تزامن الحديث عن الخدمة الالزامية مع مفرزات الاحتلال والحكومات التي تلته ، وكان المتحمسين لها هم من المثقفين المدنييين وضباط الجيش السابق وسياسيي عرب السنة متصورين انها الحل الامثل لخلق التوازن في المؤسسة العسكرية وتحقيق اللحمة الوطنية وبناء جيش غير طائفي ، ووصل الامر اليوم الى ان بعض قوى التحالف الوطني طرحته كبديل لاقرار الحرس الوطني نتيجة ضغوطات تعرضوا لها من لدن جهات دولية واقليمية وداخلية تلح في موضوع الحرس الوطني الذي يشكل جزءا من وثيقة الاتفاق السياسي التي جائت بالسيد العبادي الى سدة الحكم.
يمكن القول بأن فكرتي الحرس الوطني والخدمة الالزامية جاءتا بسبب البيئة الطائفية وغياب التوازن ، وفي ظل هكذا بيئة تصبح الحلول كلها خائبة وهذا ما ينسحب على عملية الاصلاح نفسها ، ذلك لأن الطائفية والاستقواء الطائفي هما امهات الشرور والفساد .ومعهما لا تنفع خدمة الزامية ولا حرس وطني وتصبح التوافقات والشراكة اسطورة او نظرية عائمة بحاجة الى اثبات عملي.
دليل واحد يكفي لاثبات صحة ما رمينا اليه وهو ان نسبة (عرب السنة ، والكرد ،والتركمان ،والمسيجيين ،والايزيديين ،والصابئة ، والشبك ،والكرد الفيليين ) بين قادة العمليات وقادة الفرق تبلغ العشر فقط ،والآن بعد الاصلاح اصبحت اقل من هذه النسبة بعد استشهاد القائد سفين الكردي وتعيين قائد شيعي بدله ، ناهيك عن استبدال رئيس اركان الجيش الكردي بشيعي ، وهذه النسب التي تشكل خرقا دستوريا فاضحا هي حالة مستعرة منذ تسلم حزب الدعوة الاسلامية موقع القائد العام لحد الآن ولم تفلح اية محاولة لتغييرها ، مع العرض ان خرق ذلك للدستور يعد جريمتين مركبتين حيث انها تخرق المادة التاسعة (التوازن في القوات المسلحة) وتخرق المادة 61 التي تنص على ان يوافق مجلس النواب على تعيين هؤلاء القادة بينما هو لم يوافق على اي واحد منهم على الاطلاق….ناهيك عن ان ذلك يعد خرقا لاتفاقيتي اربيل وبغداد التي جائت بالسيدان المالكي والعبادي الى سدة الحكم..ناهيك عن انه خرق اخلاقي خطير اول من لا يقبل اهلنا شيعة العراق
هذه الخروقات المخجلة التي لايقبل فيها اي وطني يحترم الدستور والاتفاقات بل والاهم من ذلك يحترم شعبه ويؤمن بالقيم الاخلاقية كما اسلفنا قام بها قائد في حزب الدعوة لدورتين وتلاه الاخر ليغيرها نحو الاسوأ رغم ضغوطات الجماهير مما يدلنا على وجود منهج ثابت سوف لن يتغير الا بسن قانون مكافحة الطائفية وبأشراف دولي..
في ظل هكذا بيئة حتى ولو اقر الحرس الوطني كما يريد سنة السلطة فأن السيطرة عليه سوف تنتقل من حزب الدعوة الاسلامية الشيعي الى الحزب الاسلامي السني وسوف لن يكون جيشا لأهل السنة كما انه لم يكن جيشا للشيعة العرب فالقاسم المشترك الاعظم للاحزاب الاسلامية السنية والشيعية هي رفض الآخر ان لم يكن قتل الاخر..مع العرض ارفض الحرس الوطني كونه عديم اللون والطعم والرائحة.
اما جنود الجيش في ظل هذه البيئة فلو اصبحوا كلهم شيعة 100% او سنة 100% فأن الامر لن يتغير وسيبقون جنود شطرنج بيد القادة وهنا يكمن التوازن وليس بالجنود ، فضلا عن ان الكل سيكونون قادة لدى القائد العام (حزب الدعوة) ويبقى الحل ان يكونوا بيد قائد عام مستقل يقدس عراقيته بدلا من طائفيته شيعيا كان ام سنيا ويحترم الدستور والبرلمان ويوضع له توصيف وظيفي في الدستور الذي سكت عن قصد عن وضع هذا التوصيف بل جعل منه شخصية هلامية غير محددة الصلاحيات كإمبراطور أو أكثر قليلا…مع العرض ان القانون يمنع حتى الجندي البسيط من الانتماء الى حزب فكيف يسمح للقائد العام بالانتماء الى حزب
نقطة أخيرة أريد توضيحها وهي أن منظومات التسليح تطورت كثيرا فالجندي الإلزامي في صنف الدروع مثلا يحتاج الى سنة تدريبية على اقل تقدير ليتقن الدبابة ( ابرامز) والقتال بها ويشمل ذلك التدريب الفردي والإجمالي . فهل نجعل خدمته 3 سنوات لكي يكون تدريبه مجزيا ؟؟ وهل يمكن أن نجعل خدمته سنة الأعداد فقط ؟؟ وكم سيكون هناك من الفضائيين بينهم؟؟ وهل نمتلك انضباط عسكري للقضاء على ظواهر الغياب والهروب والتخلف ؟؟ وهل بأمكاننا اطعام وتسليح بحدود مليون جندي من خزائننا المنهوبة؟؟ أسئلة بحاجة إلى أجوبة..