ثلاثية ” التحزب الثعلبي- الإفراط – التفريط”
إشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي العربية المعروفة بهروب روادها الدائم الى أمام بعيدا عن مآسي بلادهم التي لاتحصى والإهتمام بوفاة اﻷشخاص عموما ﻻ بحياتهم ، مايفسر إهمالهم للأحياء ولو كانوا بأمس الحاجة لهم والمماطلة في تكريم المبدعين منهم لحين رحيلهم ليبدأ بعدها التأبين والإشادة بمناقب الفقيد ومآثره – وأويلي ، أويلاخ – جريا على العادة ، أقول إشتعلت بوفاة عالم الفيزياء النظرية ، البريطاني ” ستيفن هوكينغ ” لينشطر روادها بشأنه الى مجموعات ثلاث ، مجموعة سعيدة بإدخاله النار لكونه ملحدا ، وثانية فرحة بإدخاله الجنة التي لم يؤمن بوجودها يوما ﻷنه من العلماء الذين خدموا البشرية على حد وصفهم ، وقسم ثالث منتش ﻷنه مات على الإلحاد ما يعني أنه ذهب الى الفناء اﻷبدي من دون ثواب ولا عقاب وﻻ دار آخرة كما أشاع – هوكينغ – في حياته ، ومايزال الجدل محتدما على هذا النحو منذ الـ 14 من آذار وهو اليوم الذي شهد وفاته عن عمر ناهز الـ 76 عاما بمرض ” التصلب الجانبي الضموري” الذي نفاه البروفيسور كريستوفر بي كوبر، بعد أيام مرجحا إصابته بمرض “إلتهاب سنجابية النخاع ” ، لتظهر لنا سلسلة علمية رصينة بعنوان “الإلحاد غير البريء” لمعدها ومقدمها ، الباحث الاردني أحمد دعدوش، وتحسم الجدل القائم ،ولتؤكد وباﻷدلة العلمية بأن هوكينغ لم يكن اﻷذكى حول العالم كما روج له الملحدون ، وكان عالم فيزياء نظري اقرب الى الفيلسوف منه الى العالم التطبيقي ، وأن أيا من نظرياته لم تثبت علميا حتى اﻷن وبناء على ذلك فإنه لم يحصل على جائزة نوبل في الفيزياء ، وأن أقرانه من العلماء لهم آراء لاتتوافق وطروحاته ما جعل 130 عالما منهم يخرجونه من قائمة التصويت على علماء الفيزياء اﻷشهر حول العالم ولم يمنحوه سوى صوت او صوتين فيما حاز آينشتاين على حصة اﻷسد !
اﻷخطر في الموضوع هو انتشار فيديو لمقابلة قيل أنه تم التحفظ عليها لثلاثة عقود كانت قد أجرتها محطة البي بي سي البريطانية ، بالاشتراك مع شبكة ” سي بي أس” الاميركية مع المشرف على برنامج الكتابة الالكتروني الذي يستخدمه هوكينغ ، والذي اقر بأن اجهزة المخابرات شعرت بخطر عالم الفيزياء لكونه من مؤيدي نظرية “الارض المسطحة ” فطبقت عليه برنامجا لشل اﻷهداف الخطيرة والسيطرة عليها وتوجيهها بشكل مضاد وذلك عبر عقار تجريبي يعمل على تخدير الاعصاب وشل التفكير وهو الذي سبب له اعاقته الشهيرة وجعله جثة هامدة على كرسي متحرك ليشرف عليه فريق مؤلف من 15 – 20 شخصا مهمتهم متابعة نبضات الاعصاب لديه وكتابة الذي يريدون نشره على لسانه الكترونيا !! على حد زعم البرنامج.
ومهما يكن من أمر فأن آخر ما طرحه هوكينغ بحسب وكالات اﻷنباء العالمية ، كان بحثا بعنوان (خروج سلس من التضخم الأبدي) بالإشتراك مع عالم الفيزياء ، توماس هيرتوغ، يزعم وجود اكوان موازية وان كوكب الارض سيتحول إلى كرة نارية بحلول عام 2600 وعلى البشرية البحث عن كوكب آخر للعيش فيه قبل الانقراض ، وان الكون سيتلاشى في الظلام مع نفاذ مخزون النجوم من الطاقة …!!
العجيب ان ما قاله هوكينغ في بحثه اﻷخير يوافق القرآن الكريم ولايخالفه ، يقول الباري عز وجل عن نهاية العالم ” إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ” وكورت كما قال الفراء ” ذهب ضوؤها” ، وقال ابن عباس:كورت اي أظلمت ، واضاف القرطبي: انكدرت بمعنى تهافتت وتناثرت، و الاية تأتي في سياق قوله تعالى في محكم التنزيل عن نهاية الكون ايضا ” فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ” وطُمُس الكواكب كما قال ابن المنظور في لسان العرب : ذهاب ضَوْئها.، وتأتي في سياق الاية التي تشير الى ان الارض ستمحى معالمها وتخرج مافي باطنها ” وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وتخلت ” وقوله تعالى ” وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ، وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ” ومعنى فرجت اي انشقت ، ناهيك عن آيات كريمة أخرى تتحدث عن دمار الجبال وتسجير البحار وكشط السماء وجمع الشمس والقمر وذهاب ضوء اﻷولى ونور الثاني !
المفارقة أن رماد هوكينغ الذي يتباهى بإلحاده الملحدون العرب على مواقع التواصل سيدفن في دير وستمنستر الى جانب نيوتن وداروين وسيقام القداس الكنسي على جنازته في عيد الفصح يوم 31 آذار بكنيسة سانت ماري الكبرى بمعنى انه سيدخل الكنيسة رمادا بعد ان انكرها بقايا جسد على كرسي متحرك !!!
ومن يدقق في حيثيات جدال رواد المواقع العقيم بشأن مصير هوكينغ اﻷخروي عبر ثلاثية – نار ، جنة ، فناء ابدي – يتبين له جليا أن أحدا منهم لم يقرأ كتبه وأشهرها ” موجز تأريخ الزمن ” فضلا عن عدم معرفتهم شيئا عن نظريته في الثقوب السوداء ما يؤشر الى ان القضية برمتها هي جدال الكتروني ﻻ أكثر بين أنصاف اللادينيين وانصاف المتدينين ، ارباع العلمانيين وأثلاث الراديكاليين ، و لهذه النصفية أو الربعية اسبابها فالمراقب المدقق للشأن العراقي يعلم بأن تنصل بعض الشباب عن أفكار متطرفة أو غير مستساغة عقلا وﻻ مسنودة نقلا أو منسوخة عن تراث وفلكلور ديني لشعوب اخرى غير اسلامية ألصقت بديننا الحنيف – زور كوة – بدوافع شتى لايعني إلحادهم بالضرورة بالمعنى الحرفي للالحاد ( وهو عدم الاعتقاد أو الإيمان بوجود إله ) ، وقد يكون ذلك أحيانا ، وأن الكثير ممن يدمغون بالتنكر للدين أو اللادينية هاهنا في العراق هم ليسوا كذلك – في بداية الطريق على اﻷقل وربما في نهايته أيضا – و إنما هم ضحايا ﻵراء متزمتة يتمتع بها الناقمون على جحودهم المعلن وتنصلهم عن المتوارث ما جعلهم ضحايا حشرت قسرا بين سندان الافراط ومطرقة التفريط لتصهر على نار الحزبية الثعلبية الماكرة التي أتت على ماتبقى من العراق واهله ، فعندما يرفض ” الشاب حسن الشيعي ” على سبيل المثال فكرة التطبير وإدماء الجباه بالقامات والهاب الظهور بالسياط والتطبيل في مراسم عاشوراء فهذا قد لايؤشر الى مروقه عن المذهب الذي ينتسب اليه بل ربما الى استجابته لفتاوى من يجلهم ويحترمهم يتقدمهم ” ناصر مكارم الشيرازي ، محمد جواد مغنية ، موسى الصدر ، السيد محسن الحكيم ، محمد باقر الصدر ، الخوئي ، السيد ابو الحسن الاصفهاني ، الشيخ أحمد الوائلي ، ومحمد محمد صادق الصدر ، الشيخ ياسر عودة ” وغيرهم كثير كلهم قالوا بالنهي أو بعدم مشروعية مثل هكذا طقوس حادثة بإعتبارها لم تظهر على عهد اﻷولين وانما بعدهم بقرون طويلة وان التبرع بالدم ﻷنقاذ مريض او جريح واهداء ثوابه ﻵهل البيت عليهم السلام افضل وبذلك يكون “حسن” قريبا بدرجة ربما تفوق اقرانه ﻻبعيدا عن مذهبه مع ان اقرانه ينعتونه بالمروق عن المذهب كما يمرق السهم من الرمية ، ما يجعله يصدق ذلك احيانا ويشط عن جادة الصواب هذه المرة متجها الى اللادينية !
