توارى عن العملية السياسية ريثما إضطرب شأن الدولة فأجبروه.. كما تنص معظم المصادر.. على تولي الخلافة وإنا أشك بـ “أجبروه” فليس مثل علي من يتخلى عن بيضة الإسلام تسفح بعد التداخلات التي وقعت إبان خلافة عثمان بن عفان (رض) لكنه إعتمد إيديولوجيا التواري: “لا رأي لمن لا يطاع” تلك التي إتبعها الأمام جعفر الصادق (ع) في مابعد: “التقية ديني وديت آبائي”.
“قام الإسلام بسيف علي وأموال خديجة” حكمة إعترافية، تجسدت في الحديث النبوي الشريف، للرسول محمد.. صلى الله عليه وآله، أشار فيها الى إبن عمه وزوجته.
الحديث النبوي، في نظرية المعرفة الإسلامية، يعد المرتبة التالية على آيات القرآن، المنزل من الرب، كمصدر لدعم الحجج أو تفنيدها، في البحث العلمي؛ لذا يعتمد المعنى العميق لهذا الحديث، بديهة في أي بحث منهجي، عن منطلقات الإسلام ومؤدياته؛ لأن الإسلام.. إجرائياً.. إعتمد قوة السلاح القاهرة، التي يدخل المال ركناً أساساً فيها، ومن ثم جاء دور المعرفة، كعنصر تالٍ على مرحلة القتال وإرغام الكافرين على الدخول في حضارة الإيمان قسراً.. وهم صاغرون.
بل إدامة الحفاظ على أركان الدولة، بحاجة لرقابة من السيف؛ كي لا تنثلم أركان الهدى، وهذا ما كان علي بن أبي طالب.. عليه السلام كافله، طيلة حياة الرسول، تاركاً للفكر الإسلامي المنزل من رب السماء، في صدر الرسالة، أن يتفاعل مع نسيج المجتمعات القصية، التي بلغها، متوارياً عن العملية السياسية، ريثما إضطرب شأن الدولة؛ فأجبروه.. كما تنص معظم المصادر.. على تولي الخلافة، وإنا أشك بـ “أجبروه” فليس مثل علي من يتخلى عن بيضة الإسلام تسفح، بعد التداخلات التي وقعت إبان خلافة عثمان بن عفان (رض) لكنه إعتمد إيديولوجيا التواري: “لا رأي لمن لا يطاع” تلك التي إتبعها الأمام جعفر الصادق (ع) في مابعد: “التقية ديني وديت آبائي”.
السيرة العميقة للسيف المفكر وساعد الأسد، اللتين إمتاز بهما الإمام علي، تدعونا للتأمل في الموعظة العظيمة المتجلية، من سيرته، وهو يتخذ القتال موهبة إحترافية، لإيصال العرفانية الربانية، بإعتباره السلف الأعلى للتصوف الإسلامي والزهد المؤمن بالآخرة، تسفيها للدنيا، من دون إهمالها “إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً وإعمل لآخرتك كأنك تموت غداً”.
سيرة الإمام تركيبة كبرى بحاجة لعقول ذات صفاء كوني، بحجم شخصيته؛ كي تبلغ مستوى الأداء الإيماني، بترسيخ الفقه والإيمان بقوة السيف حقاً؛ فأية طاقة مهولة تلك!؟ ومن يطيق حملها سوى ولي تلا الرسول محمد، وتشرب العرفانية الإلهية من فيض القرآن الكريم، متبوئاً صدارة التصوف والدروشة، من دون زعامة مباشرة منه لها في حياته؛ إنما إستجابة لطروحاته المتجددة في مديات الزمان وآفاق المكان.
ظل الإمام علي.. عليه السلام، يعالج المعضلات التي تستجد في الدولة الإسلامية، وهو في قبره؛ بما جاد به من فلسفة إجرائية، وفكر تطبيقي، قابل للتفاعل مع معطيات أية مرحلة؛ لأنه وعي أبدي.. حي على مر الزمان.
لكننا الآن نأخذ من فيض فكره مناهل للبكاء وليس مناهج للعمل الجدي، الذي نتخطى به معوقات حياتنا وعقبات سيرنا، تاركين فلسفته لأمم مؤمنة بالإسلام من دون أن تدخله! مكتفين بإتخاذه عنواناً للتفرقة، وهو الذي علمنا إحتواء الآخر: “أما أخوك في الإسلام أو نظيرك في الإنسانية”.
ما أجمل شعر مظفر النواب: “لعلي يتوضأ بالسيف قبيل الصبح.. أنبيك علياً ما زلنا نتوضأ بالذل ونمسح بالفرقة حد السيف”.