في الإعلام الأمريكي، هذه الأيام، حالة انتشاء فريدة. فأهم الأقلام تتباهى بقوة أمريكا السياسية والاقتصادية والعسكرية التي لولاها لما اضطرت الصين ورسيا إلى الضغط على رئيس كوريا الشمالية (كيم جونغ أون) وحمله على رمي عصا العناد والهنجهية والعبور إلى كوريا الجنوبية لإعلان تخليه عن خياراته النووية، والعودة إلى السلوك المتجانس مع العصر، والعيش بسلام.
ففي عام 1948 أسس خميني كوريا الشمالية، كيم إيل سونغ، نظامه المعاند والمناطح والمتحدي، وأورثه لخلفه كيم جونغ إل، ثم لحفيده كيم جونغ أون.
وبرغبة الرئيس السوفيتي جوزيف ستالين والصيني ماوتسي تونغ في مناكفة أمريكا ومعاكستها تم وضع دولة كيم إيل سونغ على طريق سياسة العداء مع كوريا الجنوبية واليابان وأمريكا وحلفائها والعالم.
ومنذ ذلك العام أصبحت كوريا الشمالية دولة مغلقة تفاخر بالديكتاتورية المفرطة، وبإنفاق سبعين في المئة من مواردها على تطوير تجاربها النووية، وإطلاق الصواريخ، وتصنيع سلاح الدمار الشامل، وتهريب الأسلحة والخبراء إلى الأنظمة المعادية لأمريكا والغرب، مع قمع الداخل وتمزيقه وتجويعه وحرمانه من نعم العصر الحديث.
وأخيرا حدثت المعجزة، وفتح الرئيس الكوري الشمالي بوابة دولته المغلقة، وخرج إلى النور، وعانق الرئيس الكوري الجنوبي، وأعلن نهاية حقبة العناد ومشاكسة الأقوياء.
واعتبر المتفائلون من الكتاب والمحللين ما حدث في الأيام الأخيرة بين الكوريتين مقدمة لتغييرات وانفراجات دراماتيكية لاحقة في مناطق أخرى من العالم، أولها سوريا، ثم العراق، ثم اليمن، حين ستضطر روسيا والصين لتصبحا أكثر استعدادا للتخلي عن سياسة مناكفة الولايات المتحدة وحلفائها باحتضان الأنظمة المعادية التي يسميها الأمريكان بالمارقة، وتسليحها وتقويتها وحمايتها من العقاب.
ومن المحتمل أن تجد إيران نفسها، قريبا، محكومة بأحد اختيارين، مواصلة التحدي والعناد والاحتلال وتمويل الإرهاب وتسليح الجماعات الإرهابية، أو العودة إلى منطق العصر الحديث، والعيش بسلام، أو الرحيل، إن لم يكن اليوم فغداً أو بعد غد.
ومن الضروري تذكير الإيرانيين ووكلائهم العراقيين بأن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش (الإبن) هو الذي احتل العراق، وهو الذي سلمه لوكلاء النظام الإيراني. ثم جاء أوباما فأكمل المهمة، وسهل لإيران تعميق نفوذها في سوريا ولبنان، ثم جعلها تظهر في اليمن في حركة التفافية أرادت بها إسقاط الدول العربية، الواحدة بعد الأخرى، لتصبح، بعد ذلك، صاحبة قول وفصل في مصير المنطقة والعالم.
وقد لخص أحد الوكلاء العراقيين للنظام الإيراني، جلال الدين الصغير، بوضوح، مشروع الخميني الذي حققه أخيرا وريثه علي خامنئي بالقول في حديث لصحيفة الوطن، “إن نفطَ السعودية، (ويقصد المناطق النفطية السعودية في المنطقة الشرقية التي تتواجد فيها كثافة سكانية شيعية)، ونفطَ العراق وإيران وافغانستان وأذربيجان وسوريا ولبنان بأيدينا، وإن”إسرائيل والسعودية وقطر وتركيا مرعوبة من الوضع الإيراني لأن الوضع الشيعي متماسك”، و”إن المضايق الرئيسية في البحر الأحمر بأيدي الشيعة، حيث تسيطر جماعة الحوثيين على باب المندب، أما مضيق هرمز فهو بأيدي إيران”.
وعلى الجانب الإيراني ذاته لم تتوقف تصريحات القادة الدينيين والعسكريين التي يباهون فيها بامتلاكهم سوريا والعراق ولبنان واليمن، وضِمنا فلسطين.
فقد تحدث نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي خلال مراسم تجديد ميثاق كوادر مؤسسة (تعبئة المستضعفين) فقال “إن الثورة الإسلامية في إيران قلبت الموازين العالمية، بحيث أصبح أي توازن أمني أو سياسي في العالم الاسلامي اليوم غير ممكن بدون إحراز رضى إيران”.
إن أوهام القوة هذه، مضافاً إليها حقيقيةُ أن نظام طهران لم ُيتقن شيئا، في كل حياته، قدر إتقانه صناعة الخصوم والأعداء، في داخل إيران ذاتها، وعبر القارات الخمس كلها، هي التي تبشر بقرب حلول الساعة التي يظهر فيها في طهران (كيم جونغ أون) إيراني ليغير التاريخ.
فالعالم اليوم هو عالم التمرد على الواقع المفروض على الشعوب بالقوة والعنف والإرهاب والاحتلال، وموسم الكفر بتخاريف العجائز المُحنطة.
فهل تعود إلينا إيران دولة شقيقة عزيزة مسالمة متحضرة متقدمة مزدهرة من جديد؟ وهل يدرك الملالي في طهران ماذا يعني هتاف الجماهير الشيعية، وليس السنية، في العراق: (إيران برا برا، بغداد حرة حرة) قبل فوات الأوان؟