في الحادي عشر من أيلول من كل عام، نستذكر الثورة التي إنطلقت في مثل هذا اليوم في العام 1961، ولكن لهذه الذكرى في هذا العام طعم خاص ومذاق مختلف، ففي 1961، وبعد أربعة عشر عاماً من النضال بقيادة الخالد مصطفى البارزاني، وتقديم التضحايات، وتحقيق الإنتصارات، وجولات من التصدي والمجابهة والمفاوضات، وفترات تهدئة، وجراء مؤامرة دنيئة حيكت خيوطها في دهاليز العديد من عواصم العالم، أصبنا بنكسة. بينما الآن، وبعد أربعة عشر يوماً سنتوجه نحو صناديق الإقتراع لنقرر مصيرنا وفق طريقة ديمقراطية متناغمة مع الدستور العراقي والمواثيق والقرارات والمبادئ المستقرة فى مواثيق الامم المتحدة، وجميع الأعراف والقوانين الدولية والسماوية التى تساوى بين البشر.
عقلية حكومة بغداد في 2017، هي ذات عقلية حكومة 1961، قلقة وحرجة في حسابات التوازن، ثابتة في خطوات التراجع عن الإلتزام بالدستور والوعود، متمسكة بالنظرة الإستعلائية والثقافة الإحادية ونمطية اتخاذ القرار. تجنح للمستحيل بدلاً من الممكن، كما جنحت غيرها في العام 1961، لذلك، دون أن تتقن اللعبة السياسية، تحاول ممارسة كل وسائل الضغط والاستفزاز ضد الكورد وإستثمار التقاطعات والتضادات والمصالح الإستراتيجية للدول المحيطة بنا وتطويعها من أجل أن تظهر أنها الأقوى والأكثر أهميةً، كما ينشغل إعلامها وبعض سياسييها ومثقفيها في كيل الإتهامات وحملات تسقيط وتشويه إعلامي ومقالات إنفعالية طائفية وثأرية وشخصية مترادفه ضدنا وضد قادتنا، كما فعلوا في 1961، ويقولون مالم يقله الامام مالك في الخمر، وكأنهم ازاء حرب تهدد وجودهم. علماً أن كل ما في الأمر شعب يريد أن يدلي برأيه تجاه حق من حقوقه المشروعة.
بغداد بعد 1961، قصفتنا بالقنابل والغازات السامة، ودفنت شبابنا وأطفالنا ونسائنا وشيوخنا في مقابر جماعية، وأحرقت قرانا، ونفذت حملات الأنفال السيئة الصيت والترحيل القسري والتعريب.
بينما بغداد الحالية، المليئة بالألام والنكبات والسخرية والمشاهد القاسية والهموم والمصائب والفوضى والفتن والطائفية السياسية والدينية والعشائرية والقبلية، وكل مايندي لها جبين الإنسانية، بعثت لنا رسائل الكراهية، ومازالت تبعث، وفرضت علينا حصاراً إقتصادياً من خلال قطع موازنة الإقليم السنوية ورواتب الموظفين والعمال، ولولا ضعفها ومشكلاتها الداخلية وتعقيدات الظروف الإقليمية والدولية، لاستخدمت ذات الأسلحة القديمة ضدنا، وربما أكثر، مع ذلك تريدنا أن نبقى معها.
بغداد السابقة شنت علينا الحروب لأننا طالبنا بحقوقنا التي ثبتت في الدستور. والحالية، وخلال أربعة عشر عاماً، رفضت مراجعة موقفها الاستراتيجي ومنح نفسها فرصة اكتشاف الأخطاء التي ارتكبتها بحق الكورد اولاً ثم بقية العراقيين ثانياً. وتهددنا اليوم أن إخترنا التوجه نحو الإستقلال بقوتها وقواتها وبقوات الدولتان الجارتان، إيران وتركيا كأداة مثالية من أجل إلغاء الإستفتاء.
بغداد السابقة أخطأت حينما لجأت الى حسم الامور الدستورية والسياسية بالوسيلة العسكرية البعيدة عن منطق الحكمة والعدل والإنصاف، وأغلقت كل السبل أمام الكورد وقيادته السياسية، لذلك لم يبق أمامنا سوى خيار الدفاع عن النفس، وحمل السلاح لا حباً بالقتال وانما اصراراً على الدفاع عن الحقوق. والحالية تخطىء لو تصورت أن الكوردستانيين سيتراجعون عن مطلبهم المصيري ويرضخون للضغوط، ومن البلاهة إن تصورت أن الكورد الذين ثاروا في 11/9/1961 في وجه حكومة بغداد، وآلتها الحربية التي كانت تفتك وتقتل وتبيد، وهم لايملكون سوى بنادق معدودات، سيرضخون في 2017 لبغداد ومطالبها غير القانونية ويؤجلون أو يلغون عملية الإستفتاء التي، قال عنها الرئيس مسعود بارزاني، لا تحتمل المساومات والتسويف.
بغداد السابقة طردت الموظفين والعمال الكورد من الدوائر الحكومية، والجنود والضباط من الجيش والطلبة من الكليات، فإلتحقوا جميعهم بالثورة الكوردستانية. والحالية تهدد بغلق الأبواب والنوافذ بوجه الكورد وإعفائهم من جميع مناصب ووظائف الحكومية، بدءاً من رئيس الجمهورية، الى الوزراء، والى اعضاء مجلس النواب، والمدراء العامين والسفراء والموظفين الكورد خارج العراق وكل من يتقاضى راتبه من الحكومة العراقية، وتسفيرهم لدولتهم الجديدة.
بغداد في 1961، إنشغلت بالخلافات والصراعات السياسية بين قادة ثورة تموز، ودفعت ثمن انحراف الثورة عن مسيرتها وعن أهدافها الحقيقة التي قامت من أجلها. وبغداد 2017 ، تعاني من خرق خمسة وخمسين مادة دستورية، وتعطل الجهود الرامية للإصلاح، والتحرر من أسر التجاذبات بين الأحزاب السياسية.
وأخيراً نقول: التأريخ إعتبر ما حدث في 11 أيلول 1961 ثورة ونقلة تأريخية كبيرة، ودفاعاً عن ما تضمنه الدستور العراقي، ثورة سهلت لهم وللعراقيين مهمة التحرك ضد المنحرفين والحمقى المرتبطين بالتيارات الشوفينية ومثيري النعرات القومية والمذهبية، ثورة عاشت الواقع بكل حقائقه وتفاعلت معه من خلال الرؤية الواعية، وسعت لفهمه وتطويره، لذلك حظيت بدعم كل الكورد في العالم وكل العراقيين الشرفاء، كما حظيت بتشجيع وبركة ورضى أعلى مرجعية دينية شيعية في العراق، حيث أصدر سماحة السيد محسن الحكيم الفتوى الشهيرة بتحريم قتال الكورد، رغم أنف حكام بغداد وضغوطاتهم المتواصلة. وسيعتبر (التأريخ) ما يحدث في 25/9/2017، توجيهاً للأحداث وفق سياسة عقلانية حكيمة تتطلع الى تحقيق العدالة والديمقراطية، ونزوعاً نحو الموضوعية في التعامل مع الأحداث بشكل صريح وممنهج مدفوع بالحرص والمسؤولية عن كل ما يخص الكوردستانيين، وكل ما يضمن الخير لهم وللعراقيين عموماً في حاضرهم ومستقبلهم. ويسأل : هل فتوى المرجعية الدينية العليا الخاص بتحريم قتال الكورد ما تزال سارية المفعول ؟