مجتمعات عصرنا هذا باتت ترفض “عسكريّة” الحكم , وترفض وسائله الدمويّة للوصول إليه حتّى ولو كانت “عقائديّة” , ولكن , وهنا “اللكن” هذه تُوجّه لنا نحن الشعب أنّ نبادر للحلول لا تشخيص الحالات فقط , وإلاّ ستبقى عمليّة الوصول إلى السلطة وسائلها دمويّة , نابعة من أمراض وعُقد شخصيّة أسبابها الفقر القرين بالجهل بالدرجة الأساس وأشدّها فتكاً طائفيّة ماضويّة لازالت لم تُفارق عهد الانتماء “الغيبي” , فمثل هذه الحالات الّتي نعيشها يجب أن لا تُترك دون “تشخيص متفاعل” وما لم يلتزم الشعب نفسه تثقيف نفسه بنفسه على الحياة الديمقراطيّة أوّلاً , ويعبّر عن ذلك بدءً من تفاصيل حياته اليوميّة , أوّلها تليين الذات أمام “اللوم” إذا ما أخطأ أحدنا “والنفس اللوّامة” .. وعلى الاتّفاق الاجتماعي على ممارسات حياتيّة تبدو صغيرة أو “مُزعجة” لدى البعض لكنّها هي “المدماك” الّذي يتراصّ فوقه المجتمع السليم , واقتحام “الشعليّة” ! , الشعليّة هذه المحبطة لمجتمعات راغبة بالقضاء على “البطالة الجامعيّة” .. فتغيير مثل هذه التفاصيل واستدراجها نحو السكينة والرويّة قدر المستطاع وسحبها إلى معاقل الاحتكاك الشعبي اليومي جميعها من متطلّبات ظروف المعايشة لأجل الانتقاء , وتعني نتائجها تغيير سلوكيّات أمم وشعوب لإحلال الديمقراطيّة بدل الحلّ “المُوَهْوِجْ” بكسر الواو الثانية ؛ القاتل للديمومة , في أوساطها الاجتماعيّة , كالانتظام في “الطوابير” وسط أماكن تتطلّب ذلك على أن تكون التزام ذاتي يشمل مراعاة “التسلسل الخدمي” واحترامه سواء داخل مؤسّساتنا الحكوميّة أو خارجها وسط الشارع أو وسط العائلة واعتبارها حالة مُقدّسة لا تقلّ عن تقديس الحجر أو العمامة أو المزارات أو المناسبات الدينيّة , إذ من المؤكّد تعاف نفس “الراقد” ويكاد يُلقي من رأسه وهو في قبره من زائريه إن كانوا يعشقون “الخربطة” عكس من يأتيه مهندم منتظم ! , وبغيرها سيبقى الشعب يعيش العنف , لأنّ فوضى الشارع وفوضى الخدميّة المؤسّساتيّة مثل اختراق “التسلسل الإداري” وغيره تعني فوضى تبدأ من قتل الضمير في علاقات اجتماعيّة من يصل فيها “الشبّاك” بالقوّة , هو المحظوظ ! ولا اعتراض على وصوله وحصوله على ما يُريد طالما انطلق من خلفيّة “الأنا” ..
