16 أبريل، 2024 5:40 ص
Search
Close this search box.

في دمشق أوهام قيصرية وفِي بنغازي عنتريات حفترية !

Facebook
Twitter
LinkedIn
في سوريا، شدّد وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، خلال مؤتمر صحفي عقد يوم أمس الثلاثاء 23 يونيو، على ضرورةتحويلقانون قيصر إلى فرصة للنهوض بالاقتصاد الوطني، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتعميق التعاون مع الأصدقاء والحلفاء في مختلفالمجالات“.
لعل أكبر مصدر  للصدمة ثم الدهشة من تصريحات المعلم هي تلك الصورة التي نقرأها في كلماته عن الوضع في سوريا ، الذييبدو طبيعيا للغاية. فلا يوجد أي دمار أو مهجّرين في الداخل والخارج، والدولة تقوم بواجبها على أكمل وجه، وملتزمة بدفعالرواتب لجميع الموظفين والعاملين في مؤسساتها، ولا يعاني الشعب السوري من غلاء المعيشة وانخفاض القيمة الشرائيةللرواتب .. وكل الجلبة المثارة حولقيصرلا يراها المعلم سوىفرصة للنهوض بالاقتصاد الوطني، وتحقيق الاكتفاء الذاتي،فسوريا معتادة علىالتعامل مع العقوبات الأحادية التي فرضت عليها منذ 1978 تحت مسميات عدة وصولا إلى ما يسمى قانونقيصر“.
هكذا بكل بساطة وأريحية!
لكن المعلم لم يخبرنا أن راتب المعلم أو الطبيب وصلت قيمته إلى ما يعادل 15 دولارا أمريكيا، بينما أصبح راتب العقيد فيالجيش العربي السوري لا يتجاوز 40 دولارا شهريا. وتعامل الوزير مع الوضع السوري الراهن وكأن حاجة الشعب تقتصر على ربطةالخبز ، متجاهلا غياب الحد الأدنى من البنى التحتية من ماء وتدفئة وسكن ورعاية صحية، بعد أن دمرت 70% من هذه الخدمات.
إلا أن ما يلفت الانتباه حقا في المؤتمر الصحفي، ما يقرأه المرء من تعبيرات الدهشة والذهول على وجوه الصحفيين، الذين كانواكمن يتابعون رائد فضاء عاد لتوه من كوكب القمر، بينما يحكي لنا عن حياة لا نعرفها، في مكان ما ووقت ما، ليس هنا والآنبالتأكيد.
إن كليشيهات المؤامرات الخارجية المحاكة ضد سوريا، والمزايدات الإنشائية حول دورالصمود والمقاومةلم تعد تسمن أوتغني من جوع. ولم تعد غالبية الشعب السوري تقتنع بها أو تقبلها. فالغالبية العظمى من الشعب السوري أصبحت على قناعةتامة بأن المخرج الوحيد لإنقاذ سوريا وشعبها هو الانتقال إلى سوريا جديدة بنظام آخر يشارك فيه الجميع على قدم المساواةلبناء اقتصاد وطني جديد، يحسن من أوضاع الشعب السوري، ويقيله من عثرته الراهنة.
لقد تكلّس النظام الذي استمر حوالي 50 عاما، وآن أوان التغيير الحقيقي لنظام الحكم في سوريا.
ولأكون صريحا، فإن هذا النظام لم يعد مقبولا من غالبية الشعب السوري، وكل محاولات عرقلة النظام لتنفيذ قرار مجلس الأمنرقم 2254، أو الالتفاف حوله، أو إيقاف عجلة التاريخ عند لحظات بعينها، لن تطيل من عمر النظام أكثر من بضعة أشهر. وما نقرأهمن المؤتمر الصحفي لوليد المعلم هو أن النظام في دمشق لا ينوي القيام بأي خطوات جدّية للمشاركة في الانتقال إلى مرحلةجديدة في سوريا كما نصّ عليها قرار مجلس الأمن رقم 2254، وأن الوضع الحالي مريح ومناسب بالنسبة لهذا النظام.
