22 نوفمبر، 2024 8:49 ص
Search
Close this search box.

في تخبط النخب في وحل الحاجات الأساسية لانطلاق مشاريعهم و معنى الحاجة والجوع و الظمأ عندهم

في تخبط النخب في وحل الحاجات الأساسية لانطلاق مشاريعهم و معنى الحاجة والجوع و الظمأ عندهم

لا ثقافة و لا معرفة و لا بحث جاد و لا تشييد مؤسسات علمية و بحثية متميزة و لا بناء مشاريع اقلاع نهضوية شاملة و جادة و عميقة بدون مال و ليست هذه انتهازية و لا وصولية فالمال مال الله يا من تضجرون من هذا الخطاب و تبعثرون الأموال في الولاءات و الطائفية و المذهبية …

 

إن الجوع و الظمأ عند المثقف المبدع و الباحث صاحب ملامح المشروع و ورقة طريقه ليس بالضرورة فقرا مدقعا أو الحاجة الى لقمة عيش يومية في حدها الزهيد مع ان الوضع هذا يتكرر عند نخب هي ضحية تنبيهات و تحذيرات من يخشون من ظل النخب القديرة للأسف و هم عادة نخب و اشباه نخب…

فقد باتت لقمة العيش في حدها البسيط لسد الرمق عموما ميسورة للكثير لكن العيش الكريم ليس ميسورا للجميع نخبا و عامة الناس…

إن المثقف العضوي و الرسالي يحتاج إلى إستقلالية في العيش والرزق تؤمن له مستقبله و مستقبل نسله و تحميهم و تمنحه هو و أهله الطمأنينة…

يكتب و يبحث و يتنقل و يؤسس مراكز البحث و يكتب للتأليف و يشرف على فرق البحث و مشاريع النهضة و يؤسس صهاريج الأفكار ( ثينك تانك ) و يشتغل على الجيوسياسة و الاستراتيجيا و الاستشراف بتحصيل المعلومة من مصدرها و في زمنها بكلفتها الباهظة و اليات تحصيلها المعقدة…

يكون الأجيال أي ذات الإستعدادات للتشكل كنخب قرير العين هادىء النفس مطمئنا متفرغا كليا لصناعة العقول لا يشعر بنقص يتهدد راحته و تفرغه و عيشه الكريم…

إنني اتحدث هنا عن نخب قديرة و مثقفين سامقين و مفكرين كبار و قامات سامقة علميا ونادرة ( النخبة – الأمة ) ” إن إبراهيم كان أمة ” – قران كريم – لم تساعد المناخات السائدة إسلاميا و عربيا سنيا و شيعيا في ظهورهم بوفرة و انتاجهم و تشكلهم و تكاثرهم…

 

كلما ارتبطت علاقة المثقف و النخب بالسلط الحاكمة و ذوي النفوذ رزقا و وجودا ماديا و معنويا إلا و عكر ذلك صفو عقولهم و نفوسهم و حالتهم الإبداعية و نالت من إستقلاليتهم و استحضار كامل قدراتهم الإبداعية …

 

إن اقتراب المثقف المبدع من السلطة يبتلع و يلتهم نصف عمره و إمكاناته و أسثني حالات تقتضيها الضرورات كممارسة الحوكمة الراشدة لما يتوفر عليها هذا الأخير كما أنني أتحدث عن النخبة و المثقف القدير من جهة وجوده على رأس فرق بحث في مؤسسات يشرف عليها اشرافا علميا لا بمفرده لكن مع فرق بحث منسجمة ليس بالضرورة داخل محاريب الجامعات و مخابرها و بيروقراطيتها في البلاد الإسلامية و العربية خاصة بل بصفة حرة مستقلة…

لا بد من إيجاد اليات لتأمين حال النخب المتميزة و القديرة على ندرتها و قلتها و المنفلتة من هيمنة الأنساق السائدة و الفهوم الفاسدة و من السلط و الانظمة و المجتمعات أيضا هذا على ندرتها…

حتى يتفرغوا فقط للإبداع و التفكير في مخارج و خلاصات و مشاريع جادة من حالة التخلف لامتنا و اوطاننا و حالة التخبط للإنسانية و للتحرر من هذا التخلف الذي يستحوذ على أمتنا بعيدا عن التهويمات و اليوطوبيات و ترديد لشعارات جوفاء و كتابات سطحية و كلام فارغ من قبيل الثرثرة أو مكرور اجوف…

هذا العمل لا يقدمه الفرد المتميز الذي نقبل بدوره التنسيقي و التفعيلي بل فريق بحث يقوده الفرد المتميز علميا من النخبة المتميزة مرفوقا بالوسائل و الأدوات المادية والإمكانات البشرية يحقق بها أهدافه و مرفوقا بتأمين و أمان للنفس و المال و العرض و القوت و المحيط و هامش حرية معتبر و لو خارج بلاد المسلمين…

إن المثقف العملي صاحب القضية و الباحث المستقل الذي يتخبط في وحل نفسه و مع ذاته و يجد صعوبات في لقمة عيشه و أساسيات العيش الكريم و تأمين مستقبل أولاده كيف به ترى يبدع…

بل لن يبدع إلا كلاما فارغا أو مكرورا و ثرثرة مستنسخة و ولاءات بائسة و محنطة و تحصيل ريوع و منافع مادية يلهث من وراءها على قاعدة ” جوع كلبك يتبعك”…

لا يمنح المثقف الصدقات من يد عليا إلى يد سفلى و يطلبها و يلح على طلبها أو يطرق صباح مساء الأبواب لتمنح له من يد عليا في حالة من الذل و الهوان بدل أن يتحسس حاله و تمنح له عن جدارة و استحقاق فينالها بعزة و كرامة و انتظام ويؤتاها و يقبض عليها كحق معلوم و مقنن يؤمن بصفة دائمة عيشه الكريم الشريف…

إن المثقف الذي يتخبط في وحل مصاريف بسيطة كاقتناء الكتب من معارض الكتاب ومن مختلف البلدان وكذلك الدوريات العلمية الجادة التي يقتنيها أو يشترك فيها فلا يستطيع…

أو المثقف الذي لا يتمكن من توظيف و دفع مستحقات مترجمين قديرين الى جواره و كتاب لنسخ اعماله و حجزها و نسخها بواسطة الاعلام الالي او مساعدين في انجاز وانتاج اعماله بل اعمال فريق بحث يشرف عليه إذ لم تعد الأعمال الفردية بقيمة اعمال البحث المعمقة لفرق البحث ..

أو المثقف الذي يجد من الصعوبات في طبع و استنساخ كتب يحتاج إليها فلا يستطيع و غيرها من الحاجات البسيطة ترى كيف ينتج جيدا و جديدا و مفيدا و عميقا بل سينتج مكرورا و سطحيا و هشا…

و كذلك المثقف الذي يجد صعوبة في تغطية مصاريف المشاركة في الورشات البحثية الجادة العلمية للملتقيات الدولية و ورشات العمل و التربصات التي لا تتم المشاركة فيها الا بمساهمة مادية حتى في العالم عموما والعربي والاسلامي على ندرة جودتها…

و كذلك تفعل الجامعات و مراكز البحث في عالمنا العربي الاسلامي فما بالك عند الغرب رغم هشاشة ما يطرح عربيا و إسلاميا فتراه لا يستطيع الاستجابة لتلك الشروط و المال ينفق على غير هدى …

إن المثقف الذي يجد صعوبة في تغطية مصاريف هاتفه و اتصالاته و تكاليف النت و شبكة علاقاته المعرفية و العلمية و الثقافية و السياسية و مصاريف تنقله إلى العالم لاكتشاف الإضافات العالمية المعرفية الحديثة و اقتناء وسائل للاعلام الالي و النسخ و ” الملتي ميديا ” أي التصوير و التسجيل و غيرها…

وأكرر و هذا مهم و هولا يملك مترجما في مؤسسة لو قدر له أن يديرها ليواكب بعض ما تنتجه وتقذفه مطابع الغرب و مؤسساته البحثية…

كيف تطلب من هذا المثقف و المفكر و الباحث الذي يعاني من هذه المشكلات البسيطة أن يفكر بعمق في إشكاليات الراهن و يكون مانحا لأمته و لمؤسسات الأمة التي يلهيها الضجيج و التهريج عن مثل هذا المفكر الجيد على قلته و ندرة أمثاله…

و العبرة بل التحدي هو كيف نستنسخه و نستنسخ بمعنى ننتج مثله و من هو أفضل منه و توليده كما تولد النخب في المجتمعات الحديثة لا يضرها أن تتأثر جماهيرها بالسياق العام…

إن المثقف و المفكر الرسالي الذي يعجز عن اقتناء الة طابعة و جهاز إعلام الي أو ” لاب توب ” بسعة تخزين محترمة و ” طابليت ” فائقة النوعية و الة تصوير و جهاز سكانير لاستنساخ البحوث و الكتب و اقتناء الورق و وسائل التخزين و الاقراص وغيرها…

