23 ديسمبر، 2024 4:52 ص

في ذكرى رحيل الصدر (3) ماذا تعلمت..؟!

في ذكرى رحيل الصدر (3) ماذا تعلمت..؟!

استخدم السيد الصدر اساليب حديثة وذكية في عملية بث ثقافي، معارض، ضد حكومة ديكتاتورية، بوليسية صارمة، فقدت شعبيتها، ولا تملك سوزى اعلام فاشل وممل..! فهل استطاع الصدر ان يؤثر على الحكومة او الشعب..؟

بناءاً على البث الثقافي الذي تعرضنا له بشكل عام ومختصر سابقا,كان الشارع العراقي عامة، والشيعي خاصة، مستعدا للاستلام وخاصة بوجود الحب والتعاطف مع ال الصدر، فضلا عن وجود العاطفة الدينية. وللاستجابة مستويات اهمها:

……… الاستلام المجتمعي: الاستبداد الثقافي والإعلامي للحكومة وغياب إعلام معارض,وفر مناخا ً مناسبا ًلاستقبال البث الثقافي الصدري,وكانت جميع الشرائح العراقية متابعة لهذا البث, ومنهم العلمانيين والتقليديين,ومن المؤكد ان البث الصدري ترك اثره في جميع البلاد والعباد ومنهم اعداء الصدر ومعارضيه.

……. الاستلام الحكومي: الموضوعية في الطرح ,واهتمام السيد الصدر بمعالجة المفاسد الدينية والاجتماعية ومعارضته للتدخل الامريكي والايراني جعل الحكومة العراقية محايدة لفترة معينة, بل حاولت ركوب الموجة فأعلنت عن الحملة الدينية,وكانت تلك الحملة صدى لصوت السيد الصدر.

……. الاستلام الشخصي: على المستوى الشخصي للباحث,فأن الفراغ السياسي في الساحة العراقية,وصفة الثورية والعاطفية لدى الشخص الجنوبي,جعلته مستقبلا جيدا للبث الصدري,وساهمت الشبهات المثارة ضد السيد الصدر.في اهتمام الباحث لمعرفة حقيقة الموقف. ولان التأثير الصدري على شخصية الباحث هو الهدف الأساس من هذه الدراسة فسيتم العرض الموسع لهذا الموضوع لاحقا. ملاحظة: هذه الدراسة لا تمثل بدقة اطروحة الكاتب وطموحه، الا ان نشرها، مهم، لاجل التوثيق، للتاريخ العراقي الحديث.

……… فـــوائــد الاستلام والتفاعل: بذل الصدر جهودا مضنية في الكتابة والتاليف والخطابة واللقاءات والدرس وغير ذلك كثير..لماذا؟ وهل حقق فائدة..؟ ماهي فوائد استلام البث الثقافي الصدري؟ وما هي ثمرة التفاعل مع حركية السيد الصدر؟ كان هذا الهدف الاساس من هذه الدراسة. لذلك سنتعرض على مستويات وهي:

……. الاستلام المجتمعي: اثر السيد الصدر على المجتمع العراقي عموما بنسب متفاوتة وخاصة على المناطق الجنوبية والوسطى,واثر على تفكير وثقافة معارضيه,اضافة الى التأثير على سياسة الحكومة وموقفها تجاه الدين,ويبدو ان هذا التفاعل دخل في الحسابات الامريكية,مما عجل بأغتيال السيد الصدر قبل دخول القوات الامريكية للعراق.

…….. الاستلام الشخصي: تطور استلام الباحث (المتحدث) للبث الصدري على مراحل يمكن ان نصنف هذا التفاعل بعدة مراحل، وهي ، اولا: بداية المعرفة: انطلق اسم السيد محمد الصدر في سمع الباحث من احد اقرباءه بعد وفاة السيد عبد الأعلى السبزواري عام 1993 باعتبار السيد الصدر مرشحا للمرجعية,وقد اشارت اذاعة مونت كارلو لذلك وحصل القبول الفوري والعزم على تقليده لوجود مقدمات عاطفية وفكرية تتعلق بالصدر الاول,وكان كتاب (الصراط القويم) هو بداية المعرفة بالسيد الصدر. ثم بدات المرحلة الثانية وهي:

مرحلة البث المشوش: بعد فترة قليلة من تصدي السيد الصدر لادارة الحوزة العلمية,كثرت الشبهات والاشاعات ضده,وكان البث التسقيطي ينطلق من النجف الاشرف ومن رجال الدين التقليدين واتباعهم عموما. وقد ذهبت للنجف لمقابلة الصدر.

……. اللقاء الاول: حصل اللقاء الاول عام 1994 بين السيد الصدر والباحث حيث زرت مكتب السيد(البراني) في بداية شارع الرسول, وقد اثارت جلسة القرفصاء للسيد الوجدان والذاكرة لان هذه الجلسة هي جلسة الرسول الاكرم حسب ما ذكرها كتاب (مكارم الاخلاق), كذلك احس الباحث بشعور السيد الصدر بالغربة عن المحيطين به وخاصة من المعقلين(رجال يرتدون الزي الريفي) الجالسين على جنبيه في غرفة لاتتجاوز مساحتها العشرة امتار مربعة . ثم صار الاهتمام على استماع لقاءاته المسجلة، وهي:

….. الكاسيت الاول: من غير المتوقع ان تحصل على شريط كاسيت يحوي لقاء مع احد المراجع في العراق, الا ان هذا حصل فعلا وكان الكاسيت الاول الذي اشتراه الباحث ويتضمن اللقاء الثالث عام 1997م تقريبا, حصل تغير كبير في قناعات الباحث ومواقفه تجاه السيد الصدر بسبب الاجابات الشفافة والشجاعة للسيد الصدر في هذا الكاسيت. واستطاع الصدر ان يواجه البث المشوش، ويصنع بثا معادلا له.

……. البث المتعادل: كانت الحرب الاعلامية مشتعلة بين فريقين,فريق الثقاة التقليديين الذين يثيروا الشبهات والاتهامات للسيد الصدر,وفريق الشباب المتطلع الى نهضة المرجعية ، وبينهما الباحث يراجع اقوال الطرفين دون الوصول الى حقيقة الامر.

……. الاستلام المباشر: الاسلوب الاعلامي للسيد الصدر يتضمن التصدي المباشر للدفاع عن نفسه واطروحاته , كان له الاثر الفاعل في حسم الحرب الاعلامية لصالح السيد الصدر فقد استطاع الباحث الالتفات الى قوة الحجة ومصداقية الحديث وترابطه منطقيا وعقليا عند السيد الصدر.

……. الفوائد الاجتماعية: المدة الزمنية الفاعلة في حياة السيد الصدر الاول بدات عام 1997 وانتهت بأغتياله عام 1999م وبالرغم من قصر هذه المدة الزمنية,الا انها تركت تأثير واضحا في المجتمع الشيعي واثر نسبيا في المجتمع السني خاصة في بغداد.

اهم الفوائد هو الايمان بالمفاهيم والقيم الاسلامية والاخلاقية ونمو الثقة بالنفس والدين وشيوع القناعة بالاستقلال عن الحكومة وتقافتها الفوضوية , اضافة الى حصول اهتمام وتلذذ بالعبادة وخاصة صلاة الجمعة ,كذلك انحسار السفور وتناول الخمور . ومن اهم الفوائد هو قلة هيبة الدولة وحصول شجاعة المواجهة وشجاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لدى المجتمع بنسب متفاوتة .

……. الفوائد الشخصية : حصلت فوائد تقافية وفكرية لدى الباحث يمكن تصنيفها حسب تسلسلها الزمني كالتالي: اولا: مراجعة التقليد : اوجد السيد الصدر لدى الباحث روح المراجعة والتفحص في كل الموروثات الدينية , وخاصة اختيار مرجع التقليد , فقد كانت القناعة السائدة هي معذورية المرجع الديني بسبب الضغوطات الحكومية والامنية , وكان الاعتقاد راسخاً بأن المرجع يمثل الامام المهدي (عج) وان اختيار المرجع

من قبل المجتمع مسدد ألهيا ً , وان الاداء الحوزوي مرضيا للخالق عز وجل . الا ان تقييم السيد الصدر لأداء الحوزة العلمية ورموزها ومناقشة ذلك بكل صراحة وجرأة , جعل الباحث ينظر الى الحوزة العلمية نظرة موضوعية فاحصة , مع الالتفات ان الثورية والايمان بضرورة العمل والتغيير موجودة لدى الباحث مسبقاً , هذا سبب حصول توافق من قبل الباحث مع اطروحات السيد الصدر , تم تبنيها والدفاع عنها بشكل عاطفي حاد.

