عندما أتأمل هذه الصورة لمطار دبي وأظن أن عمرها لا يتجاوز خمسين سنة على الأكثر ، ينتابني غضب ممزوج بالحسد وأنا أرى منشآت هذا المطار والتي لا تتجاوز بنايتين صغيرتين تتحول بعد سنوات إلى مطار دولي يستقبل سنويا 20 مليون سائح من شتى أرجاء العالم . ويبدو أن تاريخ بناء هذا المطار يعود إلى خمسينيات القرن الماضي ، ولا شك بأن من حولوه من مطار صغير فوق أرض قاحلة إلى أحد أهم معالم التقدم والرقي في المنطقة هم رجال صنعوا تاريخ بلادهم بالمثابرة والحكمة وحب الوطن . هم شيوخ امارات صغيرة آثروا على أنفسهم شيخا جليلا عاقلا لبناء دولتهم الجديدة وهو لم يخب ظنهم ، فكرس جل حياته للقيام بهذه المهمة وبناء هذا البلد الشامخ المتقدم بعيدا عن أوهام الأيدولوجية القومية والغطرسة الدكتاتورية والفساد الذي استشرى في معظم بلدان المنطقة .

بالمقابل ماذا رأيناه وعشناه في العراق وهو الدولة الخضراء الأغنى في المنطقة منذ ذلك التاريخ القريب . ففي الستينات وبينما كان شيوخ الخليج يمضون بهمة وعزم وصلابة نحو بناء دولهم وتنميتها ورقيها ، كانت الانقلابات العسكرية والحزبية تنخر المجتمع العراقي ، فلم تكد تمر سنوات قليلة حتى يخرج قائد عسكري أو قائد حزبي لينقلب على النظام الحاكم قبله ، ثم بعد سنوات قليلة أخرى يأتي آخر لينقلب على من سبقه ، وهكذا عاش البلد في دوامة الانقلابات العسكرية والمغامرات الحزبية رغم أن السلطة الملكية دشنت منذ أوائل تأسيس الدولة العراقية نوعا من الديمقراطية والانفتاح على التعددية . ثم جاءت دولة البعث القومية بانقلاب عسكري وكرست ثروات البلاد لخوض معارك ومواجهات وهمية مع الاستعمار والامبريالية ، رغم أن أحوال العراقيين في زمن الاستعمار كانت أفضل بكثير من عصر الاستحمار البعثي .

تنفس العراقيون الصعداء حين جاءت الامبريالية العالمية لتطيح بأحد أعتى الأنظمة الدكتاتورية في العالم وهو نظام صدام حسين الذي ذبح عشرات الآلاف من معارضيه وقتل وشرد الملايين بسبب حروبه ومغامراته القومية المزيفة . ولكن مع زوال ظل الدكتاتورية في العراق لم يهنأ الشعب العراقي بالسعادة والرخاء المنتظر مع كل تلك الامكانيات الهائلة للبلد من حيث الثروات والعقول البشرية . فمنذ الاطاحة بصدام عاش البلد في حال أسوأ بكثير عما قبله بسبب الطائفية المقيتة والمحاصصة الكريهة والفساد الذي ساد مفاصل الدولة بأكملها فذهبت كل أحلامهم وتطلعاتهم نحو التغيير إلى أدراج الرياح .

فمنذ أكثر من عشرين عاما يعاني البلد من هدر ثروات طائلة كانت تكفي لوضع أسس متينة وراسخة للتقدم والرقي. وبدلا من أن تكرس النخبة السياسية الجديدة امكانيات الدولة وقدراتها البشرية لتصل على أقل تقدير إلى ربع ما وصلت إليه دول الخليج على يد شيوخها في الامارات وقطر والكويت والبحرين وعمان والسعودية ، دمرت هذه النخبة ما بقي من العراق من مظاهر الرقي والتقدم ، وأغرقوا البلاد في فساد عظيم طال كل مفاصل الدولة . ففي حين يحول شيوخ الخليج وعقلائهم صحارى أوطانهم إلى غابات ومروج خضراء ، تتحول أراضي العراق الخضراء إلى صحارى وتتيبس أشجاره ويعز على أبنائه حتى مياه الشرب الصالحة للبشر . وفي حين يرسل شيوخ الخليج أبنائهم لاستشكاف الفضاء ، يهرب العلماء العراقيون إلى الخارج من سوء أوضاعهم المعيشية واهمال الدولة المتعمد لهم .

المشكلة أن العراقيين برمتهم سنتهم وشيعتهم ينتظرون ” المهدي المنتظر ”  ليخلصهم من الظلم والجور الذي لحق بهم عبر التاريخ ، ولكن النخبة السياسية التي أكثرهم من منتظري المهدي أوغلوا في تحطيم البلد عبر السرقات ونهب أموال الدولة في مشاريع وهمية وعبر تخصيص ميزانيات هائلة لعصابات وميليشيات وفصائل اجرامية تحت شعار ” المقاومة ” .

الكل يعلق آماله على ظهور المهدي لكي ينقذهم من وضعهم المأساوي هذا ، ومع ذلك فإن أنصار المهدي ومنتظروه ماضون في غيهم وفسادهم وليس بينهم أحد يسعى لإنقاذ  العراق من مأساته ويبذل ما بوسعه ليملأ أرض العراق قسطا وعدلاً، بعد أن ملئت ظلمًا وجوراً .

أحدث المقالات

أحدث المقالات