يتوهّم القابضون على زمام الحكم في دمشق أن روسيا ستضطر لدفع المليارات لدعم النظام في دمشق أمام مواجهات التحدياتالأمريكية، ممثلة في القيود الاقتصادية الجديدة التي ينص عليهاقانون قيصر، بل إن بعض الشخصيات السورية في دمشق تعتقدأن من واجب روسيا ضخ تلك المليارات ثمنا للدور الكبير الذي قدمته القيادة في دمشق لخدمة توجهات السياسة الخارجيةالروسية، والتي أعادت لروسيا مكانتها على الصعيد الدولي، بفضل سوريا وسماحها باستخدام ميناء طرطوس كقاعدة عسكريةلتأمين احتياجات الأسطول الروسي في البحر الأبيض المتوسط؟!
كذلك هناك من يراهن من السوريين على أن مناطق شمال وشرق سوريا ستنتعش اقتصاديا بسبب ضخ الولايات المتحدة الأمريكيةوتركيا أموالا ضخمة لدعم سيطرتهم عليها، بينما ترزح بقية الأراضي السورية تحت وطأة البؤس والفقر والمشاكل التي ستنفجرجنوب البلاد، وبدأت بوادرها تطفو على السطح فيما نراه من مظاهرات يومية في السويداء، واعتقال 8 نشطاء سياسيين، بالإضافةإلى بعض التوترات في مناطق حوران ومدينة درعا، بل إني أعتقد أن المظاهرات التي اندلعت، الأحد 21 يونيو، أثناء تشييع جثامين9 شباب قتلوا بحادث تفجير بالقرب من درعا، قد تكون شرارة لن تهدأ بعدها الأحوال في الجنوب السوري، إلا بعملية تغييرحقيقة. على الجانب الآخر هناك من يرى أن مسؤولية تمويل هذه المناطق، حفاظا على سيطرة النظام في دمشق، تقع على عاتقروسيا وإيران، وبالتالي فلا داعي لإجراء أي تغييرات في سوريا، والاستمرار على النهج الحالي، حتى لو أدى ذلك إلى تقسيم سورياإلى ثلاث أو أربع دول. أي ألم وأي حسرة تصيبني وأنا أكتب هذه العبارة! لكنه، ومع الأسف الشديد، الواقع الذي تعيشه سوريا،وقد وصلتني رسائل بهذا المضمون من شخصيات متواجدة في دمشق، تسعى لتوريط روسيا، وجعلها رهينة للأزمة السورية،متجاهلة كل ما قدمته روسيا من موارد وجهود وأرواح، وكل ما قامت به بمشاركة مجموعة أستانا، وهو ما حمى سوريا ولا زاليحميها من مصير الدولة الفاشلة.
إن سوريا لن ترى بريقا لأي أمل بتحسين وضعها وإنهاء معاناة شعبها دون شروع فوري في عملية الانتقال السياسي، ما يسمحللمجتمع الدولي بالبدء في المشاركة الجماعية الدولية في ضخ المليارات لإعادة إعمار سوريا، وعودة الأمور إلى طبيعتها. وكل ماهو دون ذلك ليس سوى انتحار للنظام الحالي في دمشق وإطالة أمد معاناة الشعب السوري.
