23 ديسمبر، 2024 1:23 ص

في ايران الإنتخابات إنتهت قبل أن تبدأ

في ايران الإنتخابات إنتهت قبل أن تبدأ

قال طرفة:
كُلهمُ أروغ من ثعلب … ما أشبه الليلة بالبارحه
من المعروف إن الإنتخابات هي وسيلة بحد ذاتها وليس غاية، فهي الطريق الذي يوصلنا إلى مفرقين متناقضين، إما التقدم للأمام أو التراجع للخلف، إنها الحد الفاصل ما بين التوحد والتشتت، البناء أو الهدم، الحياة السعيدة أو الموت البطيء. وسنتناول أهم العوامل المؤثرة في سير العملية الإنتخابية في ايران، ونقيمها في ضوء الإنتخابات السابقة والعوامل الرئيسة التي أثرت فيها بشكل مباشر، سيما العامل الديني.
لا جدل في ان الإنتخابات من أبرز وجوه الأنظمة الديمقراطية في العالم، علاوة على بقية الأوجه كتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والغاية منها ان يعبر الشعب عن إرادته الحقيقية في إختيار السلطة السياسية القادرة على تحقيق أمانية في الأمن والإستقرار وتحقيق التنمية والرفاه الاجتماعي والإزدهار، وتعتبر النزاهة من أبرز مقومات نجاح أية عملية انتخابية في العالم، والنزاهة تبدأ من بدء حملة الدعاية الإنتخابية لظهور نتائج الإنتخابات مرورا بفرز الأصوات وتدقيق نزاهة الشخصيات المشرفة على الإنتخابات والتأكد من التقنيات، ومنع حالات التلاعب والتزوير.
لابد ان تكون الجهة المسؤولة عن إجراء الإنتخابات في قمة النزاهة والشفافية والإستقلالية والحيادية، وبعيدة كل البعد عن تأثير الأحزاب السياسية المتنافسة في المشهد. على إعتبار انها مسؤولة مباشرة عن مسيرة البلد في المرحلة القادمة من خلال المصادقة على النتائج وتعيين الكتلة الفائزة التي تتولى مقاليد الحكم.
ما يمكن الجزم به عند الرجوع الى أدبيات الأحزاب الإسلامية، انها تعارض الديمقراطية، بكل أشكالها، ولا تعترف بها مطلقا، وعندما تتحدث عنها وتروج لأهميتها، فمن أجل إسقاط فرض على إعتبار انها تواكب تطورات العصر لا أكثر، فالقول شيء والفعل شيء آخر، بل نقيضه تماما. بالضبط كما قال شاعرنا الكبير معروف الرصافي”
لا يخدَعنْك هِتاف القوم بالوطن فالقوم في السر غير القوم في العَلَن
لم يقصدوا الخير بل يستذرعون به رميًا إلى الشر أو قصدًا إلى الفتن
عند إجراء إنتخابات في دول تحكمها أحزاب اسلامية كايران والعراق ولبنان، فأنت تتحدث عن إكذوبة، تصدقها الأنظمة ويكذبها الشعب، فالديمقراطية تصنع التطور والتحضر والثقافة والإزدهار، وليس التخلف والجهل والفقر، ولو نظر المرء بعدالة، بعيدا عن الميول السياسية والطائفية الى الواقع السياسي والإقتصادي والثقافي لهذه الدول الثلاث لأدرك على الفور انها الأبعد عن النهج الديمقراطي، وانه لا يوجد فهم ولا توجه حقيقي للديمقراطية، الوجه الحقيقي لها ديكتاتوري، ولكنه يتنكر بقناع ديمقراطي.