بالمقابل فان رفض ” صهيب السني ” على سبيل المثال وشجبه لدمويتين إحداهما سلفية تكفيرية تقطع الرؤوس وتزهق اﻷرواح بدم بارد بإسم الرب وتلتقط معها صورا – فوتو ، فيديو -بكاميرات ديجيتال مصنوعة في بلاد من يكفرونهم ، ومن ثم نشرها مصحوبة بمخلوقات تحملها وهي باسمة ، ضاحكة ، مستبشرة بما قامت به من قتل وإعدام وتمثيل تقشعر له اﻷبدان وتشيب لهوله الولدان على يوتيوب لتقول للعالم بالعامية – أخاف اكو اوربيين وأميركان وآسيويين يحبون الإسلام ويفكرون بإعتناقه ، خل يبطلون أحسنلهم فقد جئناهم بالذبح !!!!
واخرى صوفية متمثلة ” بضرب الرؤوس بالسكاكين الحادة ، الخدود بأسياخ الحديد ،البطون بالحراب ، والمشي حفاة الاقدام فوق الجمر والزجاج و- لطع الصاج الحار – وتقبيل الاقدام والزحف الى مقاعد مشائخهم بطريقة مهينة ، ﻷثبات الكرامات ولسان حالهم يردد بالعامية – اخاف اكو اجنبي يشكك بتخلف المسلمين ووحشيتهم فذروه يعيد حساباته – !
ماسبق ﻻيؤشر الى ان ” صهيب السني ” غير ملتزم دينيا او لاديني او متنصل عن مذهبه كما يحاول البعض تصويره ﻷن السلفية الحقة والصوفية الصافية ليستا كذلك بالمرة ﻻمن بعيد وﻻ من قريب ، الامام احمد بن حنبل ومدرسته الفقهية الراقية يثبت ذلك للتيار السلفي الحقيقي وليس المزيف ، والامام الغزالي بدوره يثبتها للصوفية الصافية العملية العلمية ﻻ الماورائية ، وكلاهما لاقطعا رؤوسا وﻻ ادميا خدودا وﻻ بقرا بطونا ، وﻻ رملا نساء وﻻ يتما اطفالا ،وﻻ خربا عامرا ، بل زهدا وعبدا وقاما وصاما وذكرا وتعلما وعلما وتراحما ورحما وتصدقا وعمرا ولم يخربا ووو!
