17 نوفمبر، 2024 5:27 م
Search
Close this search box.

في ذكراه..الشيخ مهدي العطار مشعل هادي يملأ العالمين سلاما

في ذكراه..الشيخ مهدي العطار مشعل هادي يملأ العالمين سلاما

ان الذكريات الخالدة في نفوسنا عبر وحكمة بكل ما تحمل بين طياتها منها ندخل التاريخ ونتصفح أوراقه وأحداثه ومنها نتعلم وناخذ الزاد التقوى ،فهي ذاكرتنا الثانية وشحنات منطلقنا التي تستوقفنا وتنبهنا من الغفلة وتغذ بنا السير نحو ميادين الصلاح غير ابهة ببهرج الدنيا وزخارفها ساحقة فخاخ الشياطين بثبات اقدامها ، غير ان يد الحقد الأسود التي عاثت بارض المقدسات الخراب والفساد طوال عقود من الزمن لم يروقها الامر فامتدت لتطال اية الله الشهيد الشيخ مهدي العطار في مثل هذه الايام  قبل سبع سنوات وبالتحديد في 15 ايلول من عام 2005م ، في مشهد من مشاهد الوحشية التكفيرية الإجرامية التي لم تتورع عن ارتكاب جرائمها والتي لديها الكل مستهدف سواء كان حركيا ام يسعى لقوته كبيرا ام صغيرا رجلا ام امرأة غير آبهة بكل القيم الدينية والإنسانية وبالتاريخ الجهادي الحافل لهذه الشخصية الإسلامية الوحدوية الواعية في مواجهة الظلم والطغيان ومناصرة الفقراء والمحرومين .

ولد العلاّمة الشيخ مهدي العطار (رض) في مدينة النجف الاشرف عام 1944، وحضر دروس مراجع الدين في الحوزات العلمية في النجف وقم المقدستين وفي مقدمتهم آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (قده) والسيد محمد رضا الكلبايكاني والشيخ محمد جواد التبريزي والسيد كاظم الحائري ،أكمل البكالوريوس في الفقه والشريعة في كلية الفقه في النجف الاشرف عام 1969 ،وكان وكيلاً لعدد من مراجع الدين منهم السيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي والسيد محمد باقر الصدر والسيد عبد الأعلى السبزواري والشيخ فاضل اللنكراني والسيد الكلبايكاني والشيخ الاراكي والسيد محمد حسين فضل الله والسيد السيستاني ،وحاز على درجة الاجتهاد ثم بدأ بتدريس طلبة البحث الخارج الفقه والأصول في حوزة قم المقدسة في إيران أوائل التسعينات وواصل تدريسه وكتابة بحوثه في النجف الاشرف في عام 2003.

بدأ حياته التبليغية وكيلاً للمرجع الديني السيد محسن الحكيم (قدس سره) في منطقة الهندية نهاية الستينات ثم انتقل ليكون مرشداً عالماً في الحلة بداية السبعينات ،وكان يدير ندوة الوعي الرسالي في النجف الاشرف عام 1965 التي استمرت عدة سنوات ثم هاجر إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 1972 وكان عالماً ومبلغاً ومرشداً هناك بعدها انتقل إلى قم المقدسة عام 1980، حتى انه مارس التبليغ الإسلامي في اغلب محافظات إيران حيث يتواجد المهاجرون العراقيون وكان له السبق في تأسيس مجمع الشهيد الصدر للبنين ومجمع الشهيدة بنت الهدى للبنات فضلا عن تأسيس حوزات علمية في بعض محافظات إيران ومنها بناء مسجد وحسينية أهل البيت (عليهم السلام) في قم وتأسيس معهد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) للتبليغ والخطابة في مدينة قم المقدسة ، صاحب مشروع التبرع بالدم في يوم العاشر من المحرم.

بدأ فور عودته إلى النجف الاشرف بعد سقوط الطاغوت في ذلك اليوم النيساني بأعماله التبليغية بحيث انشأ حوزة علمية في النجف الاشرف وبغداد والحلة ومدينة الصدر والديوانية وكان بصدد إنشاء حوزة علمية في اغلب المحافظات العراقية ولكن إرادة الله جعلته شهيداً.

وللشهيد العطار عشرات المؤلفات نذكر منها باختصار ( محاضرات أخلاقية، كتاب التقية، الاختلاف والضوابط الأخلاقية والشرعية ، إصدار مجلة قضايا إسلامية والإشراف عليها ، كتاب مشكلة الفقر، كتاب الدعاء…)

لا يعرف هذا الرجل الذي ظُلم كثيرا في حياته الا من عايشه عن قرب فقد تعرض العطار الى أبشع أنواع الحملات لكنه كان شجاعاً حد الافراط في تبني الافكار الاسلامية الأصيلة في زمن عادت فيه قضايا الاسلام الى زمن التحجر !

