بقيت “الشقراء ذات الملامح الروسيّة” ابنة أحد أحياء بغداد ؛ عدّة أيّام , متألّمة ووجهها شاحب قليلة الكلام مع زملائها في “الكلّيّة” وحين تجرّأت وسألتها السبب “وأنت الفتاة الّتي عهدناك مرحة” قالت بنبرات لا تخلوا من الحزن البسيط : ذبحوا صديق عائلتنا الخروف ! ..
اللحوم عنوان وشعار الشرائح الاجتماعيّة الغنيّة , فما من فقير يمتلك خيالاً على قدر حاله المعدم إلاّ ووجد الغنيّ آخذاً الحيّز الأكبر من مخيّلته الضئيلة تلك متربّعاً وسطها منتفخ البطن والخدود ماسكاً بإحدى يديه قطعة كبيرة من اللحم يستعدّ لنهشها بقوّة اقتطعها من “لشّة” خروف موضوع في أعلى تلّة من الرزّ في إناء معدني كبير “صينيّة” كبيرة الحجم .. “في مصر اللحوم يجب أن تكون في مخيّلة فقرائهم وهم بعشرات الملايين كومة من الدجاج المشوي أو المقلي وبالتالي فأجدها مفارقة واضحة لها علاقة بالتراث الفرعوني لم ينتبه لربما إليها أحد أنّ الطيور تشكّل علامات واضحة في حياتهم وغذائهم نجدها من خلال رسومهم ومنحوتاتهم الفرعونيّة بينما الخراف لا وجود لها تقريباً !” .. ولربّما أنّ “اللحوم” بعد “اللحوم النسائيّة البيضاء” تقف في مقدّمة الأسباب الّتي تدعوا ضعاف النفوس من البشر وهم كثر لنهب الأموال وللحروب المدمّرة .. فلأجل الحصول على حياة ملئا باللحوم من كلا الصنفين راح ضحيّتهما مئات الألوف من التريليونات من الضحايا البشريّة ومن “الحيوانيّة” بشر وخراف وعجول وبقر وخنازير وحمير وجياد وبغال وطيور و “جراد صحراوي!” وفراشات أفريقيّة طيلة تاريخ الوجود البشري ! .. يأتي عيد الأضحى السعيد كلّ عام كرنفالاً دمويّاً في عقر دار إحدى أكبر الديانات في العالم “مكّة” نقيضاً لدعوة القرآن للرفق بالحيوان << وما من دابّة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه “لعد اببيش يطير” إلاّ أممٌ أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيء “ثمّ إلى ربّهم يُحشرون!” >> صدق الله العظيم .. يعني الجميع سيحشر يوم القيامة “ناطق وغير ناطق” لا كما يزعم المفسّرون أنّ الإنسان فقط سيخلّد يوم القيامة وباقي المخلوقات تتحوّل تراباً ! والأضاحي تأكيداً وبديلاً وتعويضاً عن نحر “إسماعيل” بكبش عظيم .. ! وبرّر مسلمو ما بعد ظهور الاسلام عبر قرون من الاجتهادات تحوّلت ديناً ! كلّ ما من شأنه “يريح ضمائرهم” وهم مقدمون على الذبح , بدءً من “حدّ السكّين جيّداً كي لا يتألّم الخروف!” وانتهاءً بتوزيعه قطعاً على الفقراء أو بيعه داخل “فاترينات” لامعة تضاهي بيع المجوهرات أحياناً ! .. وقد وضعوا أحاديث لا تحصى عن الرفق بالحيوان أثناء النحر لم يتطرّق إليها القرآن إطلاقاً ! .. لذلك نجد القائمون على الدين لا يقبلون بالقرآن فقط في التشريع فلابدّ وترافقه بحسب رأيهم ولأجل أن لا يُفتضح أمرهم ؛ الأحاديث النبويّة , أي “السُنّة” كي يستمرّون في “اللعب على كيفهم” ! ..
