23 ديسمبر، 2024 6:37 ص

في بلدي قد مات بلدي!

في بلدي قد مات بلدي!

كنت جالساً ليلة أمس, حتى اللحظات الأخيرة, رأيت بعيني رحم السماء ينفتح, ويولد الفجر, وظهر أول بصيص للنور, بعد أن مر ليلٌ طويل, أخذتني ساعاته الى ذكريات الماضي السحيق, وأيام العمر الغابرة, وأحتضتني سنوات الحاضر المتعبة, وكيف تغيرت عندما أذاقتنا طعم الحرية الكاذبة, والديمقراطية الواهمة.
تصرخ السماء بصرخات صامتة, وهي تطلق طلقاتها الأولى, لولادة فجر جديد؛ لا يسمعها إلا الذين غرقوا في همومها, وأنين الحسرة يقتلهم, عندما تذكروا الأبناء والأحباب, كيف رحلوا للخالق الجبار, من دون وداع.
اتكأت على وسادتي كي أريح بدني المتعب, وأحلم بعراقٍ لا يقهر, تذكرت تلك الوسادة العفنة المسماة (داعش), وكيف اتكأ عليها أصحاب العقول الخاوية, المحشوة بأنواع الأكاذيب, كي يحلموا بعراق مقطع ومجزأ, (فليعنكم التاريخ) إنكم عقارب بشرية, ورغباتكم شيطانية, لفيف لا تجدوا إلا من زرع الفتنة والقتل طريقاً, للوصول لغايتكم, فأعمت عيونكم الكراسي, وبعتم أنفسكم للمناصب.
وأنا أدرس في مدرستي, قال لي مرة أستاذي, نريد أن نبني وطناً, يحافظ على كرامتنا, وليس للإرهاب مكان, والإنسان فيه إنسان, ومن حقه أن يتحزب, ولكن ليس من الحق طوي عنق الحقائق وتشويه الواقع, فهذا مناقض لقيم الحرية, أخذتني عباراته بعيداً حتى ظلت راسخة في ذهني, كم أنت رائع ووطني, وأصيل, أبداعك فاق تصوري, وأنت تصوغ عباراتك الرنانة عن الكرامة والحرية, وحب الوطن والإنسان.
بيان هام على الشاشة الصغيرة, منظر أصبح فيه الإسلام مشوهاً, ونحن نرى صوراً لقتلة مأجورين يتلذذون بقتل الأبرياء, بكواتم أسلحتهم, باسم الدين, منظر تعودنا عليه, إلا في ذلك اليوم عندما صدمني أستاذي, حين أصبح داعشياً سفاحاً, وأضحى مطلوباً للعدالة!, فأمست الحرية بين الأيدي القذرة, والعقول المتحجرة.
ابتسامة كئيبة مصحوبة بالمرارة والسخرية, عندما انقلبت الموازين, فتشوهت صورة أستاذي, آما كان لك أن تكون إسلامياً معتدلاً, ومعلماً وطنياً, في نفس الوقت!.
في بلدي كلمة عتاب كبيرة, خرساء تحكيها!, لمجموعة ساسة من كل الأصناف, آذانهم صماء, في بلدي لا نعرف يأساً, نمحوه من بين الأسطر, فاليأس لغة الضعفاء, في بلدي سفاح همجي, جاءنا من خلف الحدود بقسوة سكينه, حين يحصد رؤوس العرسان كل يوم, لكنه لن يقتل عزمنا, وبصيص الأمل فينا, في بلدي قد مات بلدي, حتى أمسينا غرباء.