تجمعني بالشيخ العطار ذكريات خالدة لاتمحى بل تزداد طراوة وحميمية كلما مر الزمان صاحب الوجه النوراني والقلب الرباني والبسمة العريضة كريم الطبع ابي النفس لايـُرجع من قصده بحاجة حتى انني تشرفت بمعايشته عن قرب والصلاة خلفه في بغداد والنجف وقم والاستلهام من فيض عبره ومواعظه السنية فضلا عن نهل العلم من ينابيع حوزته المباركة (حوزة اهل البيت / فرع مدينة الصدر).

لقد جمع الشيخ العطار بين العمل السياسي والحوزة والعمل الاجتماعي بشكل لا يمكن أن يحققه آخرون ،وكان يؤم الناس في مسجد الشهيد الصدر واقامة الفعاليات الدينية في هذا المسجد الكبير وكان رحمه الله عضوا قياديا في حزب الدعوة الاسلامية ، ، مع كل هذا تراه مبتسما لايفارق المرح حديثه ، مبسطا لك ما يُشكل عليك من المسائل الفقهية في خضم صعوبة الحياة حتى في تناوله للاحداث السياسية تراه شارحا مايجري باسلوب سلس مبتعدا عن التعقيدات غير آيس من الجماهير العراقية ومن شراسة الهجمة على العراق ،ومع كل ذلك تراه جادا في الابتداء بمشاريعه في العراق ، بالفعل ان خبر رحيل العلامة الشيخ العطار يعد صدمة كبيرة جدا للساحة العراقية خاصة والاسلامية عامة لاسيما وانه كان رقما حركيا وواعيا صعبا فيها ، استخدم علمه في العمل الإجتماعي ، وكان يبارك لعمل المرأة ، أنار طريق المرأة المسلمة بأفكاره ، وله الفضل في دعم مشروع المرأة المسلمة العراقية في المهجر ، والشيخ ، من عرفه أحبه ، وهابه ، لقد عرف الشهيد العطار بدوره المتميز في تخريج العديد من علماء الدين والخطباء ، هذا الدور الذي تميز بالجدية والمثابرة والخلق الرفيع والورع والتقوى والثبات على الخط الصدري خط الوعي والجهاد والشهادة ، كان مثالاً للمجاهد الصابر المعطاء، حيث كان يمثل المثابة الروحية للكثير من العراقيين المهاجرين ابان الثمانينيات ، كما يحيي دوره كعالم وأستاذ في الحوزة العلمية ، وعندما رصد الصداميون والتكفيريون حركته لم يتوانوا بتنفيذ ماعجزوا عنه قبل عقدين ونيف من الزمن.

استشهد عصر يوم الثامن من شعبان عام 1426هـ الموافق 15 أيلول 2005م ، مع أخيه الحاج عباس واثنين من مرافقيه في منطقة اللطيفية شمالي بغداد ودفن في مدينة النجف الأشرف بجوار مرقد كميل بن زياد النخعي (رض) حشره الله مع النبيين والصديقين ، وإنه ليحزنني أن أنعاك إيها العملاق وأنا على قيد الحياة ، ولكن عزاءنا أن الشهادة هدية الله ولأمثالك من الصالحين .

رحم الله شيخنا الشهيد العطار ملتحقا بالشهيدين الصدرين في مقعد صدق عند مليك مقتدر بعيداً عن دنيا البعثيين والقومجيين المقاومين ، إننا على يقين راسخ بان شهداءنا في الجنة وان دماءهم الطاهرة قرابين مباركة تعبد طريق ذات الشوكة ،ونسأل الله تعالى ان يعوضنا عنه خيرا ويجعل المصلحة التي لانعلمها في راحته من هذه الدنيا الفانية وانتهاء امتحانه فيها بماجعله شهيدا مظلوما يغبطه على منزلته مع الخالدين وفوزه العظيم كل من بقي من بعده ،،اللهم انك تعلم مايعانيه هؤلاء الذين جاهدوا وهاجروا في سبيلك من الالام والمحن والبلاءات اللهم لاتجعل هذا التعب المخلص يضل مواقعه واحفظهم بما يريهم نتائجه ويقر به اعيننا واعينهم انك نعم المولى ونعم النصير .

رحم الله شيخنا الشهيد مهدي العطار عالماً ومجاهداً وحركياً وناصرا لأبناء أمته في العراق، والسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا. ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) .

أحدث المقالات