السيّد السيسي ابن مؤسّسة “مجتمع” عسكريّة , وهي بلا شكّ مؤسّسة تراعي الانضباط “وتقدّسه” وتقدّس التسلسل في الوصول إلى “القياديّة” ؛ ونظافة “بيئتها” تشمل كلّ زاوية أو ركن فيها , وهي بذلك تكون بحصيلة وجودها مجتمع وظيفي عام بحدّ ذاته ومتكامل , منضبط سلوكاً واداءً .. تربّى السيّد السيسي وزير دفاع مصر وتدرّج وسط مجال مثل هذا لا يحتمل فجوة أو اختراق تربك منتظماته , فحتماً ستكون نتيجته “المؤسّسيّة” تخريج أفواج من أفراد منضبطون , صحيح أنّ انضباطهم “مؤسّساتي عسكري” لكنّه يعطي نموذج للشعب لإشاعة الانضباط وفي “التسلسل المنضبط” للترقية الاجتماعيّة للوصول إلى المقدّمة , وخصوصاً أنّ ما من عائلة مصريّة إلاّ وتمّ إخضاع شبابها لمثل هذا السلوك المنضبط “الخدمة الالزاميّة” فينقل ما تعلّم إلى وسط عائلته وحارته , وهذه البنيويّة الاجتماعيّة “الكاكيّة” المتكاملة هي أحد أهمّ ركائز وأسباب انتصار وسيطرة الإنكليزيّة والفرنسيّين على العالم “عسكريّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً” وبحيث , أنّ “ثمانية وسبعون ألفاً” فقط , من العسكر والإداريين الانكليز سيطروا قبل قرون على كامل الهند “آسيا الصغرى” وأداروها “مثل ساعة بگ بن” بعدد سكّانها آنذاك البالغ ثلاثمائة مليون نسمة ! ..
الجيش العراقي في عصر بنو العبّاس زمن المعتصم , وبعد أن كان الشعب هو الجيش والجيش هو الشعب , وصلت حالة التردّي فيه ذروتها زمن ذلك الخليفة , جيشاً فوضويّاً في تصرّفاته مع الشعب لا يُقيم للمواطن وزناً , وذلك مردّه عناصره استقدموا من أواسط آسيا استقدمهم الخليفة المعتصم “يُقال لأجل حمايته من الفتن الداخليّة” والّتي استشرت في تلك الامبراطوريّة كما تذكر بعض مصادر التاريخ , ولمعالجة ذلك تمّ تأسيس “سامرّاء” بعدما اشتكى “البغادلة” من مضايقاته المستمرّة .. لذا فالسيّد المالكي ككثير من العراقيين المهمّشين , ابن بيئة فوضويّة موروثة لا تقيم اعتباراً للثقافة العصريّة الاجتماعيّة , اختراق ستر “الممنوعات” سمة تلازمهم انعكست على الشارع فلا سيطرة عليه من جيش أسّسه بريمر على أسس طائفيّة فألغى الخدمة الإلزاميّة بمشورة من بعض من تسيّد اليوم المجتمع العراقي مع الأسف الشديد ..
السيّد المالكي “والهارب من أداء الخدمة الإلزاميّة” ابن بيئة تتزاحم على “الخاطرانة” والواسطة والعشوائيّة ليس السيّد المالكي وحده بل غالبيّة العراقيين ولأسباب شتّى قد يكون المالكي عانا منها وأراد تغييرها بشتّى الطرق , يعني لم يتخرّج لا من بيئة عسكريّة منضبطة ولا من بيئة “مدنيّة” جامعيّة , بل من بيئة مناسبات غيبيّة .. فماذا يتوقّع المرء إذاً من رئيس تعايش سلوكه وتلاقح مع مثل تلك الأوساط ؟ .. هل تظنّ عزيزي القارئ الكريم أنّ عويل المرأة المنكوبة بابنها أو بأخيها تلقى عطف وشفقة من ممّن اعتاد منذ صغره على رؤية وسماع ممارسات” سنويّة أو “أربعينيّة” منتظمة! عويل وما شاكل , يعني ليس من بيئة معسكرات “كشّافة” ورحلات بحث عن آثار أو دراسات حياتيّة , ثمّ نطلب منه أن يلقي بالاً أو أذناً صاغية لنساء العويل واللطم والبكاء اليومي من المنكوبات بالتفجيرات والمداهمات ! مثل هذه المطالب مستحيلة من أصحاب فكر طائفي ظلامي “لأنّهنّ لسن بأفضل من نساء آل البيت ع المنكوبات” ! ..