أغلب الناس في مجتمعنا لا يتأثر كثراً بما تقدمه له الثقافة المدرسية من علوم ودروس ثقافية مكملة لثقافته العامة التي قد يكون في مراحلها المتقدمة , بل يعتمد أغلب الأحيان على أفكاره العشائرية والأحاديث والمواعظ الدينية التي يطرحها رجال الدين البارزين من خلال المنابر ووسائل النشر والصحف والإذاعات والفضائيات … الخ وخاصة المرأة اليوم متأثرة بما تقوله لها – الملاية – من أحاديث دينية ولطميات أكثر من تأثرها بمناهج العلم والدراسة, وهي متشحة بالسواد صيفا وشتاءً ليلاً ونهارا.. وكأن الحزن مزمن في مجتمعنا منذ العصر السومري لحد الآن .
أن الجيل القديم من الموظفين – جيل السبعينيات وجيل الثمانينيات – قد وقع تحت تأثير ثقافتين متناقضتين هي ثقافة الحروب التي عاشها العراق منذ عام1980 حتى عام 2003 وشارك فيها بشكل مباشر كجندي مقاتل في سوح المعركة أو عضواً في صفوف الحزب الحاكم وأن كان لم ينتمي للحزب آنذاك , لذلك ترى البعض منهم لغاية اليوم يستخدم الأساليب البوليسية في الإدارة من خلال مراقبة الموظفين عند بداية الدوام ونهايته بطريقة التجسس على الآخرين ويكثر من سجلات حضور الموظفين وتوقيعهم إمامه عند بداية الدوام ونهايته رغم وجود نظام حضور الكتروني – نظام البصمة – في أغلب الشركات والدوائر الحكومية في الوقت الحاضر.. وهذا جزء من ثقافته التي تعلمها من أيديولوجية النظام السابق وعمل بها ورسخت في دماغه , على العكس من ثقافة الحاسوب والانترنت التي جاءت طارئة على ثقافته الكلاسيكية المبنية على عسكرة الإدارة واستخدام الأساليب البوليسية في القيادة المستندة على الشعارات التي كان يرددها أيام زمان والمسدس والبندقية كلانشنكوف التي يحملها في البيت ومكان العمل عندما كان التدريب على السلاح جزء من عملنا اليومي ومن يتخلف عنه يعتبر متخاذل ويتعرض للاهانات والتوبيخ من أزلام النظام العاملين معنا أو القادمين من خارج الشركة التي نعمل .. وهو يشاهد اليوم الجيل الجديد من الموظفين يحملون أجهزة الحاسوب المحمولة ( اللآبتوب ) بأيديهم وهم قادمون للدوام الرسمي وهم خارجون من مكان العمل.
أما الجيل الجديد من الموظفين من مواليد العقد الثمانيني جميعهم تقريباً ولدوا خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية(1988- 1980) وشاهدوا ويلاتها من خلال أبائهم وأمهاتهم الذين اكتووا بنارها .. أي أنهم شاركوا فيها بشكل غير مباشر وسمعوا أناشيدها الحماسية (( دكي يالراجمه خلي يغني السما )) كما شاهدوا صور من المعركة من خلال شاشتي تلفزيون العراق وتلفزيون الشباب الموجهين من قبل النظام الحاكم آنذاك , وهما يعرضان بشكل يومي أشلاء الجنود الإيرانيين الممزقة… مما جعل شخصيتهم الحالية مزدوجة فيها شيء من العدوانية والعصبية على الرغم من اتصالهم بالثقافة الحديثة والانفتاح الثقافي والعلمي الذي يعيشه العراق حاليا والذي جعلهم أكثر اطلاعاً على ما يجري في العالم من أحداث من خلال الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات.
كما أن الكثير منهم تأثر كثيرا بالعادات والتقاليد العشائرية التي ورثها عن أجداده وإبائه و بالمواعظ الدينية التي يسمعها من خلال الفضائيات الدينية فأطلق العنان إلى لحيته وأصبح يفتي بالأمور الدينية بالاستناد إلى رجل الدين الذي يقلده.. وهو يرفع شعارات دينية في دائرته سواء في غرفة العمل أو في باب الشركة أو الدائرة المعنية , ويناقش الآخرين بالإحداث التي تدور على الساحة العراقية مستنداً إلى فكره الذي تعلمه من الآخرين دون أن يعلم أن النقاش في مثل تلك الأمور هو مضيعة للوقت والجهد وهو حرام وغير مشروع.
أن التغيير المطلوب لا يحدث في يوم وليلة وإنما يحتاج إلى سنوات عده بل أجيال , قد يحدثك البعض منهم عن القيم الفاضلة والإخلاص في العمل والالتزام والنزاهة لكنها تبقى مجرد كلام عندما تمس مصالحه الشخصية حينها ينتفض عليك كالأسد من عرينه ليفترسك عن طريق الوشاية أمام المسئول الأعلى أو يرد عليك بأسلوب عدواني فظ…. ولا نعرف كيف سيكون حال الجيل الجديد الذي عاصر المفخخات والقتل والتهجير الجماعي على أساس الدين والمذهب والقومية على أيدي التنظيمات الإرهابية دواعش العصر, وهو يسمع الأنشودة التي تقول( هلا يا يموت أدنه كّبري متانيني) .