النباتات “ولو هي أيضاً من الأحياء ولكن لنقل أنّها من الممكن إغماض أعيننا عن استباحة <دمائها> حالياً كغذاء لنا” تحوي كمّيّات من الزيوت ما تعوّض به جميع احتياجات أجسادنا ولحاسّة الشمّ لدينا من الدهون المقليّة أو المشويّة لمجرّد إخضاع أبداننا ورغباتنا وشهواتنا إلى سلسلة من “الاقلاعات” .. والاقلاع عن تناول اللحوم سيخفف كثيراً من حدّة الاصطدامات البشريّة كما يُفترض والاحتقان الدموي عبر جميع جبهاتها بعد انحسار ذبح الدواب والطيور سرقات غارات غزوات حروب فتن بأنواعها , وسيساعد النباتات , كمرحلة أولى عن الاقلاع البشري عن تناول الأطعمة بالطريقة التقليديّة الشرهة أو الرقيقة بالشوكة وبالسكّين ! والاستفادة من أولى خطوات هذا الإقلاع عن طريق اليوغا الهنديّة وشروطها في النظام الغذائي والاستفادة من صيام طائفة من النصارى عن اللحوم والتغذّي فقط على الخضار ..
أصوات السلام على الأرض ضعيفة .. والدعوات إلى “النباتيّة” أضعف بكثير .. والّذين يقاتلون الظلم عبر التاريخ من أقلّ الجيوش عدّةُ وعدداً لا يتجاوزون ال”ثلاثمائة” نفر على مرّ التاريخ الانساني وكأنّها منعاً من الله للدماء أن تسيل بغزارة أثناء إظهار الحقّ إلاّ بمقدار ضئيل ..
“كيكي و فيكي” كما أطلقنا عليهما تلك التسمية ؛ خروفان كانا صغيرين حين دخلا بيتنا قبل ست وثلاثين سنة بمثابة “هديّتين” من جهة صداقة حميمة ربطت أحد أخوتي بصديق من البادية وكانا من الخراف الّتي سجّلت ذكريات لدى عائلتنا صغاراً وكباراً لا تنسى دوناً عن الكثير من الخراف الّتي دخلت البيت “للاحتفال بهنّ” بمناسبات عدّة على مدى عقود , وطال بهما المقام عندنا , وصادف وقتها أنّ لدينا حديقة في الدار فسيحة تسمح بالمرح المحدّد , فكانا فيها يلعبان الكرة معنا ! على قدر ما تسمح لهما طبيعتيهما البدنيّتين , وكانا يطيعان بشكل عجيب أفضل من الكلب المدرّب ! وكانا يجربان “نطحنا” للمرح معنا ويتمرغلان على الأرض مع كلّ نطحة تعبيراً عن “ضحكهما” معنا ! .. في الحقيقة بدأ أغلب من في البيت العزف عن تناول اللحوم يسري بيننا في ذلك الحين خجلاّ ربّما وقد استقرّ حبّهما لدى أفراد العائلة , ومن كلا الطرفين ! .. فكّرنا باستحالة ذبحهما على عكس جدّتنا الّتي كانت تفكّر في المناسبة الملائمة لذبحهما ! .. استمرّ السجال “النفسي” طويلاً لدينا ونحن وكأنّنا أصبحنا أمام حقائق كونيّة خطيرة طالما اعتبرناها مسلّمات لا حياد عنها كان بإمكانها أن تغيّر الكثير من قناعات عدد لا بأس به من أفراد عائلتنا وصلت حدّ الشكوك بمن وقف وراء تناول الحيوانات كطعام للحيوان البشري المتحضّر ! لولا أنّنا نهضنا صباح ذات يوم وحدنا يبلّغ الآخر بسرقة الخروفين من الدار ! ..
“الطبيعة المتجاوبة” الّتي تكمن في قرارة نفوس النعاج قد فاجأتنا , حتّى أنني بعدها كثيراً ما أردّد في نفسي : هل العقل البشري لم يكتمل بعد ؟ .. وما قياسه حاليّاً إلاّ على قاعدة حيوانات أقلّ ذكاءاً منّا ولم نكتشف لحدّ الآن من هو أكثر ذكاءاً موضوعييّاً منّا ولكنّه بالتأكيد موجود ! .. وهل عقولنا بحاجة إلى تطوّر لن يقف عند حدود ؟ .. وهل الكلب مثلاً أصله خروف أم العكس ؟ .. وهل لتلك الصلة علاقة كونيّة تبلورت عبر ملايين السنين لتضع الخروف في عهدة الكلب لحراسته ! .. وهل جميع الحيوانات قابلة عقولها ذا ما توافرت الظروف للارتقاء الى مصاف العقل البشري ولكن بانتظارحقب ومسافات زمنيّة طويلة ؟ .. ولماذا رعاة الأغنام يميلون دوماً إلى الطعام النباتي ؟ فهل هنالك علاقة “نفسيّة” بين راعي الغنم وبين رعيّته ؟.. وكذلك أغلب الزرّاع ؟ .. ولماذا لا يبالي رئيس وزرائنا العزيز السيّد أحمد .. عفواً قصدي السيّد المالكي ويأخذ العبرة من راعي الأغنام فيعزي بدلاً عن ذلك ملايين الغالونات والأمتار “المكعّبة المشرّفة” ومن لحوم ملايين جثث العراقيين ومن دمائهم الّتي سالت وتسيل في عهده والّذي افتتحه في عيد الأضحى في مثل هذه الأيّام السعيدة بتوقيعه على إسالة دماء رئيس عراقي سابق له ثمّ ويُرجع كلّ مجزرة بشريّة ويوم دامي من الأيّام الّتي رافقت حكمه لنا وهي بالمئات ؛ عبر إذاعته المفضّلة “العراقيّة” إلى عوامل طبيعيّة “كالعاصفة” مثلاً ! أو جغرافيّة ك”دول الجوار” أو داخليّة “مغرضة” أو “سياسيّة” قافزاً ببراعة أمهر قافزي الموانع الأولمبيين عبر التاريخ دون أن يلوم نفسه مرّة واحدة ولو من باب “اسقاط الفرض” الّذي توجبه عليه الديمقراطيّة الّتي أوصلته للحكم , فتحوّل بدلاً عن ذلك من رئيس وزراء إلى مراسل صحفي ينقل لنا ويفسّر ويحلّل أسباب انفلات الأمن بالكامل وعدم قدرته على السيطرة عليه ووقفه وكأنّه خارج نطاق مسؤوليّته وخارج نطاق عمله كرئيس للحكومة له تجارب وخبرات 8 سنوات ! ومن دون أن يفسح المجال لغيره “ديمقراطيّاً” ليعطي للعراقيين فرصة وأمل بوقف هذا الإرهاب الدمويّ “الإضحوي” الّي يبطش بهم وبأبنائهم يوميّاً اولّذي لم ير النور إلاّ في عهد سعادة دولته ؛على الأقل فيما لو حصل وتنازل يثبت أنّ غيره ليس بأفضل منه ممّا قد يُعاد انتخابه مرّةُ ثانية .. أم أنّ سعادته عزوفه عن التنازل لغيره رعباً منه أن يكون غيره قادر على ضبط الأمن فيقع هو حينها بحرج شديدعلى شكل مصيبة لا تحمد عقباها بالنسبة إليه ؟ ولذلك زلق لسانه يوماً وقال “ما ننطيهه” لأنّه يعرف أنّ المجازر لا تغتفر في بلداننا مهما طال الزمن , بعكس المجازر الّتي يفعلها حكّام بلدان اشتهرت بزعمها تطبيق الديمقراطيّة والتقدّم إذا ما تنحّى أحدهم فلن تطاله أيدي الحساب والعقاب من الشعوب المنكوبة به ك”بوش” مثلاً ومهما ارتكب من مجازر حتّى لو أفنى بأضعاف ناكازاكي وهيروشيما وأضعاف ما حصل في العراق وفي فيتنام ..