22 ديسمبر، 2024 8:15 م

التغييرات المناخية والتصحر تتوسع …. و تنشر رائحة الفقر والعنف
في اليوم الثالث لرقودها في المستشفى ، أخذت معي فواكه مختلفة لأقدمها اليها ، دخلت الى الردهة فوجئت بسريرها فارغ وبقايا علب الادوية والحقن ما زالت منتشرة على الطاولة بجانبه ، أسرعت الى غرفة الممرضات فتم أعلامي انها غادرت المستشفى باكرا برفقة أحد أقاربها ، لم يجب احد على سؤالي ، كيف تخرج وجسدها مليء بالجروح والكدمات ؟
ووفقا لروايتها تعرضت ، سلمى ، ( اسم مستعار ) 35 عام وام لطفلين ، للضرب المبرح من قبل زوجها ووالده باستخدام العصا والايدي ، لرفضها بيع الدواجن التي تملكها وتدر عليها دخلا لأعالة طفليها .
تقول سلمى ” ان زوجي وعائلته اصبحوا عاطلين عن العمل بعد ان جف نهر القرية منذ اكثر من موسم ومنعتهم الحكومة من الزراعة ” وتضيف ” اغلب اقاربنا نزحوا الى المدينة ، لكن زوجي رفض ترك أرضه رغم انها اصبحت جافة تذر التراب ، و كانت قبل سنوات من اكثر الاراضي انتاجا للحنطة والخضروات في المنطقة ”
ويبدو انها ليست حال عائلة سلمى فقط ، فقد قال مدير زراعة محافظة الديوانية ( نحو 180كم جنوب بغداد ) المهندس صفاء الجنابي ان ” 150 الف دونم تم منع اصحابها من زراعتها خلال الخطة الصيفية للموسم الزراعي الحالي بسبب شح المياه ”
مؤكدا ” تخوف المزارعون من عدم اقرار الخطة الشتوية من قبل وزارة الزراعة والتي تشمل نحو 600 الف دونم في المحافظة بسبب جفاف الانهر ما ينذر بموسم تشهد فيه الاراضي الزراعية جفاف قاس ” لافتا الى ان ” نحو 50% من سكان المحافظة يعتمدون على الزراعة والمهن المتعلقة بها كمصدر أساسي للحياة ”
النساء ايضا يفقدن أعمالهن
ومن ضمن حديثها تخوفت سلمى من اضطرار زوجها الى ” الهجرة بهم الى المدينة للبحث عن عمل ” لافتة الى ان ذلك يعني فقدانها “لدخلها من تربية الدواجن وصناعة الالبان المحلية ”
ولفتت مديرة منظمة الواحة الخضراء (منظمة مجتمع مدني معنية بالزراعة )كريمة الطائي
الى ” بذل المزارعون وخاصة النساء جهود استثنائية في حفر الابار وهي عملية مكلفة ، لغرض الحصول على المياه وعدم هجر الاراضي ” مؤكدة ان ” الحفر لا ينجح في معظم الحالات ما اضطر العوائل للنزوح بحثا عن العمل او المياه نتيجة قلة الامطار وتزايد العواصف الرملية والترابية ، ما يعرض النساء العاملات في مجال الزراعة والمهن المصاحبة لها الى عنف اقتصادي يؤدي الى فقدانهن لمصادر الدخل ”
انتهاك لحقوق الانسان
مدير مكتب المفوضية العليا المستقلة لحقوق الانسان في الديوانية محمد البديري قال ” ان المكتب أشر نزوح عوائل وسكان من الريف باتجاه المدن بحثا عن العمل بعد تصحر معظم الاراضي الزراعية نتيجة تأثير التغييرات المناخية وشح المياه وندرة الموارد ” عادا ذلك ” انتهاك لحقوق الانسان في توفير فرص العمل والحياة الكريمة ، مما سينعكس بشكل كبير على تزايد معدلات العنف بسبب البطالة والضغط النفسي وارتفاع مستوى الفقر، وستكون الفئات الهشة (النساء والاطفال )الاكثر تعرضا للعنف ”
كما حذرت المتخصصة في شؤون الاسرة والمجتمع د. اتحاد حسين ” من ارتفاع بمعدل تزويج الفتيات القاصرات بين الاسر الريفية التي تتأثر بالتغيرات المناخية فضلا عن ترك الفتيات لمقاعد الدراسة او عدم الانتظام فيها بسبب تراجع المستوى الاقتصادي لأسرهن مما يضاعف الفجوة في التعليم بين الجنسين وبالتالي تراجع فرصهن في مجالات الحياة المختلفة ” ،
وهذا تحديدا ما تخوفت منه ” سلمى ” حين ألمحت في حديثها ،( اثناء متابعتي لحالة العنف التي تعرضت لها كجزء من عملي المجتمعي ) ، انها ستتصالح مع زوجها ورفضت بشكل قاطع التعامل مع المحامية التي اقترحتها لها بعد تعرضها للضرب المبرح وقالت وهي على سرير المستشفى :
” ربما سأعود للبيت قريبا كي لا تحرم أبنتي من أداء امتحاناتها النهائية وتبقى تعاني مثلي من الأمية ” ،
واشارت د . اتحاد ايضا ، الى الاحصائيات التي اوردتها دائرة العلاقات العامة في مجلس القضاء الأعلى وذكرت فيها ان “المحاكم سجلت خلال عام 2022 ما مجمله (21595) دعوى تعنيف ضد الأطفال والنساء وكبار السن، وسجلت دعاوى عنف الأطفال فيها (963) دعوى عنف أسري، بينما كان عدد دعاوى العنف التي تخص النساء17438 ” ، لافتة الى ان ” اغلب قضايا العنف الاسري لا تصل لمراحل الشكوى الرسمية نتيجة العرف والعادات الاجتماعية ”
وهذا ما اكده ايضا مدير مكتب حقوق الانسان محمد البديري وقال ” الحكومة المركزية مطالبة بوضع سياسات وتشريعات عاجلة كفيلة بالحد من التأثيرات المناخية وشح المياه على محافظة الديوانية التي تبلغ نسبة الفقر فيها نحو 50% ، ودعم استخدام تقنيات الري والزراعة الحديثة لتقليل النزوح للمدن وايقاف تصاعد مستويات العنف داخل المجتمع ” ،
وبعد عودة سلمى الى بيتها ، رفضت اجراءات الشكوى ، و باع زوجها ما تملكه من دواجن ، لتمويل محاولة حفر بئر في اراضيهم الزراعية ، لم يكتب لها النجاح .