23 ديسمبر، 2024 2:22 م

في تركيا فشل الانقلاب وسقط النظام 

في تركيا فشل الانقلاب وسقط النظام 

عندما اعلن عن الانقلاب في تركيا ، لم يكن لنا رأيا منحازا الى الانقلابيين او الى نظام الحكم وقلنا لننتظر الساعات القليلة القادمة . وعندما اصبح الصباح ، اشرقت الشمس على فشل الانقلاب واندحار الانقلابيين . اننا بصورة عامة ضد الانقلابات مهما تكن واينما تكون . ولكن قدرنا يسوقنا احيانا الى الانقلاب لعدم وجود وسيلة فاعلة لتغيير نظام الحكم ،. خصوصا اذا كان نظام الحكم دكتاتوريا او جاء على دبابة . ولكن في تركيا نظام حكم ديمقراطي وان تاييد الانقلاب هو انتكاسة للفكر الحر الليبرالي . . وعلى كل حال فان الانقلاب قد فشل رغم ان فرص نجاحه كانت اكبر من فشله ،. ولكن ربما كان السبب الرئيس في ذلك عدم وضوح خارطة الطريق المقترحة لما بعد الانقلاب لعدم وجود اي منهاج للحكم ، اضافة الى مجهولية الاشخاص القائمين على الانقلاب . وسيتضح في قابل الايام الاسباب الحقيقية لفشل الانقلاب . ولكن الذي نعرفه الان ان الشعب بكل طوائفه واحزابه قد اجمع على معاداة الانقلاب ،. لا حبا بنظام حكم اردوغان ، ولكن كرها بالانقلاب العسكري وكرها بالعسكر ، رغم ان دستور تركيا الذي وضعه اتاتورك قد جعل من القوات المسلحة حامية للدستور وللعلمانية كنظام حكم . . ولكن الشعب التركي يتذكر جيدا المآسي التي حلت به بعد كل انقلاب عسكري ،. وقيام العسكر بالتنكيل باليساريين والاسلاميين والاكراد على حد سواء . ولذلك اصبح الشعب كل الشعب ضد الانقلاب ، وهذا هو السبب المباشر والظاهري لفشل الانقلاب ..
 . وفي كل الاحوال فان الشعب قد نجح في افشال الانقلاب والانتصار للديموقراطية ، رغم انها قد جاءت بحزب اسلامي على راس الدولة ، ولكن هذا الحزب لا يشبه حزب الاخوان المسلمين في مصر . . ففي مصر كانت قيادة الاخوان قيادة رجعية متخلفة فشلت في ادارة دفة الحكم خلال عام كامل ، والشعار الذي اطلقوه خلال سنين طويلة بان الاسلام هو الحل ، لم يقدموا اي حل في اي مفصل من مفاصل الدولة . فسقط الاخوان وسقط حكمهم بانقلاب السيسي . اما في تركيا فان الحزب الحاكم قد طرح مشروعا للتنمية ، مع وعد بعدم فرض القوانين الاسلامية وعدم التخلي عن العلمانية كنظام حكم ، اضافة الى عدم تبديل الحروف اللاتينية . 
ان الحزب الاسلامي في تركيا كان اكثر تحضرا من بقية الاحزاب الاسلامية ، ربما لقرب تركيا من اوروبا وتاثرها بالحضارة المدنية والديموقراطية الاوروبية . وقد نجح الحزب فعلا في مفاصل عديدة من الدولة ، وخصوصا في مجال التنمية الاقتصادية ، حيث شهدت السنوات الاولى من حكم الحزب ازدهارا ملموسا ، كما انه حافظ على برنامج عمله وتعهداته للشعب . ورغم ذلك وجدنا اخفاقا في سياسة الدولة الخارجية وتخبطها ، وقد عزز هذا الاخفاق النزعة الفردية للسيد اوردوغان ، الذي ما ان غادر رئاسة الحكومة حتى استلم رئاسة الدولة ، وبقي على راس الحزب الحاكم ، لا بل انه تنازع السلطة مع رئيس الوزراء السابق داووداوغلو ، الذي لم يرق له مخالفة الدستور والاستيلاء على صلاحياته ، فقدم استقالته ، وجاء رئيس الوزراء الجديد بن علي ، التلميذ المطيع لرئيس الحزب . وربما كان هذا واحدا من الاسباب التي دعت الى تمرد الجيش وقيام كتائب منه بمحاولة الانقلاب . 
وبعد فشل الانقلاب . . نجد ان السيد اوردوغان الذي نجح في قيادة الدولة وفي التنمية الاقتصادية والادارية وخصوصا في السنوات الاولى من الحكم ، نجده الان ينتهز فرصة الانقلاب الفاشل ليتخلص من كل خصومه دفعة واحدة ليتفرد بالسلطة اكثر فاكثر ، وهو سائر على مايبدو باتجاه مغاير تماما للنظام الديموقراطي الذي جاء به الى السلطة . كما ان المظاهر الاخيرة للسلطة في تركيا نراها تذهب بعيدا عن مبادئ حقوق الانسان ، وقيامها بالتنكيل بطريقة لا انسانية بكل من شارك بالانقلاب ، دون مراعاة ان البعض منهم ما كان الا منفذا لاوامر قادته العسكر ، اضافة الى قيام السلطة باعتقال آلاف العسكريين ، وعزل آلاف القضاة والموظفين العموميين . وتقوم حاليا باكبر عملية تطهير للجيش والحكومة ، سابقة بذلك قرارات المحاكم الواجب سيادتها على المشهد الحالي . كما تلوح باعادة عقوبة الاعدام لتصفية الخصوم تصفية جسدية ، مخالفة بذلك اتفاقية حقوق الانسان الموقعة مع الاتحاد الاوروبي ، الذي ترغب تركيا بالانظمام اليه منذ زمن ليس بالقصير . 
ان حكام تركيا ينزعون الى التخلي عن كل وعودهم السابقة للشعب ، يضيفون بذلك فشلا جديدا بعد فشلهم في الاستمرار بالتنمية الاقتصادية ، التي نجحوا بها في بداية حكم الحزب . ان الاحزاب ، وفئات المجتمع التي احبطت الانقلاب ستشعر عما قريب بخيبة الامل من اسلوب وطريقة الحكم بعد الانقلاب الفاشل . . . انها مؤشرات قوية على بداية الانهيار وسقوط النظام بنظر الشعب اولا ثم بنظر دول العالم المساندة له ، اضافة الى النزعة الديكتاتورية والانتقام من الخصوم . . وبذلك فان نظام الحكم في تركيا سوف يغادر نهائيا شرعيته وحقه في ادارة الحكم .