23 ديسمبر، 2024 3:56 م

في ديوان جديد للشاعر محفوظ داود سلمان .. الفنارات ترحل ، والقصيدة تبكي على الأطلال

في ديوان جديد للشاعر محفوظ داود سلمان .. الفنارات ترحل ، والقصيدة تبكي على الأطلال

 مطلع عام 1979 ، أنهيتُ قراءة رواية (شرق المتوسط) للدكتور عبد الرحمن منيف . الرواية صدرت عام 1977 ، عن دار الحرية للطباعة في العراق . ومن هذه الرواية دَوّنْتُ إلتقاطات عديدة ، وهو أمر أفعله مع العديد من الكتب التي أقرأُها .
    ومن هذه الالتقاطات ، أنقل النصَّ التالي ، وفيه يخاطب الروائي الباخرة اليونانية ((أشيلوس)) : (سيأتي يوم تقفين في ميناء مهجور . لم يتركوا لك فرصة لكي تغرقي في البحر الكبير ، في أعماق المياه الخضراء . سوف يجرونك الى الميناء وهناك يجردونك من ثيابك ، من الذكريات ، ويتركونك وحدك ، مثل سجين قال كل ماعنده ..) .
    قرأتُ هذا النص مجدداً ، وأمامي على الطاولة الآن الديوان الشعري الجديد للشاعر محفوظ داود سلمان ، والذي حمل عنوان : حانة   المقبرة .
    ولكن ما علاقة هذا الديوان ، وذلك النص الروائي ؟ والجواب : في قصيدة (من بعيد) ، يقول الشاعر :
    لأن السفائن مهجورة في بحار
    فان الفنارات ترتحل الآن
    حراسُها المتعبون ..
    يلمون أضواءَها من بعيد ..
    في لحظةٍ ما ، شعرتُ أن (بيئة) المرافئ : من أرصفة وفنارات وسفن ، تشكل رابطاً بين هذا الديوان وتلك الرواية ، شعور قد يُخطئ وقد يُصيب ..
42 قصيدة
    يضم الديوان (42) قصيدة ، موزعة على (180) صفحة من القطع المتوسط ، تبدأ بقصيدة (البلدة المحجوبة) ، وتنتهي بقصيدة (آخر ملوك غرناطة) ، وحملت جميعُ القصائد تواريخ محددة ، لعلها تواريخ    نظمها .. .
    ولأن الديوان حمل اسم (حانة المقبرة) ، وهي القصيدة رقم (14) وتحمل تاريخ (2/4/2009) ، فقد آثرتُ أن أبدأ بها .. يقول الشاعر :
    جماجم الموتى مهيأة لشرب الخمر
    أقداح الشراب بلا عرى
    إذ ليس ثمة من ندامى غير موتاها
    تعبُّ شرابَها من خمرة النسيان
    بهذه المشاهد القاتمة ، يعرض الشاعر مقطعاً من حانة إفتراضية .. ثم يمضي قائلاً :
    يستيقظ الموتى مساءاً يجلسون على
    هياكل أو أرائك من عظام .. 
    يتذاكرون وليس من ذكرى سوى
    أطيافهم من منزل الاموات في الليل القاتم
    دون شك هناك (رمزية) مقصودة بهذه المشاهد ، تخفي ، خلفها ألماً وسخرية مرة .
    وفي قصيدة حملت عنوان (خيانة) ، وتاريخ : (7/11/2008) يقول الشاعر :
    أنا أموتُ كل يوم
    حاملاً دمي على الصليب
    تخونني ذاكرتي فتسقط الامطار
    …
    تخونني قصيدتي ..
    مكتبتي تباع في الطريق ..
    لا يذكرني ، وربما صديق
    الملاحظ في الديوان ، أن جميع قصائده تحمل تواريخ عام (2008) فصاعداً ، وليس صعباً ان نفهم اسباب الربط بين الزمان والقصائد .. وللتذكير نقول : ان الديوان الجديد للشاعر محفوظ داود سلمان ، يكمل ديوانه السابق (نذور حجرية) ، من حيث قصيدة الحزن والبكاء على الاطلال .