ثانيا: فلسفة الانتظار : حسب فهم الباحث التقليدي , فأن المهم هو العمل والسعي لأجل لقاء الامام المهدي (عج) وذلك لان لقاؤه يكون سببا للارشاد والتوجيه واشباع الرغبة في رؤيته والتقرب منه واليه , وكان العمل يتضمن قراءة دعاء العهد وزيارة مسجد السهلة , وان الفهم الراسخ هو ان الامام (ع) وجود مبارك مخزون ليوم ظهوره مع غياب الكثير من تفاصيل حركته وفلسفة غيابه وانتظاره , ولان السيد الصدر اعطى لموضوع الامام المهدي (ع) وانتظاره والتمهيد لظهوره , اعطى لذلك الحيز الاكبر من مؤلفاته وخطبه واهتمامه , فأن البث التمهيدي الصدري اوجد كما هائلا ً من المعلومات والمفاهيم المتعلقة بالامام المهدي وظهوره وكيفية مساعدة الامام المهدي (ع) ونصرته وتفاصيل دولته وثقافتها ولاول مرة , اوجد السيد الصدر مصطلح ( الثقافة العليا ) على غرار (الدراسات العليا ) وهذه الثقافة ستكون موجودة وراسخة في دولة المهدي (ع) وهي ثمرة التطور الثقافي والفكري العقائدي لمسيرة البشرية السابقة .

ثالثا: افراغ الذمة : من المفاهيم الوجدانية التي اوجدها السيد الصدر عند اتباعه والباحث مفهوم افراغ الذمة للمكلف امام الخالق ( عز وجل )في قضية معينة , منها الموقف من الحكومة ومعارضتها والمفاسد المنتشرة في المجتمع وتكمن أهمية مفهوم (إبراء الذمة ) , لان الذوق السائد وقتها هو الانعزال عن الساحة والانسحاب الى العبادات الشخصية والقناعة بمعذورية المكلف بسبب وجود الحاكم الجائر وغياب الامام (ع) الا ان تصدي السيد الصدر لمواجهة الحكومة والمفاسد والتصريح العلني ضدها زرع الشجاعة القلبية واوجد مبررا قويا لممارسة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, فأن اداء المرجع يكون نموذجا ً يحتذى به ويخلص المكلف من تداخلات الاحكام الشرعية والتناقض النفسي بسبب مفهوم (

التقية ) ومفهوم ( المواجهة ) , ان حالة التردد ومراعاة التقية انحسرت الى حد بعيد وصار الاستهانه بالحاكم الجائر ممكناً بل مطلوب وهو تكليف شرعي لدعم حركة السيد الصدر ولا فراغ ذمة المكلف امام الخالق ( عز وجل ).

رابعا: التقية الجديدة: صار المفهوم الجديد للتقية هو الحفاظ على(سلامة الدين) وليس (سلامة النفس) , كما هو شائع قبل السيد الصدر,لذا ارتفع مستوى الوعي لدى اتباع السيد والباحث,وصار من الضروري ان نحافظ على سلامة الدين مع مراعاة الطرح الثقافي والاعلامي الذي يضمن سلامة الدين وليس من الواجب الحفاظ على النفس والتضحية بالدين ومن الطبيعي ان يتطابق ذلك مع الثورية المرتكزة لدى الباحث , وسبب المفهوم الصدري للتقية حلا لكثير من الاشكالات والتناقضات في فهم التقية والجهاد والتعارض بين الروايات الواردة .

خامسا:الاسلوب الحضاري: استخدم السيد الصدر اساليب حضارية كان ينتظرها المكلف ومنها الاصدارات الصوتية واصدار مجلة الهدى واستخدام لوحة الاعلانات والحاسوب والاهم هو المطالبة بأجراء(مناظرة ) لأختيار ( الاعلم ). هذه الحركية المتحضرة اخرجت الباحث من اشكالية الالتزام بالشكل التقليدي للمتدين,وتكسير صنمية الشكل مع تثوير المضمون الديني الحضاري. فضلا عن فوائد اخرى ، في القسم القادم من هذه الدراسة، يتبع.