في ليبيا، تتأزم الأوضاع بشكل أساسي لرفض قائدالجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، التوقيع على اتفاق وقف إطلاقالنار، 14 يناير الماضي، بعد أن بادرت القيادة الروسية بدعوة أطراف النزاع الليبي إلى موسكو، ولا أريد الدخول في تفاصيلالمبادرة الأخرى التي قامت بها برلين بعد ذلك، ولكن من الواضح أن رفض حفتر التوقيع في موسكو، على الرغم من المحاولاتالمكثّفة والمضنية التي قامت بها شخصيات روسية مسؤولة إلى وقت متأخر في الليل بالفندق الذي تواجد فيه وفد حفتر، كان لهأثر واضح في تدهور الأوضاع بالنسبة للمشير. فمنذ ذلك التاريخ (ما يقرب من ستة أشهر الآن) والمعارك مستمرة، في ظل تطوراتسياسية وعسكرية على الأرض، بعد أن دخلت مذكرة التفاهم بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية بشأن التعاون الأمنيوالعسكري حيز التنفيذ الفعلي على الأرض. وذلك في الوقت الذي تحظى فيه حكومة الوفاق الوطني عمليا باعتراف من قبل مجلسالأمن، وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر، إلا أن تلك تبقى حقيقة تجعل من الصعب توجيه اللوم إلى تركيا بمخالفة مبادئوقوانين الأمم المتحدة في بناء علاقات مع الدول الأخرى. بل أضيف أن أولوية استفادة تركيا من علاقاتها مع جارتها ليبيا علىالبحر الأبيض المتوسط تعود إلى عدة أسباب، من بينها أسباب تاريخية، وأخرى دينية، وكذلك فإن تركيا، التي لا تتوفر على أراضيهاآبار للنفط، في أمس الحاجة إلى علاقات اقتصادية مع جارة غنية بالنفط مثل ليبيا، وكذلك الحال بالنسبة لمصر، وعلى أقل تقديرفإن لتركيا ومصر الأولوية عن فرنسا أو إيطاليا أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية للتنافس على علاقات اقتصادية متميزة،وعلاقات حسن الجوار على جميع الأصعدة مع ليبيا.
وقد أظهر السياسيون في حكومة الوفاق الوطني، مطلع هذا العام في موسكو، مرونة وانفتاحا، بتوقيعهم على اتفاق وقف إطلاقالنار، بينما رفض حفتر، لتصبح النتيجة خسارته الكثير من المواقع والأراضي التي كان يسيطر عليها، وأصبحت من بين نتائج تعنتهصعوبة إقناع الطرف الآخر بوقف إطلاق النار في ظل الظروف الميدانية الجديدة، وبعد أن أصبح السراج يحظى بتأييد ودعم لاسقف له من حليف قوي مثل تركيا، الدولة الإقليمية الكبرى.
اليوم يتعين على حفتر وضباطه أن يدركوا أن ميزان القوى لم يعد في صالحهم، ويجب ألا تخدعهم أوهام بناء تحالف عربي يمكنأن يغيّر موازين مسرح العمليات العسكرية على الأرض. لابد للمشير خليفة حفتر ورفاقه أن يسعوا للتصالح فورا ودون أي شروطمسبقة مع الطرف الآخر، بغرض خلق أرضية لمصالحة وطنية في ليبيا، تشارك فيها أيضا العشائر والقبائل، لإنهاء معاناة الشعبالليبي. فهل يعقل أن يتعرض الليبيون إلى الموت من برد الصحراء الشتوي وليبيا من أغنى بلدان العالم بالنفط الخام. أتصور أنعلى رأس الأولويات التي يتعيّن على جميع القيادات الليبية وضعها في الاعتبار هي إنقاذ الشعب الليبي، الذي يعاني الفقر والموتاليومي من المرض والجوع، بينما يمتلئ باطن أراضيهم بكنوز هائلة.