الإنتخابات الايرانية محسومة قبل ان تبدأ
ايران كما هو معروف الدولة الراعية الأولى للإرهاب في العالم، ولم يعد هذا سرا، فالعالم صار على بينه بأن هذا النظام هو السبب الرئيس في الإخلال بالأمن والسلام والإستقرار في المنطقة، وانه يدعم جميع التنظيمات الإرهابية الشيعية كالمليشيات الولائية في العراق وسوريا ولبنان واليمن ودول الخليج العربي، والسنية كتنظيم القاعدة وداعش الإرهابيين. الحقيقة ان كل النكبات التي تعرضت لها دول المنطقة والتي نزلت على رأسها كالصاعقة تزامنت مع نزول الخميني من الطائرة الفرنسية وعودته الى ايران بدعم من دول الإستكبار العالمي، وتسلمه دفة الحكم في ايران.
لذا فالإرهاب والديمقراطية على وجهي نقيض، ولا يمكن ان يتعايشا تحت أي سقف وظرف ومسمى.
عندما تستمع الى تهريج ذيول ايران من العرب وزعيمهم عبد الباري عطوان، والقنوات الفضائية العربية العائدة الى الحرس الثوري او المرتبطة به، حول العرس الإنتخابي الأيراني والتطبيل المهول للإنتخابات الرئاسية القادمة، وما تمثله من قييم ديمقراطية يخيل لك ان هؤلاء هم الإيرانيون الحقيقيون، والإيرانييون داخل ايران شعب آخر لا علاقة له بإيران الخامنئي.
ولكي يكون الحكم عادلا حول الإنتخابات الرئاسية القادمة، سنترك المعارضة الإيرانية على إعتبار ان موقفها واضح من الإنتخابات القادمة، ونستعرض رأي محمد ابطحي نائب الرئيس الايراني خاتمي، فقد صرح في لقاء تلفازي” في كل الإنتخابات كان الشعب الايراني حاضرا في الإقتراع، وكان يفترض فوز الإصلاحيين فيها، والمشكلة لا تتعلق بأن الشعب الإيراني غير رأيه، الشعب الإيراني لم يغير رأيه، لكنه يائس من المستقبل. نحن موجودون في الإنتخابات، لكن لم يبق لنا مرشح رسمي إصلاحي فقد رشحنا (9) مرشحين وتم رفضهم جميعا من قبل مجلس صيانة الدستور”.
وقال ايضا حول مشاركة الإصلاحيين في الإنتخابات” ان الإنتخابات حسمت لصالح مرشح المرشد الأعلى”؟ يقصد المرشح المحافظ ابراهيم رئيسي.
وعلق المرشد الأعلى الخامنئي” ان مجلس صيانه الدستور، وفقا لواجباته، نفذ ما يجب عليه فعله، وما يراه ضروريا، وحدد أسماء المرشحين”.
وأغرب من هذا انه عارض قوله بوقاحة” إن بعض المرشحين تم إستبعادهم من الإنتخابات (مثل علي لا ريجاني ومحمود احمدي نجاد)، وقع عليهم ظلم، كما أسيء اليهم عبر أجهزة التواصل الاجتماعي بشكل مجحف، وادعوا المسؤولين الى ردٌ إعتبارهم”.
مع انه هو الذي إستبعدهم من الإنتخابات وطعن بهم! بإعتباره المسؤول المباشر عن مجلس صيانة الدستور، وهو من يعين أعضائه. الناخبون هم المحور الرئيسي في إضفاء الشرعية على البرلمان من خلال إختيار ممثليهم وفق رؤيتهم الواقعية ومواصفات المواطنة الصميمية. فكما أنهم يفرشون بساط الشرعية للسلطة الحاكمة فأن بإمكانهم سحب هذا البساط من تحتهم في حال عدم إلتزامهم ببرامجهم المعلنة. لكن المرشد الأعلى حصر الناخبين في الزاوية التي يرغ بها هو، وليس الشعب الايراني البعيد كل البعد عن توجهات المرشد، وهذا ما شهدناه في الإنتفاضات الشعبية التي طالت معظم المدن الإيرانية وجوبهت بالقمع.
الشعب الإيراني كما هو متوقع سيعزف عن الإنتخابات، وستجري عمليات التزوير من قبل النظام على قدم وساق، كما هو الأمر عليه في الإنتخابات العراقية والسورية، إنها مهازل ديمقراطية لا أكثر.
هذه هي حقيقة الإنتخابات القادمة في ايران بدون الرتوش التي تستخدمها ذيول ايران في المنطقة. فلا تطنطنوا كالذباب وتزعجونا، فمضرب الذباب بيد أبطحي.
الحقيقة أن الإنتخابات هي عملية سياسية بحته لا علاقة لها بالدين، وهناك فرق بين حرية الإختيار، وفرض الخيار على الشعب أو تضييقه ضمن رؤية المرشد الأعلى فقط، إنها الدكتاتورية بعينها.
الشعب الإيراني سوف لا ينتخب خليفة للمسلمين بل حاكما سياسيا، وإذا تدخل رجال الدين فيها فأنهم آجلا أم آجلا سينحرفوا عن بوصلة الديمقراطية. وتدخل رجال الدين في الإنتخابات ان أدى إلى خير فهم لا يشكروا عليه، وأن أدى الى شر سيلامون عليه، فعلام التدخل إذن؟
الإنتخابات أمر دنيوي يتعلق بتعاليم أرضية متمثلة بالدستور والقيم الديمقراطية، وليس تعاليم سماوية، وإن أدخال الشعارات الدينية في الدعايات الإنتخابية، او تدخل كبار رجال الدين في الإنتخابات يفني الغرض منها، ويمثل إستغلالا بشعا ورخيصا لأسمى عامل في الوجود، ويعكس قلة الوعي بنواميس التأريخ البشري وتجارب الأمم المتقدمة.