حين تحدثت تلك المرأة المسيحية القادمة من الموصل عن مأساتها لجمهور الندوة التي اقيمت في ذكرى (سقوط الموصل ) على أيدي داعش وكيف هجروها وفجروا منزلها وقتلوا اناسا وجردوا امرأة من ثيابها وجلدوا اخرى امامها ، واعقبتها طفلة سطرت معاناتها وهي تغادر مدينتها الرمادي هربا من داعش ، صمت الحضور .. انصت الحضور ..تفاعلوا مع المرأة والطفلة لدرجة ان بعضهم ذرف معهن الدموع ، ومن ثم تعاقبت الكلمات والدعوات الى انقاذ اهالي الموصل والرمادي وتناول الحضور المشروبات الغازية و( البتي فور ) والتقطوا صورة تذكارية جماعية ثم غادروا القاعة مسرعين لملاحقة مشاغلهم الخاصة ..
وحدها جدران القاعة رددت صدى نحيب المرأة ثم اختزنته وغاب في فراغها كما ستغيب اصوات مذبوحة اخرى ربما ستستقبلها نفس القاعة وقاعات احتفالية اخرى في العام المقبل حين تمر الذكرى الثانية لسقوط الموصل ، فنحن شعب بتنا نجيد تحويل هزائمنا الى احتفالات استذكارية لنديم شعورنا بالتفاعل مع احداث بلدنا ..نحن اناس بلا خيال ولاتسامح ..افقنا ضيق ونظرياتنا منفصلة عن الواقع ، مصطلحاتنا جوفاء وقيمنا تخضع للتقليد ونظمنا متكلسة ، نخطيء في الحكم على الاشياء ولايستهوينا تصحيح اخطاءنا بل تمسكنا بها ..نحن نستحق ان نحمل لقب ( المجوفين ) الذي يطلقه ت.س.اليوت على من يحمل صفاتنا ..ولانريد ان نملأ فراغ نفوسنا بالفهم الصحيح للأحداث والسعي الصحيح لمعالجة الاخطاء ، بل نواصل الاستمتاع بكوننا ضحايا لعدو قاهر لايمكننا مواجهته وحكومة عاجزة عن انقاذنا منه وديمقراطية عرجاء ، عوراء ، خرساء ، معاقة لايمكنها ان تصنع منا دولة حقيقية ..
لماذا لانعترف بان الديمقراطية في العراق تشكلت من مجموعة من الذئاب ومن حمل يقوم بالتصويت على من سيحظى بتناوله قبل صاحبه ..وباننا ضحايا لسياسيين يتسابقون على كيفية استغلال حياتنا لصالحهم ..لماذا
نحاول اغماض اعيننا عن الحقائق فلن يغيرذلك شيئا لمجرد اننا لانريد ان نراها ..ستبقى الحقائق شاخصة للزمن وسوف نستذكر سقوط المدن سنويا ونذرف دموعا متعاطفة ونمضي ..لابد ان ندرك ان مدننا تحولت الى بضائع بيعت بثمن بخس في مزادات السياسيين ومن نفذ اوامرهم من القادة العسكريين وبدلا من محاكمة المتسبب في ذلك ومن كان له الحق في اعطاء الاوامر نقيم الوقفات الاستنكارية والندوات الاستذكارية ونشعر بأننا قدمنا شيئا لتلك المراة اوتلك الطفلة او لكل الشهداء الذين التهمتهم نيران الحروب وقذارة السياسة ..
لااذكر حقيقة من قال ان (السياسة هي فن تاجيل القرارات حتى لاتعد ذات جدوى ) ويبدو اننا نعيش هذه السياسة الآن فمحاكمة المتسبيين في سقوط الموصل تأجلت الى مابعد العطلة التشريعية لمجلس النواب – اذا جرت فعلا على ارض الواقع –، وسوف يتواصل تأجيلها مرارا وتكرارا حتى لاتعود لها جدوى بعد ان تتحرر الموصل – في زمن غير محدد طبعا – او تتساقط مدنا اخرى ونصحو فجأة لنجد انفسنا ضمن ولاية من ولايات (داعش ) !