في فلسطين، يبرز الوضع الجديد الذي حل بالقضية الفلسطينية نتيجة لإعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن صفقة القرن،28 يناير الماضي، ثم خطة نتنياهو لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، التي ينوي البدء بتنفيذها، وكل ذلك ليس جديدا علىالفلسطينيين. فمخططات تصفية القضية الفلسطينية والنيل من حقوق الشعب الفلسطيني قديمة ومستمرة. لكن الجديد فيتاريخ النضال الفلسطيني هو ذلك الانقسام الفلسطيني المؤلم الذي نراه اليوم، والعجز عن استعادة الوحدة الفلسطينية، وأؤكدهنا أن هذا الانقسام وما يجري على الساحة الفلسطينية هو أخطر بكثير من كل المخططات الأمريكية والإسرائيلية التي تحاك ضدالقضية الفلسطينية. فثوابت القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني مثبتة دوليا بقرارات الأمم المتحدة، ومهما تمالتعدّي على الأراضي الفلسطينية أو اقتطاع أجزاء منها، فإن الحق الفلسطيني سيعود يوما ما للشعب الفلسطيني. لكني لا أعرفكيف ستسجل القيادات الفلسطينية سلوكها الحالي في تاريخ النضال الفلسطيني، بينما تعجز في ظل الظروف العصيبة الراهنة عنتجاوز الخلافات، واستعادة اللحمة الوطنية الفلسطينية. وأكتفي هنا بالقول بأنه لا يوجد أي مهمة أو نشاط على جميع الأصعدةالدولية لمواجهة مخاطر المرحلة الراهنة أهم من استعادة الوحدة الفلسطينية.
في اليمن، يعيش الشعب اليمني أكبر مأساة إنسانية في العالم، وبدلا من الخوض في تفاصيل وتحليلات للوضع وتاريخه والأسبابالتي أدت إلى ما آلت إليه الأوضاع الراهنة، سوف أكون صريحا لأبعد الحدود.
إن حل مشكلة اليمن بيد المملكة العربية السعودية وحدها. فالمملكة هي الدولة الوحيدة التي بإمكانها أن تنهي معاناة الشعباليمني، وتتوصل إلى اتفاقات بين جميع الأطراف اليمنية، بما في ذلك العشائر. قطعا سوف يحتاج ذلك إلى موارد مالية ضخمة، إلاأن السعودية لديها تلك الإمكانيات، وباستطاعتها وقف نزيف الدم المستمر هناك لسنوات. ولن تتحرك قضية اليمن قيد أنملة دونتوفر إرادة سياسية سعودية ترغب في وضع حد للأزمة اليمنية.
أما في الجامعة العربية، فقد لفت انتباهي خبر يفيد بأن مصر طلبت عقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية بشأن ليبيا!
كان مثار الدهشة في أن مبادرة كهذه لم تحدث بشأن مواجهة مخططات الضم الإسرائيلية للضفة الغربية، أو لمساعدة الشعبالسوري لمواجهة الآثار الكارثية لـقانون قيصرعلى تدهور أوضاعه المعيشية، أو لمعالجة الأزمة المالية الكارثية التي تواجههالبنان اليوم. وبدلا من أن تبادر مصر بعقد اجتماعات وجلسات طارئة حول القضايا الحيوية الملحة لملايين العرب في فلسطينوسوريا واليمن ولبنان والعراق، تحاول أن تزج بالجامعة العربية في صراع جديد مع تركيا. فأي منطق هذا؟
من الواضح أن الدفع نحو توتر العلاقة مع تركيا اليوم سوف ينعكس بشكل مباشر على توتر العلاقات بين الدول العربية وبعضها،وستكون له تبعاته الإقليمية والدولية. وأشير هنا إلى المبادرة الأخيرة التي طرحها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي،للمصالحة بين الأطراف المتصارعة في ليبيا، والتي لاقت تأييدا من موسكو، وقبلها محاولة برلين بهذا الصدد.
إن مثل هذه المحاولات الدبلوماسية، والاعتماد والتركيز على الأرضية التي وضعتها هيئة الأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية لابدوأن تكون الطريق الوحيد للبحث عن حلول لهذه الأزمة. أما أن تتحول الجهود حال فشلها إلى مناوشات إعلامية، وتلاسن علىمواقع التواصل الاجتماعي، ثم حشود عسكرية على الحدود فهذا أمر خطير ومرفوض، وقد تكون عواقبه وخيمة على كل القارةالإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها.
سفير فلسطين السابق في روسيا

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب