12 أبريل، 2024 5:44 ص
Search
Close this search box.

في ذكرى بدر شاكر السياب

Facebook
Twitter
LinkedIn

ضوءْ الاصيل يغيم ، كالحلم الكئيب , على القبور
وآهٍ , كما ابتسم اليتامى ، أو كما بهتتْ شموعْ
في غيهب الذكرى يٌهومَّ ظلٌّهنَّ على دموعْ
والمدرجٌ النائي تهبّ عليه أسراب الطيورِ ،
كالعاصفات السود ، كالأشباح في بيت قديمْ
برزت لترعبْ ساكنيه
من غرفةٍ ظلماءَ فيه . . .
هذه الابيات من المقاطع الاولى لقصيدة السياب ( حفار القبور ) ضمن مجموعته الخالدة أنشودة المطر ، تذكرتها حيث الضباب والثلج يخيمان على العاصمة النرويجية اوسلو ، في هذه الايام القارصة من شدة البرد ..
وما ان اكملت قراءة القصيدة وقبيل ان انتهي منها احسست بانني اتجول في كورنيش البصرة وقريباً من تمثال السياب , لا في سواحل اوسلو الباردة , شعور غريب ادخلني في سعادة غامرة ، ولكن للحظات . فاليكن ذلك وما اجمله .
ان هذه الايام التي تمر علينا هي ذكرى وفاة شاعرنا الكبير بدر شاكر السياب والتي تصادف اليوم 24 / 12/2012 وهي الذكرى الثامنة والاربعين لرحيل السياب بعد رحلة حياة مريرة اتسمت بالكفاح والعطاء الادبي ووضعته في طليعة رواد حركة الشعر العربي الحر . حيث يعد السياب من اوائل الشعراء العرب الذين جددوا في الشعر العربي وأغنوا القصيدة العربية الحديثة ، مع نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدر وآخرين . وقد مثلت حياته الغنية بالآلم والعوز والغربة والفراق قمة المعاناة والمأساة الدرامية . وقد عبر عنها الناقد الراحل جبرا ابراهيم جبرا بقوله ” لقد كان في حياة السياب من الدراما شيء كثير. صباه في جيكور ، فقره ، سياساته ، اعتقالاته ، خيباته ، عذابه الابوي الاخير ” . وقد كانت قصائده كلها تؤخذ كمأساة درامية متكاملة . تنمو وتتصاعد نحو ذروه من ذرى التجربة الانسانية الرامزة الى الحياة البشرية في ربع قرن من الزمان مفعم بالاحداث والآلام . . لقد اكد السياب على ان حركة الشعر الحر أكثر من مجرد اصطلاح عروض ، وكتب في عام 1954 قائلاً : ” ان الشعر الحر على اختلاف عدد التفعيلات المتشابهه بين بيت شعري وآخر . . انه بناء فني جديد . واتجاه واقعي جديد جاء ليسحق الميوعة الرومانتيكية وادب الابراج العاجية وجمود الكلاسيكية .
وقد كان السياب في مقدمة الشعراء العرب الذين خاضوا غمار مغامرة تجاوز نظام الاوزان والقافية الواحدة في الشعر العربي الذي تحرر من قيود القافية والوزن .
ولد الشاعر بدر شاكر السياب عام 1926 في قرية صغيرة من قرى البصرة هي قرية” جيكور
التي تعد أشهر قرية في الادب العربي الحديث ، فقد تغنى بها الشاعر وبجدولها الصغير ” بويب” المتفرع من شط العرب ، ووصفها بأنها جنة ذات ” نخيل” وهو الابن الاول لعائلة تمتلك اراضي مزروعة بالنخيل وتحيا حياة لائقة  .
كانت طفولته سعيدة في دار جده والتي تقع على جدول ” بويب ” وكان يحب مراقبة السفن والمراكب وهي تصعد الى البصرة أو تنحدر الى الخليج العربي ، وقد تركت حكايات جدته انطباعات عميقة الاثر في شعر .
اتم الشاعر دراسته الابتدائية في المدرسة المحمودية في ” ابو الخصيب” وعرفت شناشيلها ذات النوافذ الزجاجية الملونة والمزينة بالخشب المحفور بالزخارف العربية ، كما أنهى دراسته الثانوية في مدرسة البصرة وكان من الطلاب المتفوقين وتعد قصيدته ” على الشاطيء” من أقدم قصائده المخطوطة التي عبر فيها عن أساه العميق لضياع الاحلام في قصة حب مطوية !
التحق السياب بدار المعلمين العالية في بغداد ودرس اللغة الانكليزية وبدأ نبوغه يظهر في
بغداد . وقد تأثر السياب بالادب الاوروبي وكان بودلير اول شاعر غربي يتعرف على شعره من خلال ديوانه ” ازهار الشر ” كما كان الشعراء الرومانسيون الانكليز من مصادر الهامة .
وبعد تخرجه عمل في دوائر الدولة لكنه كان يجابه بالفصل والاعتقال بسبب مواقفه الوطنية ، ثم لاحقته لعنة المرض حيث بقي أواخر حياته يتنقل من مشفى الى آخر الى ان اختطفه الموت في 24/12/1964 . ورغم ان حياته لم تمتد طويلاً الا انه ترك وراءه ثروة شعرية أحدثت انعطافاً كبيراً في مسار القصيدة العربية وتمثلت في الدواوين والاثار الادبية التالية :

ا- ازهار ذابلة
ب- أساطير
ج- انشودة المطر
د- المعبد الغريق
ه- شناشيل ابنة الجلبي
و- منزل الاقنان
ز- اقبال
ح- قيثرة الريح
ط- اعاصير
ر- البواكير

لقد لقي ادب السياب اهتماماً كبيراً من قبل النقاد في الوطن العربي والعالم وترجمت قصائده الى مختلف اللغات الاجنبية ، وقدمت على الدراسات النقدية الكثيرة وادرجت قصائده في المناهج التعليمية ونال عدد من الباحثين شهادات عليا لرسائل كتبت عن حياته وقصائده .
فتحية الى مجدد القصيدة العربية الاول مع نازك والبياتي وبلند وسعدي واخرين ، وسنبقى في كل عام من هذه الاعوام الصعبة التي يمّر بها شعبنا العراقي المكابر الصابر على المصائب والويلات منذ اكثر من ثلاثة عقود ومازال ، لكننا سنبقى في كل عام وفي كل مناسبة نمجد أدبائنا وفنانينا ورموزنا العراقية الكبيرة ولن ننساها مهما اوغل الزمن في محنه علينا..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب