يتساءل المبدعون في قرارة انفسهم.. لماذا نكتب .. والى اين تستمر تجربتنا؟ وهل ان الكتابة تعبير ذاتي فقط ؟ ام ان هنالك مجالات اخرى يبحث فيها عن موضوعات او مجسات تهم القارئ والمجتمع؟ ام انها اضافة نوعية مبتكرة يسعى اليها الكاتب؟ تلك اسئلة مهمة على الكاتب النظر اليها بعين ثاقبة كي يستطيع الاجابة عنها.. والا ما معنى ان نكتب من دون ان يتأثر بنا الاخرون ، ونطرح ما نكتبه للنقاش المؤهل. تجربتي في الكتابة تمتد الى بداية السبعينات وقبلها بقليل ، وبدأت النشر حينها في صحف ومجلات عربية وعراقية معروفة، واذكر ان اول قصيدة كتبتها كانت عام 1967 بعنوان (النجاح) وتتكون من 14 بيتا عموديا وبالتأكيد ادركت الخلل فيها بعد فترة وبقيت اكتب حتى نشرت اول قصيدة عام 1969، وتركت النشر اذ اخذتني القراءات المختلفة بشتى الاداب والمعارف ، وادركت حينها ان الكتابة مسؤولية عليّ التواصل فيها ورعاية موهبتي وصقلها ، فأتسعت افاقي في البحث عن الكتب والمصادر التاريخية والادبية والفلسفية، ووجدت نفسي امام مرحلة جديدة من القراءات السابقة، وكانت فرصة القراءات الاولى في مكتبة بعقوبة المركزية للبحث عن تلك المصادر، وكنت اقضي الساعات الطوال بعد الانتهاء من دوامي المدرسي في متوسطة بعقوبة للبنين ومن ثم اعدادية بعقوبة للبنين، ولان المكتبة كانت قريبة من بيتي فكانت فرصة لي بعد البحث والدراسة ان استعير الكتب القيمة وكأنها كنز الى بيتي واقضي الليالي في دراستها ، لهذا تملكتني القراءة المفعمة بالبحث والدراسة والتأمل ، وصرت اشعر بالمزيد كلما قرأت كتابا، واشعر نفسي جاهلا كلما تصفحت كتابا لم اقرأه.
واذكر جيدا انني في مرحلة الابتدائية كنت اكتب في صفحات الكتب المدرسية البيض بعض ما افكر به او تطفح به تأملاتي ، حتى امتلأت الكتب الدراسية (بكتابات)، ومن ثم بدأت بنقلها الى دفتري الخاص. في مرحلة الاعدادية كنت اعد النشرات الكبيرة مع صديقي عامر مطر ( وقد وصلني مؤخرا خبر وفاته في الغربة رحمه الله عن طريق صديقي ابراهيم مصطفى الذي عاش في الغربة ايضا اكثر من ثلاثين عاما واتصل بي�ا واتصل بي من مدينتي الحبيبة بعقوبة بداية هذا الشهر كانون الاول 2011 )، حيث نشتري الاقلام الملونة والكارتونات الكبيرة، ونسهر على اعداد تلك النشرات التي لا قت استحسانا من المدرسين واصدقائنا الطلبة، تلكلطلبة، تلك النشرات كانت اشبه بمجلة تحوي كافة المواضيع، اما على المستوى الشخصي، فكنت اكتب قصائدي واحتفظ بها، كان ذلك بين عامي 1968 – 1970، حتى احسست ان الكتابة اصبحت هاجسي اليومي، واصبحت اغامر في نشر البعض من قصائدي وارسلها عبر البريد المسجل الى صحف ومجلات داخل العراق وخارجه مثل ( مجلة الموقف الادبي السورية ومجلة الاداب البيروتية ومجلة الثقافة العربية الليبية ومجلة الكلمة العراقية وجريدة الصباح الليبية وصحفنا المحلية ، انذاك ) ، وكم تسعدني حين اراها منشورة فيها.
وحينما انتقلت للدراسة في الجامعة ببغداد انفتحت امامي عوالم اخر، فعرفت اماكن الصحف والمجلات وابتدأت النشر بكثافة لما كان بحوزتي من قصائد، كان ذلك في بداية السبعينات ، وعرفت من قبل البعض من الادباء الذين كنت التقيهم ببغداد وكانوا يتصورون ان عمري لا يتناسب مع ما اكتب ، واعدوني اكبر سنا من عمري الحقيقي.
لهذا اصبح الشعر هو كياني الذي اتنفس فيه، وهو التأمل الذي عرفته صغيرا، فكنت احاور الاشياء المحيطة بي. اعرف سرها، فأكتبها وابقى في حالة تساؤلات تربكني ، واكون قريبا الى تعريفها عبر الكلمات التي تبقى تضرب في رأسي ببراءة، وحاولت الفكاك مرارا من هذا الهم الذي ظل يربطني قرابة اربعين عاما، ولم استطع مغادرته، فبقيت مكبلا بهمومي وتجاربي وعلاقاتي الانسانية، واهمها الصداقة التي اخذت مني الوقت الكثير، ولان الشعر متنفسي، فبقيت انزف حتى اكتمل البحر في امواجي وجلجلتي ولججي، ولانني احب الحياة وصفاءها والوانها واصواتها وعذاباتها، بقيت متمسكا بروحي حتى لا تغرق، وظلت الكلمات تسحبني كغريق في بحر تتلاطم لججه في نفسي، حتى الفت روحي هذه العزلة وهذا التأمل وهذا العذاب، وصرتني اترقب كل شيء ، اكوره في عيني النافذتين الى اعمق الاسرار. حينها اكتشفت الجمال الاخر في تجربتي وحبي وابوابي المغلقة التي اخذت تفتح يوما بعد اخر ، فعرفت المعالم في روحي وحياتي والكتب التي قرأتها واركن اليها دائما، فأخذت بالازدياد المعرفي يوما بعد يوم ، حتى اتسعت مداركي، وما انفكت تتشابك تلك المعارف لاقدم تجربتي الشعرية التي انفردت فيها عن الاخرين، وادركت انني اهيم بتجاربي التي اخذت كل حياتي لها فأنا مازلت اطرق باب الشعر عله ينفتح امامي كالسدم.