10 أبريل، 2024 11:30 م
Search
Close this search box.

في ذكرى رحيل الصدر ..

Facebook
Twitter
LinkedIn

في هذه الايام التي نعيش خلالها ذكرى رحيل السيد الشهيد محمد صادق الصدر، مرت على ذاكرتي زيارتي لمدينة النجف حينما كنت في سن المراهقة نهاية العام 1998، برفقة شقيق والدي الأصغر، وكيف دارت أحداثها بعد ان اقتربنا من مرقد الامام علي (ع) لتأدية الزيارة قبل التوجه لمقبرة وادي السلام، وعند البوابة الخارجية للمرقد من جهة بحر النجف استوقفني شقيق والدي وأشار بيده الى رجل كبير في السن يرتدي عمامة سوداء اللون “نحيل” الجسم بلحية بيضاء ووجه بملامح تحمل “الرهبة والتسامح” في الوقت ذاته، ويضع على كتفيه عباءة عربية سوداء ومرتديا (الصاية) بلون رصاصي أسفلها دشداشة بيضاء، ويحيط به ثلاثة شباب او اربعة تشير هيئتهم الى انهم طلاب في الحوزة العملية، يتسابقون بطرح الاسئلة والسيد يجيبهم واحداً بعد الاخر من دون ان يتوقف عن المسير.
في هذه الأثناء حاولت التقدم باتجاه السيد الشهيد للحصول على فرصة مصافحته وتقبيل تلك الشيبة “النقية”، لكن شقيق والدي همس بأذني، انتظر سنؤدي الزيارة وبعدها نذهب للقاء السيد الصدر في البراني، (مكان يستقبل فيه السيد محبيه ومقلديه للرد على استفساراتهم وتقديم المشورة والإجابة عن بعض الفتاوى)، وبعد دقائق لا تتجاوز الساعة انتهينا من مراسم الزيارة وتوجهنا الى خارج حرم الامام علي (ع) باتجاه “البراني” كما وعدني شقيق والدي وقبل عدة أمتار من وصولنا الى المكان المقصود شاهدنا عجلة عسكرية بالجانب عدد من رجال الامن يطلق عليهم “شرطة الطوارئ” وعند اقترابنا من “البراني” تقدم باتجاهنا احد عناصر الامن، متسائلا عن وجهتنا فأبلغه شقيق والدي “نريد لقاء السيد الصدر، فكان رده السيد لن يُستقبل احد وهناك اجراءات امنية وعليكم المغادرة” .
لم نجد حلا غير المغادرة وعدم لقاء السيد الصدر الذي تعود شقيق والدي الأصغر زيارته بين فترة واخرى للاطلاع على رأيه وللحصول على موافقته بشأن بعض البحوث التي يعمل شقيق والدي على نشرها في تلك الايام في بعض الصحف والمجلات وكان لا يقدم على نشر اي مادة سواء تعلقت بالإعجاز القراني او مواضيع اخرى تخص المجتمع من دون الاستماع لرأي السيد الصدر والحصول على موافقته، لكن في هذه المرة عدنا الى بغداد من دون لقائه وقد خسرت الفرصة الوحيدة للاستماع للسيد الصدر عن قرب ومخاطبته بشكل مباشر، فكان شقيق والدي يطمئنني قائلا “سنعود للقائه قريبا حينما تنتهي تلك الإجراءات، التي لم يشاء لها ان تنتهي الا برحيل السيد الصدر برصاصات الغدر بعد اشهر عدة من تلك الزيارة؟.
مرت الايام سريعا حتى كان مساء يوم الجمعة (19 شباط من العام 1999)، حينما اعلنت وسائل الاعلام في خبر عاجل عن استشهاد السيد الصدر ونجليه (مؤمل ومصطفى) بهجوم نفذه مجهولون بالقرب من منزله بمدينة النجف، حينها دخلت البلاد “بفتنة كبيرة” تحولت الى مواجهات مسلحة بين مقلدي السيد الصدر والقوات الامنية وكان لمدينة الصدر (مدينة صدام في حينها) النصيب الاكبر منها وتحولت الى “مادة دسمة” تناولتها وسائل الاعلام الاجنبية وإذاعات المعارضة التي كانت تبث من الخارج، حتى قيل حينها بان “مدينة الثورة” قدمت لوحدها 200 شهيد بسبب المواجهات المسلحة، بينهم شيوخ مساجد وقيادات في خط السيد الصدر كان ابرزهم الشيخ علي الكعبي امام جمعة جامع المحسن، الذي سجل “اول انتفاضة” مناصرة للسيد الصدر واصبح لاحقا مقرا لمقاومة الاحتلال الاميركي.
لم تنتهي المواجهات في مدينة الصدر الا بعد تدخل قوات من “فدائيي صدام” تساندها طائرات مروحية تمكنت من تدمير العديد من المنازل قبل ان تجرف بعدها العشرات بتهمة الوقوف ضد النظام ومناصرة السيد الصدر، هنا حاول “النظام الصدامي” تدارك الموقف فعرض مسرحية نقلها تلفزيون الشباب حينما اخرج علينا مجموعة من الاشخاص يرتدون زي رجال الدين ويقودهم شخص يدعى “حسن الكوفي” اعترف بانه من خطط ونفذ عملية اغتيال السيد الصدر بسبب خلافات شخصية تخص الحوزة العلمية والمرجعية الدينية، ليغلق بعدها ملف استشهاد السيد ونجليه في محاولة “لتهدئة” الشارع وابعاد التهمة عن النظام “الذي قد يكون نفذها بالتعاون مع جهات من معارضة الخارج”، حتى جاءت أربعينية السيد الصدر (مرور أربعين يوما على تاريخ الاستشهاد) وتصادف حينها وجودي في مدينة النجف من دون تخطيط مسبق بسبب “التعتيم” المتعمد من قبل النظام، حينها شاهدت المئات من المواطنين يحيطون بقبر السيد ونجليه وسط مشاعر من الغضب وهتافات “الثأر من القتلة” لم تخلوا من الإشارة الضمنية للنظام على الرغم من وجود العشرات من عناصر الامن المتخفين بين الحشود وهم يرتدون ملابس مدنية وعناصر من شرطة الطوارئ يتوزعون على طول الطريق من المقبرة الى مرقد الامام علي (ع)، فتلك المشاهد مازالت عالقة في ذاكرتي على الرغم من مرور 20 عاما.
الخلاصة ان ،السيد الصدر مثل حينها انموذجا لرجل الدين “الثوري” الرافض لجميع انواع الظلم فهو اول من طالب بالخدمات وتوفيرها للمواطنين في وقت كانت كلمة “كلا” ثمنها قطع الرؤوس او زنازين الحاكمية وسجون الامن العام او نگرة السلمان، فأرسل اشارات للنظام كانت واحدة منها ارتداء الكفن ليعلن نفسه مشروعا استشهاديا من اجل توعية المجتمع، اخيرا السؤال الذي لا بد منه، لو كان السيد الصدر موجودا، ماذا سيكون شكل العملية السياسية بعد 2003، وهل كنّا سنشهد حربا طائفية أكلت “الأخضر باليابس” وهل كنّا سنرى صمتا شعبيا لمايفعله “جهابذة” السياسة بحق “عُبَّاد الله” والأهم من ذلك، هل كان سيرضى بمواقف السيد مقتدى من العملية السياسية”؟…

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب