تعد ذكرى ثورة كولان يوماً تاريخياً مجيداً في التقويم السياسي للكورد وعيداً في فجر ايام كفاحهم ومسيرتهم ونضالاتهم. فاذا كانت الثورات قوة تاريخية محركة وكبرى فانها بالنتيجة تدفع باتجاه التغييرات الشاملة للواقع العيني لتختفي اجواء الاحباط في النفوس واشكال اليأس والقنوط المخيم جراء اختلالات القوى المشكلة للواقع الموضوعي والمتحكمة بمساره.. وتضيء فضاءات جديدة تتسع للأحلام والآمال،فهي اذن تحرك كل ما هو ساكن ومحبط ، وتمده بقوة حركية تعيد الثقة والتوازن والقدرة على البناء والخطو برغم جسامة الدور والمهمة. وهذا ما بلورته ثورة كولان عبر مسيرتها الطويلة التي دشنت بها عصراً وتاريخاً جديداً تحفظه المدونات التاريخية للكورد بفخر واعتزاز وتستمد منها العزيمة والاقدام.
فقد خطت هذه الثورة خطواتها في ظروف عصيبة كان يعيشها الكورد خاصة بعد اجواء اتفاقية الجزائر الخيانية في 6 آذار من عام 1975 وما تلاها من تداعيات وما واجهه الكورد من محن وتحديات وهجمات شرسة تطلبت تطوراً نوعياً وميدانياً في اساليب المواجهة والتعبئة ووسائل الصمود والاستمرار فضلاً عن المعادلات الاقليمية والدولية وحسابات المصالح آنذاك.
كان التحدي كبيراً تقف خلفه قوى عديدة ومؤثرة في المشهد الاقليمي فاق الماضي من ايام المواجهة واستطاعت ثورة كولان الانطلاق وسط هذه الظروف العصيبة التي اجتاحتها بصبر وكفاح وارادة قلبت كل الموازين واطاحت باحلام السلطات التي رددت عبر وسائل اعلامها المختلفة بأن عهد الثورات الكوردية قد انتهى. كانت ثورة كولان رداً على التحديات ضد السلطة الدكتاتورية السابقة بأسلوب جمع كل ادوات المجابهة فعلى الصعيد السياسي استطاعت الثورة تعزيز خطها السياسي ونهجها واعطت بعداً استراتيجياً للقضية الكوردية في المحافل الدولية ، مثلما خدمت الشعب العراقي في نضاله ضد التعسف واقامة النظام الديمقراطي، فضلاً عن تسليط الضوء على ما يجري من تغييرات ديموغرافية وسياسات تعريب وتهجير وتشريد ومحق للوجود القومي الكوردي. بشكل تعاطى معه المجتمع الدولي ايجابياً ، وليس أدل ذلك
من قول احدى الوفود الدولية في وصف ما يجري في كوردستان من قمع وتغيير ديمغرافي، بأنها اقرب الى اعمال جيش احتلال تعسفي منه الى قضية داخلية كما تدعي حكومة بغداد.
اعادت ثورة كولان الحميمية الى النفوس التي داهمها اليأس وافرغت محتواها السلبي لتعيد بناءها على وفق اجواء الثورة ومنطلقاتها ولعل تلك واحدة من اعظم انجازاتها.
كانت ثورة كولان مدرسة فكرية وعقائدية خرجت الالوف المؤلفة من الكوادر النضالية البناءة التي خدمت الكورد في المجالات والاختصاصات المختلفة في اوقات السلم والحرب فكانوا عطاءً آخر من منهلها الثر والزاخر.
يأتي الاحتفال بالذكرى السنوية التاسعة والثلاثين لهذه الثورة المجيدة في ظروف يتعرض فيها الاقليم للمد الارهابي الذي تصدت له قوات البيشمركة ، وصنعت قصة انتصار اضحت محط اعجاب العالم والمجتمع الدولي الذي وصفه بانه دفاعاً عن العالم اجمع فصمود البيشمركة مستمد من الذخر البطولي للنضال الكوردي، الذي تجاوز الكثير من المحن والعقبات.
ان كوردستان التي تستقبل مئات الالاف من النازحين من مختلف مناطق البلاد وتوفر لهم الامن والاستقرار بتضحيات البيشمركة ودمائهم انطلاقاً من الاخوة العربية الكوردية ومضامينها ومبادئها الانسانية المستمدة من التاريخ النضالي للكورد وثوراتهم واصلت بناء جسور المحبة مع الاخرين برغم المحن والمآسي وتلك هي القيمة الاعتبارية والاخلاقية لثورة ترفعت عن اجواء الكراهية البغيضة بل فسحت المجال لكل القوى المحبة للحرية والمتطلعة لعراق جديد وأمدتها بالقوة والعطاء .. مثلما هي دائماً منبع للعطاء.