بل الكارثة ومن اجل تصوير دقيق لهزالة المشهد أنه لو كسر زجاج نظاراته لاحتار كيف يقتني غيرها و هو من يقتني إطار نظاراته الهشة من السوق الشعبية بجودة معدومة لبؤس حاله و غيرها من الجزئيات البسيطة للأسف والتي ترتهنه وتستلبه وتحنطه وتقتله قتلا بطيئا و غيرها من المشاهد المحزنة و المخزية…

في وقت تستنبت و تشيد في دول الغرب التي تحترم عباقرتها و نوابغها قرى و مدن للمعرفة تتوفر على كل شروط و ظروف الراحة والإبداع لأنهم فهموا مكانة المثقف و الباحث و النخبة و لو كان لا يحمل شهادة الدكتوراه و البروفيسوراه ..الخ و هو ما يحقق معنى و أهمية قول أحد أئمة المذاهب او قريبا منه ” لو كلفت بصلة ما تعلمت مسألة”…

فشيدوا أي دول الغرب في كل بلدانهم و أوطانهم ما يشبه ” سيليكون فالاي ” فمنها ما نراها و منها ما لا نراها و لا نسمع عنها…

كيف نطالب مثل هذا المثقف عندا المقصب الأجنح أن يكون معطاء و وضعه الصحي و النفسي يتاكل يوما بعد يوم و مشكلاته الإجتماعية و المادية تتفاقم و تغزوه و تكبله و تلهيه و تشوش على تفكيره وعقله و نفسه…

عندما نتكلم عن نوع من المثقفين نعني” نفر/ قدوة ” و نعني خبراء مقتدرين و نعني باحثين متميزين و نعني فلتات يكتشفون بالمجهر لا من تعودوا التطفل على المال العام و لعق

الأصابع و قضاء حوائجهم الدنيوية و لو حملوا الشهادات العليا…

و لا نعني أن يتم التكفل تكفلا رفيع الكلفة بكل جامعي فليس كل إمعة و حامل شهادة عليا إستثمار مفيد للمستقبل او في كل باحث بالاسم و العنوان و الشهادة و الرتبة خير ينتظر …

و من الذين يسمون جامعيين من يسترزق و ينتهز الفرص و تنفق عليه الدولة أو يدعمه اهل الخير في عالمنا الاسلامي بل السلط الحاكمة و تنفق عليه في تربصات في الخارج يعود منها فارغ اليدين بعد سياحة ممتعة…

إنما نعني مساحات و حصون الإبداع متمثلة في عناصر قليلة العدد ومتميزة المنح و العطاء مغيبة و مهملة نقتلها و هي حية كان يمكن أن تؤسس لميلاد النخب الكبيرة والقامات السامقة و الفرادات حتى تحيا المجتمعات و الشعوب و المؤسسات في بلاد المسلمين و أمة الاسلام في أمان و تنبعث من سباتها و تؤسس لمشروع نهضتها…

كفاكم بعثرة المال و إنفاقه في المكرور والمهترىء والسطحي والهش و الثانوي أو في مجالات لم تعد هي الثغور الاساسية و لا هي في أعلى هرم الأولويات…

و كفى النخب ذبح بعضها البعض و تخوين بعضها البعض و احتقار منجز المقتدرين منها بعضهم البعض خوفا من ظل بعضهم بعضا واحتباسا داخل منظومة من العلل النفسية و الاخلاقية للأسف…

 

و كفى الأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية و العربية ظلما و تهميشا و خوفا من النخب القديرة و إدارة لظهرها و استبعادا لها…

 

حتى بات الفضاء العام و الفضاء العربي الإسلامي حكرا بين أيدي البعض و اعني بعض النخب لا فرق بين المعارض منها و الموالي كأنهم مراكز الكون يحجبون الكفاءات القديرة بسبب غيرتهم و حسدهم و عللهم وخوفا من ظلهم و هم يتواجدون في كل الفضاء العام العربي والاسلامي وحتى الغربي أحيانا…

يعترضون سبيل كل جيد حفاظا على سمعتهم و مكانتهم الهشة و اعمالهم التي تبدو مبهرة عند كل ذي فقر و ضحالة معرفية و علمية…

حرروا و اعتقوا الفضاء الرسمي في المجال الإسلامي و العربي خاصة من جامعات و مؤسسات بحثية من بعض الجماعاتيين و الايديولوجيين والأصنام او الفضاء الحر من قيل و قالهم و حملاتهم و هجماتهم المرضية الهادرة للامكانات و المشوهة لذوي القدرة لا لشيء فقط خوفا من ظلهم و صراحتهم و نقدهم العميق و كفاءتهم النوعية…

إن أصلحتم حالكم هذا شققتم طريق النهضة و تحررتم من حالة التخلف…

و الله ولي التوفيق.

حمزة بلحاج صالح

أحدث المقالات