بل ووصل الحال الى ان ” صهيب ” لو ذهب الى ” حسن ” أو العكس وقال له لماذا تضربون رؤوسكم بالقامات وﻻدليل شرعي على ماتقومون به ؟ ﻷجابه فورا ” ولماذا تضربون خدودكم بالاسياخ بلا دليل شرعي ؟!” فان قال ” هؤلاء ليسوا على منهجنا ..قال له وكذلك هؤلاء ليسوا على طريقتنا ، بمعنى أن المنطق العقلي والدليل النقلي أصبح غائبا عن الحوار بين الفرقاء كليا ، وبات النقاش والجدل البيزنطي العقيم يتمحور بينهم حول جدلية مفادها – أنت تضرب قامة ، أنا اضرب شيش ..انت ترفع ، انا اكبس – مافاقم حيرة الشباب وزاد من الطين بلة !
وﻻيغيب عن بالنا ان التحزب الثعلبي الماكر وتورط بعض المحسوبين على اﻷحزاب الدينية بملفات فساد وهدر كبرى للمال العام طيلة الـ 15 عاما الماضية شكلت مع ثنائية الافراط والتفريط التي أشرنا اليها آنفا رأس الحربة نجحت في إبعاد بعض الشباب عن دينهم وتبنيهم لأفكار وفلسفات هجينة وافدة أجزم بأنهم لم يفهموا من تفصيلاتها وتفريعاتها وأدبياتها شيئا قط ، هؤلاء الشباب ممن كانوا ينظرون الى المتشح بلباس الدين على انه – الرجل الكامل -القدوة المترفع عن الرذائل ، الرمز المتعالي على اﻷهواء ،الايقونة المتفرغ للعبادة والاصلاح والوعظ والارشاد بعيدا عن الرزايا مهما كان نوعها ومهما كانت أسبابها قد راعهم وشوش افكارهم بدرجة كبيرة ما شاهدوه وعايشوه خلال السنين القليلة الماضية من مفاسد مالية وادارية وسياسية هائلة إرتكبها من لم يتصوروا يوما ان يرتكبها أمثالهم – وعلى عينك ياتاجر – ،وفاتهم ماقاله المصريون ” وما كل من لبس العمامة يزينها، ولا كل من ركب الحصان خيَّال” والحل هنا إنما يكمن بخيارين إثنين ﻻثالث لهما ، اﻷول هو ان تعيد الكتل والاحزاب والتيارات الدينية في العراق حساباتها وتنتهج سبيل الحق و الصدق والفضيلة التي أمروا بها طريقا لها لتكون إسما على مسمى ، ﻷن النقطة السوداء في الثوب الابيض يراها القاصي والداني من بعيد وان كانت نظارته – كعب بطل – فما بالك بـ ” قوطية بنتلايت اسود ” ، والثاني أن أبت الخيار اﻷول ان تغير عناوينها وشعاراتها وتطرح نفسها على أنها أحزاب سياسية بحتة تتنافس ضمن إطار اللعبة ” التنك قراطية ” فيها الصالح والطالح ، الصادق والمخادع ، الوطني والانتهازي ، فحينذاك لن يفتتن الشباب بدينهم ان فسد وأفسد بعض المحسوبين عليها ولن يصدحوا في الساحات العامة ( بأسم الدين باكونا الحرامية ) ، ﻷن السياسة وكما يعلم الجميع هي صراع ﻷجل المصالح الشخصية والحزبية والايدولوجية وهي فن الممكن الذي يرفع شعار ” الغاية تبرر الوسيلة ” أو كما وصفها محمد حسنين هيكل ” الحروب تدور في مجال السياسة ، و مشاهدها اﻷخيرة فقط هي التي تنتقل الى الميادين ” أما إلباسها ثوب التقى والصلاح والزهد والورع والعمل واقعا بخلاف ذلك في كل دورة انتخابية كارثية ، فإنه سيأتي بنتائج سلبية وعكسية يتحمل وزرها من فصلوا ثوب الواعظين على مقاسهم ليكسبوا به اﻷصوات من دون تحقيق الوعود الانتخابية التي قطعوها على انفسهم ولو بالحد اﻷدنى ليقال فيهم حينئذ ماقاله امير الشعراء، احمد شوقي : ” مخطىء من ظن يوما.. ان للثعلب و”هوكينغ ” دينا” . يتبع