعية والتنفيذية، وبعد ذلك تشكلت الحكومة والمؤسسات وفق هذه الاسس، مما ادى الى تعميق الانقسامات وجرى التجاوز على القانون واموال الدولة. وكان من اهم ما ارتكبته الادارة الاميركية من حماقات هو اصدار قرار مجلس الامن الدولي المرقم 1483 في 2003/5/2، والذي تم بموجبه جعل العراق بلداً محتلاً، وتوالت قرارات بريمر التي ادت الى انهيار الدولة ومؤسساتها فقد قام بحل الجيش العراقي واشاعة الفوضى والمزاجية في العملية السياسية واختيار عناصر غير كفوءة وغير مختصة في ادارة شؤون البلاد المنهارة والتي تحتاج الى خبرة كبيرة لاعادتها الى اداء مهماتها الكبيرة في اعادة البناء ووضع قواعد قيام الدولة الجديدة.
وكان من اكثر ما يحزن المواطنين مشاهدتهم لقوات الاحتلال وهي تتفرج على نهب المؤسسات الرسمية وتدميرها ومنها المتحف العراقي، والذي يؤسف له حقاً اننا كنا نرى البعض من (قادتنا) يبتهجون بهذه القرارات ويعدونها تأريخية، ولا تقل اهمية عن قرار اسقاط الطاغية، لذلك فان القرارات والسياسات التي اتبعتها القوى الحاكمة الجديدة خيّبت الامال وخذلت ابناء شعبنا وتضحياته عبر عقود من النضال.
اما في المرحلة الثانية التي تلت الانسحاب الاميركي وآثاره المدمرة، فقد كان ابناء شعبنا يعقدون الامال على مرحلة جديدة تتخلص فيها من آثار الديكتاتورية وفجور الاحتلال، ولكن السنوات العشر المنصرمة خيّبت الآمال، فقد تخلّت العملية السياسية عن اسس وقواعد المساواة بين ابناء المجتمع، وتحولوا الى رعايا متعددي الولاءات والانتماءات، وغابت المشاركة السياسية الحقيقية في ادارة البلاد، واصبح الانفراد بالسلطة واضحاً للعيان، بحيث بتنا نعيش عصر سيادة الطوائف والقبائل بكل ما يحمله من تخلف وتفرقة بين ابناء الشعب. فعلى الصعيد الامني مثلاً بدت الانهيارات واضحة للعيان، ففي كل جمعة تعرض القنوات التلفزيونية جثث العراقيين متناثرة في الجوامع والحسينيات والاسواق الشعبية والشوارع في كل مكان من المدن والقرى، من دون وجود اي بريق امل في ايقاف هذا المسلسل الدامي، وحتى من دون ان نسمع باتخاذ أية خطوات عن محاسبة المقصرين، فالى متى تستمر هذه المشاهد ويجري ازهاق ارواح العراقيين بالجملة من دون وجود اية خطط جادة لوقفها؟
اما على الميدان الخدمي فمشكلاتنا تتفاقم، وقد داهمنا الصيف والمشكلات السنوية قائمة، فالكهرباء لم يجر حل انقطاعها المستمر، وكذا الامر مع مياه الشرب والصرف الصحي، وتفاقم مشكلات السكن، مع عدم وجود علاج جدي لتخلف الخدمات الصحية.. والقائمة لا تنتهي في مجالات المعاناة الشعبية، فما زلنا نعاني من تراجع القطاعات الانتاجية الاساسية وخصوصاً في مجالي الزراعة والصناعة وبتنا نستورد كل شيء، وتحولنا الى دولة ريعية بامتياز، فكل شيء مصدره إيرادات النفط مع تخلف كامل في القطاعات الاخرى.
اما الفساد المالي والاداري فحدّث ولا حرج، فقد اختلت المقاييس والقواعد، واصبحت الوظيفة غنيمة تقتصر على القوى الحاكمة واتباعها، والاهم من ذلك كله ان الخلافات بين مكونات العملية السياسية وصلت الى حد يؤدي الى تقسيم البلاد، كما تلوح في الافق مخاطر الحروب الاهلية، في حين ان المحافظات تتنازع مع بعضها حول الحدود والمياه والكهرباء وغيرها.
ان ابناء شعبنا اصبحوا يتخوفون على مصيرهم ومصير بلادهم في ضوء حصاد العقد المنصرم، وبذلك يمكننا القول ان لا طريق للحل إلاّ بالحوار بعيداً عن الاستئثار، مع الاعتراف بالاخر، واشاعة روح المصالحة الحقيقية، وليس الالتحاق بالقوى الحاكمة، مع ضرورة معاملة جميع العراقيين في اطار من المساواة في الحقوق والواجبات، وهذا يتطلب في المرحلة الراهنة عقد مؤتمر وطني يضم جميع القوى الوطنية المشاركة في السلطة وغير المشاركة، لوضع قواعد جديدة للعملية السياسية، تلغى فيها المحاصصة والطائفية السياسية في الوطن الواحد، ليعيش الجميع بامن وسلام، وفي ظل دولة مدنية ديمقراطية ومساواة. وبعكس هذا فليس أمام العراقيين، إلا الحروب الاهلية وتفتيت المجتمع ووحدة البلاد.
* الامين العام للحركة الاشتراكية العربية

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب