عام ١٩٧١ وكنت حينذاك طالبا في المرحلة الثانية في قسم الصحافة – كلية الآداب – جامعة بغداد قد حصلت على عمل في مجلة الإذاعة والتلفزيون الأسبوعية على اثر توسط المفكر الكبير المغيب عزيز السيد جاسم اذ كانت تربطني به علاقة لها أساس عائلي ومناطقي ، وكان رئيس المجلة آنذاك زهير الدجيلي رحمه الله وايضاً بيننا معرفة مناطقية كونه وانا من مدينة الناصرية ،
تقبلني المرحوم زهير لسبب كوني في طريقي للحصول على شهادة جامعية – بكلوريوس – في الصحافة اذ كانت هذه الدورة هي الثانية بعد افتتاح قسم الصحافة
وقال لي زهير بعد اول مقابلة لي معه ستعمل في بداية الامر في الارشيف وإذا كنت من المتابعين وتحرص على ان تكون صحفي عليك ان تقرأ كل كلمة ترد في العمود الصحفي او المقال او الخبر او التحقيق وشدد علي ان لا أنسى ملاحظة اخراج وتصميم الحصف والمجلات وأخيرا طلب مني ان اقدم له تقريرا يوميا حول اهم الأحداث التي تناولها الصحف والمجلات التي كانت ترد إلينا.
وعملت بهذا الاتجاه وكنت أتلقى ملاحظات إيجابية من رئيس التحرير بشأن حسن اختياراتي لما أقدمه من تقارير وأرشفة الموضوعات والصور الامر الذي جعله يخصص لي مكتبا بجانب مكتبه في الشقة الضيقة التي كانت في الطابق الثالث من مبنى وكالة الأنباء العراقية في الصالحية بعد ان انتقلت الى بنايتها على شارع ابي نؤاس
في الجانب الاخر كان مساحة مكتب المجلة على الرغم من ضيقه يعج يوميا بعشرات الصحفيين الكبار في السن قياسا بعمري الذي لايتجاوز الواحد والعشرين عاما وكنت اخشى امرهم واخاف من ثقافتهم وممارساتهم الصحفية كي لا أبدو جاهلا او متخلفا او لست بذات المؤهلات التي يمتلكونها.
وللحق كان رئيس التحرير يعرفني بهم ويشدد على أني طالب في قسم الصحافة كلية
الآداب وكنت حريصا ان اكسب صداقتهم وودهم وحرصت ايضا ان أكون متواضعا في طلبي ان أكون فخورا بكم اذ اتعلَّم منكم بعضا من تجربتكم العميقة وكلهم وبدون استثناء تحسسوا مشاعري وصرت الصديق المحبب للجميع
لم أكن اعرف من هم هؤلاء البشر ولم تكن لي دراية بأنتماءاتهم السياسية كنت اعرفهم كصحفيين اقرأ اسماء البعض منهم في الصحف والمجلات وبصراحة وبعد ان توطدت علاقتي بهم وصاروا يصطحبوني الى جلسات بعد انتهاء عمل المجلة والاستماع الى احاديث ومناقشات واراء اكتشفت انني في وسط شيوعي بامتياز ولم ارتعب من هذه المفاجئة بل أحببتها واحترمتها كونها بدأت تضيف لي قيمة فكرية وثقافية ومهنية ربما لولاها لما كنت عليه الان
لكن وللتاريخ والامانة لم يحدثني او يطلب مني اي من تلك الشخوص الانضمام او الانتماء الى الحزب الشيوعي
وفعلا لم انتم للحزب الشيوعي لكنني تأثرت بثقافة الحزب الشيوعي ولم أعلن ذلك بل أبقيت هذا المنهج في داخلي كسلوك ومبدأ
ازاء هذه المخرجات ومن خلال الرصد المستمر لجلاوزة سلطة البعث اعتبروني شيوعيا وتم بالفعل نقلي من مجلة الإذاعة والتلفزيون ومعي في كتاب النقل المفكر والكاتب الكبير جاسم المطير الى مؤسسة السينما والمسرح بعد ان تم إلغاء المخصصات التي كنّا تتقاضاها وكذلك تم نقل وطرد كل العناصر الشيوعية التي كانت تعمل في المجلة وعددهم اكثر من ١٢ عنصر اتذكر أسمائهم بالتحديد ولااريد ذكرهم لاسباب تتعلق باحترام وتقدير الخصوصية وامضينا ثلاث سنوات في هذه المؤسسة نداوم في مكتبتها ونحل الكلمات المتقاطعة التي نعثر عليها في الصحف والمجلات التي ترد يوميا للمكتبة
لكننا لم نطلب من جلاوزة السلطة بعد عام ٢٠٠٣ ان يحتسبوا الغبن الذي لحق بِنَا لأننا إشراف وكبار في الوطنية والمبدأ والانتماء لا ان نكون مثل حالة الحفاة من ذوي رفح وبدعة الخدمة الجهادية
الحقيرة وأكذوبة السجناء السياسيين
ولي معكم قصص اخرى من ارشيف الذاكرة
:
………. رياض