مطلع عام 1979 ، أنهيتُ قراءة رواية (شرق المتوسط) للدكتور عبد الرحمن منيف . الرواية صدرت عام 1977 ، عن دار الحرية للطباعة في العراق . ومن هذه الرواية دَوّنْتُ إلتقاطات عديدة ، وهو أمر أفعله مع العديد من الكتب التي أقرأُها .
ومن هذه الالتقاطات ، أنقل النصَّ التالي ، وفيه يخاطب الروائي الباخرة اليونانية ((أشيلوس)) : (سيأتي يوم تقفين في ميناء مهجور . لم يتركوا لك فرصة لكي تغرقي في البحر الكبير ، في أعماق المياه الخضراء . سوف يجرونك الى الميناء وهناك يجردونك من ثيابك ، من الذكريات ، ويتركونك وحدك ، مثل سجين قال كل ماعنده ..) .
قرأتُ هذا النص مجدداً ، وأمامي على الطاولة الآن الديوان الشعري الجديد للشاعر محفوظ داود سلمان ، والذي حمل عنوان : حانة المقبرة .
ولكن ما علاقة هذا الديوان ، وذلك النص الروائي ؟ والجواب : في قصيدة (من بعيد) ، يقول الشاعر :
لأن السفائن مهجورة في بحار
فان الفنارات ترتحل الآن
حراسُها المتعبون ..
يلمون أضواءَها من بعيد ..
في لحظةٍ ما ، شعرتُ أن (بيئة) المرافئ : من أرصفة وفنارات وسفن ، تشكل رابطاً بين هذا الديوان وتلك الرواية ، شعور قد يُخطئ وقد يُصيب ..
42 قصيدة
يضم الديوان (42) قصيدة ، موزعة على (180) صفحة من القطع المتوسط ، تبدأ بقصيدة (البلدة المحجوبة) ، وتنتهي بقصيدة (آخر ملوك غرناطة) ، وحملت جميعُ القصائد تواريخ محددة ، لعلها تواريخ نظمها .. .
ولأن الديوان حمل اسم (حانة المقبرة) ، وهي القصيدة رقم (14) وتحمل تاريخ (2/4/2009) ، فقد آثرتُ أن أبدأ بها .. يقول الشاعر :
جماجم الموتى مهيأة لشرب الخمر
أقداح الشراب بلا عرى
إذ ليس ثمة من ندامى غير موتاها
تعبُّ شرابَها من خمرة النسيان
بهذه المشاهد القاتمة ، يعرض الشاعر مقطعاً من حانة إفتراضية .. ثم يمضي قائلاً :
يستيقظ الموتى مساءاً يجلسون على
هياكل أو أرائك من عظام ..
يتذاكرون وليس من ذكرى سوى
أطيافهم من منزل الاموات في الليل القاتم
دون شك هناك (رمزية) مقصودة بهذه المشاهد ، تخفي ، خلفها ألماً وسخرية مرة .
وفي قصيدة حملت عنوان (خيانة) ، وتاريخ : (7/11/2008) يقول الشاعر :
أنا أموتُ كل يوم
حاملاً دمي على الصليب
تخونني ذاكرتي فتسقط الامطار
…
تخونني قصيدتي ..
مكتبتي تباع في الطريق ..
لا يذكرني ، وربما صديق
الملاحظ في الديوان ، أن جميع قصائده تحمل تواريخ عام (2008) فصاعداً ، وليس صعباً ان نفهم اسباب الربط بين الزمان والقصائد .. وللتذكير نقول : ان الديوان الجديد للشاعر محفوظ داود سلمان ، يكمل ديوانه السابق (نذور حجرية) ، من حيث قصيدة الحزن والبكاء على الاطلال .